محمود عبدالعزيز... ساحر السينما المصرية (4-10)

«رأفت الهجان» ينقذ هالة صدقي من السقوط في «فخ الجواسيس»

نشر في 04-05-2020
آخر تحديث 04-05-2020 | 00:00
تتابعت رحلة النجم محمود عبدالعزيز، وحصل على العديد من البطولات السينمائية، وتنوَّع أداؤه بين الكوميديا والتراجيديا، وتجاوز مرحلة الانتشار إلى انتقاء أعماله بدقة، وجمعته أفلام مع نجوم جيله، مثل: نور الشريف، وحسين فهمي، ويحيى الفخراني ومحمود ياسين، وتألق في ثلاثية «العار والكيف وجري الوحوش» مع المخرج علي عبدالخالق، وكشف عن سر التفرد في مشواره الفني، وللأحداث بقية...
بلغ «الساحر» ذروة تألقه الفني في السينما، ويُعد من الممثلين القلائل الذين ارتدوا قناعين لشخصيتين متناقضتين، أحدهما محكوم عليه بالإعدام، والثاني ينفذ الحكم، وظهر بالقناع الأول في فيلم «إعدام ميت» تأليف إبراهيم مسعود، وإخراج علي عبدالخالق، وقام بدور جاسوس خائن لبلده، وأدى باقتدار مشهد تنفيذ الحكم الذي لم يستغرق سوى عدة دقائق على الشاشة، لكنه أبرز طاقته التمثيلية الطاغية، ومعايشته التامة لأبعاد هذه الشخصية المنطوية على الكذب والاحتيال.

وارتدى «الساحر» القناع الثاني في فيلم «دنيا عبدالجبار» عام 1992، تأليف عصام الشماع، وإخراج عبداللطيف زكي، وشاركه البطولة إلهام شاهين وصلاح قابيل ووحيد سيف ومحمد كامل وحمدي الوزير. وتدور الأحداث حول عبدالجبار، وهو شرطي بدرجة صُول، يُرشح لوظيفة الجلاد أو «العشماوي» المسؤول عن تنفيذ أحكام اﻹعدام، لما له من مهابة وقوة شخصية. أما «دنيا»، فهى جارته التي توافق على الزواج منه، رغم شخصيته الصارمة.

والمفارقة أن دور عبدالجبار كان مرشحاً له النجم يحيى الفخراني، لكنه ذهب إلى محمود عبدالعزيز، وتوترت العلاقة بين نجمين جمعتهما صداقة وزمالة فنية، وتشاركا في بطولة فيلمي «الكيف» و«إعدام ميت»، وحينها تدخل الإعلامي محمود سعد، وطلب من عبدالعزيز أن يتصل بزميله، ويقول له إنه سيعتذر عن الفيلم، وبالفعل انتهى الخلاف، وهكذا صفت الأجواء بين «الساحر» وبطل مسلسل «ليالي الحلمية» الباشا سليم البدري.

اقرأ أيضا

وعن كواليس هذا الفيلم، قالت النجمة إلهام شاهين: «أثناء تصوير فيلم (دنيا عبدالجبار)، ارتديت في أحد المشاهد فستاناً، فغضب محمود، وطلب مني تغييره، رغم أن المشهد لم يتطلب ما يقوله، لكنه كان متقمصاً لشخصية عبدالجبار الذي لا يريد من زوجته دنيا ارتداء هذه الملابس، واختلفنا، لكن في اليوم التالي نفذت ما طلبه بكل سعادة، فهو شخصية متفردة في التمثيل، ومن أقوى الفنانين في تاريخ السينما المصرية».

وخلال ندوة «صانع البهجة» التي أقيمت في دار الأوبرا المصرية، بعد رحيل محمود عبدالعزيز، تطرَّقت شاهين لعلاقتها بـ«الساحر»، قائلة: «جمعتني به حياة فنية وإنسانية جميلة، فمثلت معه وأنا في السنة الثانية من المعهد في فيلم (العار)، بعدها (البريء)، وكنت محظوظة بالعمل معه في صغري، وبعد ذلك التقينا في أفلام (دنيا عبدالجبار) و(سوق المتعة) و(هارمونيكا) و(الجنتل)، فهذا يعني أن عمري الفني كله قضيته معه، ونفس الأمر إنسانياً، لأنه متزوج من صديقتي المقربة وأختي الإعلامية بوسي شلبي».

