عودة أخوَي ابن فاضل إلى الصورة البشرية (6- 30)

مرسوم ملكي بالعفو عن الشقيقين... وملك الجان يطيع الخليفة

نشر في 30-04-2020
آخر تحديث 30-04-2020 | 00:13
No Image Caption
تواصل شهرزاد في هذه الحلقة حكاية عبدالله بن فاضل مع أخويه، فتحكي ما حدث لهما بعد أن حولتهما الحيّة «سعيدة» بسحرها إلى كلبين، وقالت لعبدالله: اربطهما في الحبال حتى تدخل البصرة، على أن تضربهما كل ليلة. فوضع عبدالله في رقبة كل واحدٍ منهما حبلاً، ثم ربطهما في الصاري، وفي اليوم الثاني دخل البصرة، وطلع التجار لمقابلته وسلّموا عليه، ولم يسأل أحدٌ عن أخويه، بل صاروا ينظرون إلى الكلبين، ولم يعرفوا أنهما أخواه.
قال عبدالله: وضعتهما في خزانة والتهيت تلك الليلة في توزيع الأحمال التي فيها القماش والمعادن، وكان عندي التجار لأجل السلام، فاشتغلت ولم أضربهما، ولم أربطهما بالسلاسل ولم أعمل معهما ضرراً.

ثم نمت، فما أشعر إلا وسعيدة بنت الملك الأحمر قالت لي: أما قلت لك ضع في رقابهما السلاسل واضرب كل واحدٍ منهما علقة، ثم أنها قبضت عليّ وأخرجت السوط وضربتني علقةً حتى غبت عن الوجود، وبعد ذلك ذهبت إلى المكان الذي فيه أخواي وضربت كل واحدٍ منهما بالسوط حتى أشرفا على الموت، وقالت كل ليلةٍ اضرب كل واحدٍ منهما علقة مثل هذه العلقة، وإن مضت ليلة ولم تضربهما فإني أضربك، فقلت يا سيدتي في غدٍ أحط السلاسل في رقابهما والليلة الآتية أضربهما، ولا أرفع الضرب عنهما ليلة واحدة، فأكدت عليّ في الوصية بضربهما، فلما أصبح الصباح لم يهُن عليّ أن أضع السلاسل في رقابهما، فذهبت إلى صائغٍ وأمرته أن يعمل لهما غلين من الذهب، فعملهما، وجئت بهما ووضعتهما في رقابهما، وربطهما كما أمرتني، وفي ثاني ليلةٍ ضربتهما قهراً عني، وكانت هذه الحركة في مدة خلافة المهدي الثالث من بني العباس، وقد اصطحبت معه بإرسال الهدايا، فقلدني ولايةً وجعلني نائباً في البصرة، ودمت على هذه الحالة مدةً من الزمان.

ثم إني قلت في نفسي لعل غيظها قد برد، فرتكتهما ليلة من غير ضربٍ، فأتتني وضربتني علقةً لم أنس حرارتها بقية عمري، فمن ذلك الوقت لم أقطع عنهما الضرب مدة خلافة المهدي، ولما توفي المهدي توليت أنت بعده، وأرسلت إليّ تقرير الاستمرار على مدينة البصرة، وقد مضى لي اثنا عشر عاماً وأنا في كل ليلةٍ أضربهما قهراً عنّي، وبعدما أضربهما آخذ بخاطرهما، وأعتذر إليهما، وأطعمهما وأسقيهما وهما محبوسان، ولم يعلم بهما أحدٌ من خلق الله تعالى حتى أرسلت إليَّ أبا إسحق النديم من أجل الخراج، فاطلع على سرّي ورجع إليك، فأخبرك فأرسلته ثانياً تطلبني وطلبتهما، فأجبت بالسمع والطاعة وأتيت بهما بين يديك، ولما سألتني عن حقيقة الأمر أخبرتك بالقصة، وهذه حكايتي.

اقرأ أيضا

العفو عن الشقيقين

فعند ذلك تعجّب الخليفة هارون الرشيد من حال هذين الكلبين، ثم قال: وهل أنت على هذه الحالة سامحت أخويك مما صدر منهما في حقك وعفوت عنهما أم لا؟ فقال يا سيدي سامحهما الله وأبرأ ذمتهما في الدنيا والآخرة، وأنا محتاجٌ لكونهما يسامحاني، لأنه مضى لي اثنا عشر عاماً وأنا أضربهما في كل ليلةٍ علقةً، فقال الخليفة يا عبدالله، إن شاء الله تعالى أنا أسعى في خلاصهما ورجوعهما آدميين كما كانا أولا، وأصلح بينكم وتعيشون بقية أعماركم أخوة متحابين، وكما أنك سامحتهما يسامحانك، فخذهما وأنزل إلى منزلك، وفي هذه الليلة لا تضربهما، وفي غدٍ ما يكون إلا الخير.

فقال له يا سيدي وحياة رأسك إن تركتهما ليلةً واحدة من غير ضرب تأتيني سعيدة، وتضربني وأنا ما لي جسدٌ يتحمّل ضرباً، فقال لا تخف، فأنا أعطيك خطّ يدي، فإذا أتتك فأعطها الورقة فإذا قرأتها عفت عنك، كان الفضل لها، وإن لم تطع أمري كان أمرك إلى الله، ودعها تضربك علقةً وقدّر أنك نسيتهما من الضرب وضربتك بهذا السبب، وإذا حصل ذلك وخالفتني فإن كنت أنا أمير المؤمنين فإني أعمل خلاصي معها، ثم أن الخليفة كتب لها ورقة مقدار إصبعين، وبعدما كتبها ختمها، وقال يا عبدالله إذا أتتك سعيدة، قل لها إن الخليفة ملك الإنس أمرني بعدم ضربهما، وكتب لي هذه الورقة، وهو يقرئك السلام، وأعطها المرسوم ولا تخش بأساً.