وعن جوانب شخصية محمود عبدالعزيز، قالت: «إنه من أهم الفنانين، وجلساته هي الأجمل، وكان دائماً مهموماً من الحال التي وصلت إليها مصر والسينما، لأنه صادق في مشاعره وحساس جداً، وكثيراً ما أسعد الجمهور المصري، وما علينا إلا أن نسعده في حياته ونعطيه قيمته، وفي العمل يُعد الفنان الراحل هو أكثر شخص يحب الخير لكل مَن حوله، وخلال أعماله يصل أول شخص ويأكل مع العاملين في الاستديو، ويكون قريباً منهم لما يتمتع به من تواضع».

«فخ الجواسيس»

كان الساحر على موعد مع أفلام الجاسوسية، فضلاً عن مسلسل «رأفت الهجان»، وبعد فيلم «إعدام ميت» قدَّم «فخ الجواسيس» عام 1992 مع السناريست إبراهيم مسعود، والمخرج أشرف فهمي، وشارك في البطولة النجمة هالة صدقي ومريم فخرالدين وإيمان وأحمد خليل وخالد محمود. وتلك المرة قام محمود عبدالعزيز بدور ضابط المخابرات الذي يدخل في صراع مع الموساد، وينجح في تجنيد داليا (هالة صدقي)، ابنة الباشوات الناقمة على بلدها، بسبب تأميم ممتلكات والدها، وتتوالى الأحداث.

واعتبر النقاد أن «فخ الجواسيس» لم يحقق النجاح المطلوب في قاعات السينما، لأن الجمهور كان تشبَّع من أجزاء مسلسل «رأفت الهجان»، كما أن مَن دخل العرض كان يريد أن يشاهد النجم محمود عبدالعزيز بشخصية «الجاسوس الدونجوان خفيف الظل الفهلوي»، لكنهم وجدوه في دور ضابط المخابرات الجاد الذي يطارد الجاسوسة داليا، رغم إنتاج هذا الفيلم وعرضه بعد نهاية أجزاء «الهجان» الثلاثة، لاستثمار نجاح ثيمة الجاسوسية، لكنه لم يحظَ بشهرة ونجاح فيلم «الصعود للهاوية» للمخرج كمال الشيخ، وقام ببطولته النجم محمود ياسين ومديحة كامل وجميل راتب وإبراهيم خان.

«خلطبيطة» كافكا

وبدأ «الساحر» في وقت مبكر مغامرة التجريب، وأصبح ممثلاً يملك قرار الرفض والقبول لأعمال فنية، وقد حجز لنفسه مكاناً مريحاً بين نجوم الصف الأول، وكما شارك مع المخرج علي عبدالخالق في ثلاثية «العار والكيف وجري الوحوش»، التقى المخرج رأفت الميهي في أفلام كانت تعتبر، آنذاك، شطحات ومغامرات سينمائية غير مأمونة العواقب، لكنها حققت المعادلة الصعبة بين فرادة الفكرة والنجاح الجماهيري.

وكان «السادة الرجال» عام 1987 أول هذه الأفلام، واستطاع الميهي كمخرج وسيناريست متميز، أن يقدم محمود عبدالعزيز في كوميديا فانتازية، ويكشف عن موهبة كامنة في هذا الممثل الاستثنائي، وبالفعل حقق الفيلم نجاحاً كبيراً في دور السينما، وتفاعل الجمهور مع قصة معاناة الزوجة فوزية (معالي زايد) من معاملة زوجها أحمد (محمود عبدالعزيز)، وعدم اهتمامه بها بالشكل المطلوب، ورفضه أن يطلقها، فقررت إجراء عملية جراحية للتحول من سيدة إلى رجل، وبعد تحويل جنسها واجهت أزمة جديدة في التعامل مع المحيطين بها.

وتوالت ردود الفعل حول «السادة الرجال»، واعتبرت الناقدة ماجدة موريس أن محمود عبدالعزيز قدَّم قضايا المرأة بفهم عميق، وعرضت أفلامه القضايا المسكوت عنها، والتي طالبت بالمساواة بين الرجل والمرأة داخل المنزل وفي العمل، وكانت أهم المراحل الفنية في حياته، هي تلك التي كان فيها نجم أفلام رأفت الميهي، وجزء مهم من شخصيته أنه مزج بين الجد والهزل، واشترك الاثنان في تقديم ذكورية المجتمع وأزمات الزواج.

وتناول «السادة الرجال» أبعاد العلاقة بين الرجل والمرأة من منظور اجتماعي ونفسي في إطار كوميدي ساخر، منتقداً واقع مجتمع الرجال المرتبطين بالمفاهيم الأسرية القديمة المتعجرفة، فالزوجة ينهاها زوجها عن تجاوز حدودها كامرأة، ويصر على أن الرجل هو صاحب الأمر والنهي في الحياة الأسرية وفي المجتمع بأسره، لتثور الزوجة على المجتمع الذكوري، وتتحول إلى رجل لأخذ حقوقها.

وجاءت الموجة الفانتازية الثانية في «سمك لبن تمر هندي» عام 1988، وتجدد لقاء الساحر مع الميهي، ودارت أحداث الفيلم حول شخصية «أحمد سبانخ» الذي يرغب في الزواج من حبيبته «قدارة» منذ سنوات طويلة، ويسافر والده إلى الخارج بهدف الحصول على أموال وإعانة أولاده، وبعد رفض والده تقديم جزء من دخله إلى المسؤولين عن سفره للخارج، يتعرض لمضايقات منهم، ويترك الابن في مأزق تهمة خطيرة.

واكتملت ثلاثية «الساحر» والميهي في فيلم «سيداتي آنساتي» عام 1989، وانطلقت أحداثه من خلال توليفة كوميدية اجتماعية، ومناقشة قضية العنوسة، عندما يتقدم د. محمود (محمود عبدالعزيز)، الحاصل على الدكتوراه، للعمل كساع لزيادة أجره، وتقرر أربع فتيات تأخر بهن سن الزواج أن يتزوجن منه في آن واحد، للتغلب على أزمة السكن، بشرط بقاء العصمة في أيديهن.

واستعاد «الساحر» أجواء الفانتازيا بعيداً عن الميهي، وقام ببطولة فيلم «خلطبيطة» عام 1995 للمخرج مدحت السباعي، وشارك في البطولة حسين الشربيني وماجدة زكي وأحمد توفيق، ومنى السعيد، ودارت أحداثه حول «حسان»، وهو موظف في وزارة الثقافة، تحبه زميلته في العمل «نرجس» وتخطط للزواج منه، ويفاجأ بإحدى الجهات الأمنية تلقي القبض عليه، وتوجه له عدداً من الاتهامات، فيضطر إلى التنكر تارة في زي سائح أجنبي، وتارة في زي امرأة، وعندما يضيق عليه الخناق يضطر للهرب مع جارته الراقصة «زيزي»، ويظل يتجول معها كصبي في فرقتها.

ولم يحقق «خلطبيطة» نجاحاً مماثلاً لأفلام «الساحر» السابقة، رغم أنه مقتبس عن الرواية الشهيرة «المحاكمة» للأديب الألماني فرانز كافكا، وانحاز النقاد وقتها لتجربته مع رأفت الميهي، باعتبار الأخير محتكر الفانتازيا، لكن الفيلم يعتبر من أبرز أعمال المخرج مدحت السباعي، وأبرز مهارته في إدارة الكاميرا مع إيقاعات سريعة، واسكتشات تعتمد على كوميديا ارتجالية.

«ورطة» في مهرجان الإسكندرية بعد اعتذار «صانع البهجة»

حرص النجم محمود عبدالعزيز خلال مسيرته الفنية على المشاركة في الفعاليات السينمائية، سواء داخل مصر أو خارجها، لكن عام 2013 شهد اعتذار «صانع البهجة» عن الرئاسة الشرفية لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته التاسعة والعشرين، ما وضع إدارة المهرجان في «ورطة»، لاسيما أن الاعتذار أحدث ردود فعل متباينة حول دوافعه، ويعتبر المرة الأولى التي يتخلف فيها عبدالعزيز عن الحضور أو المشاركة بأحد أفلامه.

وفي ذلك الوقت كشف النجم عن سر اعتذاره عن الرئاسة الشرفية للمهرجان، بقوله إن المشاركة في فعاليات هذه الدورة تأتي في توقيت غير مناسب، وان المهرجان لن يُحدث تأثيره المنشود، في ظل ما تمر به مصر من أحداث، آنذاك، ويجب التركيز عليها من خلال أعمال فنية هادفة.

عمر الشريف بديلاً عن «الساحر» في «حسن ومرقص»

تناثرت أقوال عن سر الخلاف بين النجمين محمود عبدالعزيز وعادل إمام. ورجح البعض أن نجاح «الساحر» في الأدوار الكوميدية فرض طابعاً تنافسياً على العلاقة بينهما، وكثيراً ما تحيَّر المخرجون في اختيار أحدهما لأداء أدوار الدراما التلفزيونية، وكان من أبرزها مسلسل «رأفت الهجان»، الذي ترشح له «الزعيم» في البداية، لكن البطولة ذهبت إلى عبدالعزيز، وبات اللقاء بينهما في عمل مشترك أشبه بالمستحيل.

وافترق النجمان بعد بطولة فيلم «شباب يرقص فوق النار»، لكن رواية كتبها المؤلف وحيد حامد كانت هي حل اللغز، بعد أن تقاسمها «الساحر» و»الزعيم»، وغردا مع «طائر الليل الحزين» التي كانت في الأصل مسلسلاً إذاعياً جسَّد فيه إمام دور «عادل عزام» الذي ينجح في الهروب من سجنه بعد الحكم عليه بالإعدام، من أجل إثبات براءته، ويلجأ إلى منزل رئيس المباحث «حازم» من أجل إثبات براءته. وحقق ذلك العمل الإذاعي نجاحاً كبيراً، بفضل فريق عمله، الذي ضم الفنانة فردوس عبدالحميد والفنان سعد أردش، وأخرجه عملاق الإذاعة المصرية مصطفى أبوحطب.

وبعد نجاح مسلسل «طائر الليل الحزين» في الإذاعة، طلب المخرج يحيى العلمي من السيناريست وحيد حامد تحويله إلى عمل سينمائي، وأسند دور «عادل عزام» إلى محمود عبدالعزيز، وشاركه البطولة كوكبة من النجوم، مثل: محمود مرسي وعادل أدهم ونيللي وشويكار ومريم فخرالدين وصلاح السعدني «ضيف شرف».

ومثلما كان السيناريست وحيد حامد نقطة التقاء بين «الساحر» و»الزعيم» بروايته، كان سبباً للخلاف بينهما، حينما ترشحا معاً لبطولة فيلم «حسن ومرقص»، وأصرَّ النجم الراحل محمود عبدالعزيز على اختيار حامد لكتابة الفيلم، فيما صمم النجم عادل إمام على إسناده للسيناريست يوسف معاطي، لينتهي الأمر بعدم اتفاقهما، وانسحاب «الساحر» من الفيلم، ويسند دوره للنجم العالمي عمر الشريف.

«طائر الليل الحزين» يجمع بين «صانع البهجة» والزعيم عادل إمام

«دنيا عبدالجبار» يثير أزمة بين «الساحر» و«الباشا سليم البدري»

معالي زايد تنافس بطل «السادة الرجال» في أدوار الكوميديا الفانتازية
back to top