ثم أخذ عليه العهد والميثاق أنه لا يضربهما، فأخذهما وراح بهما إلى منزله، وقال في نفسه يا ترى ما الذي يصنعه الخليفة في حق بنت سلطان الجن إذا كانت تخالفه وتضربني في هذه الليلة؟ ولكن أنا صابرٌ على ضربي علقةً وأريح أخواي في هذه الليلة، ولو كان يحصل لي من أجلهما العذاب، ثم أنه تفكّر في نفسه، وقال له عقله لولا أن الخليفة مستندٌ إلى سندٍ عظيم ما كان يمنعك عن ضربهما.

ثم أنه دخل منزله ونزع الأغلال من رقاب أخويه، وقال توكلت على الله وصار يأخذ بخاطرهما ويقول لهما لا بأسٌ عليكما، فإن الخليفة الخامس من بني العباس قد تكفّل بخلاصكما، وأنا قد عفوت عنكما، وإن شاء الله تعالى يكون الأوان قد آن وتخلصان في هذه الليلة المباركة، فأبشرا بالهناء والسرور، فلما سمعا هذا الكلام صار يعويان مثل عواء الكلاب.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

مرسوم الخليفة

وفي الليلة الثامنة عشرة بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عبدالله بن فاضل قال لأخويه أبشرا بالهناء والسرور، فلما سمعا هذا الكلام صارا يعويان مثل عواء الكلاب، ويمرغان خدودهما على أقدامه، كأنهما يدعوان له ويتواضعان بين يديه، فحزن عليها وصار يملس بيده على ظهورهما إلى أن جاء وقت العشاء، فلما وضعوا السفرة قال لهما اجلسا، فجلسا يأكلان معه على السفرة، فصارت أعوانه باهتين يتعجبون من أكله مع الكلاب، ويقولون: هل هو مجنون أو مختل العقل؟ كيف يأكل نائب مدينة البصرة مع الكلاب، وهو أكبر من وزيرٍ؟ أما يعلم أن الكلب نجسٌ وصاروا ينظرون إلى الكلبين، وهما يأكلان معه أكل الحشمة ولا يعلمون أنهما أخواه وما وزالوا يتفرجون على عبدالله والكلبين حتى فرغوا من الأكل.

ثم أن عبدالله غسل يديه، فمدّ الكلبان أيديهما وصارا يغسلان، وكل من كان واقفاً صار يضحك عيهما، ويتعجب ويقولون لبعضهم عمرنا ما رأينا الكلاب تأكل وتغسل أيديهما بعد أكل الطعام، ثم أنهما جلسا على المراتب بجنب عبدالله بن فاضل، ولم يقدر أحدٌ أن يسأله عن ذلك، واستمر الأمر هكذا إلى نصف الليل، ثم صرف الخدم وناموا ونام كل كلبٍ على سريرٍ، وصار الخدام يقولون لبعضهم إنه نام ونام معه الكلبان، وبعضهم يقول حيث أكل مع الكلاب على السفرة، فلا بأس إذا ناما معه، وما هذه إلا حال المجانين.

ثم أنهم لم يأكلوا مما بقي في السفرة من الطعام شيئاً، وقالوا كيف نأكل فضلة الكلاب، ثم أخذوا السفرة بما فيها ورموها، وقالوا إنها نجسة، هذا ما كان من أمرهم، أما ما كان من أمر عبدالله بن فاضل، فإنه لم يشعر إلا والأرض قد انشقت وطلعت سعيدة، وقالت يا عبدالله لأي شيءٍ مما ضربتهما في هذه الليلة، ولأي شيءٍ نزلت الأغلال من أعناقهما؟ هل فعلت ذلك عناداً لي أو استخفافاً بأمري؟ ولكن أنا الآن أضربك وأسحرك كلبا مثلهما، فقال لها يا سيدتي أقسمت عليك بالنقش الذي على خاتم سليمان بن داود عليهما السلام أن تحملي عليّ حتى أخبرك بالسبب ومهما أردتيه بي فافعليه، فقالت له: أخبرني، فقال لها: أما سبب عدم ضربهما فإن الخليفة أمير المؤمنين هارون الرشيد أمرني ألّا أضربهما في هذه الليلة، وقد أخذ عليّ مواثيق وعهود على ذلك، وهو يقرئك السلام وأعطاني مرسوماً بخط يده، وأمرني أن أعطيك إياه، فامتثلت مرةً وأطعته وطاعة أمير المؤمنين واجبة، وها هو المرسوم، فخذيه واقرئيه، وبعد ذلك افعلي مرادك.

ملك الإنس

فقالت هاته، فناولتها المرسوم ففتحته وقرأته وقرأت مكتوباً بسم الله الرحمن الرحيم من ملك الإنس هارون الرشيد إلى بنت الملك الأحمر سعيدة، أما بعد فإن هذا الرجل قد سامح أخويه، وأسقط حقه عنهما، وقد حكمت عليهما بالصلح، وإذا وقع الصلح ارتفع العقاب، فإن اعترضتمونا في أحكامنا اعترضناكم في أحكامكم، وخرقنا قانونكم، وإن امتثلتم أمرنا ونفّذتم أحكامنا، فإننا ننفذ أحكامكم، وقد حكمت عليك بعدم التعرّض لهما، فإن كنت تؤمنين بالله ورسوله، فعليك بطاعة وليّ الأمر، وإن عفوت عنهما فأنا أجازيك بما يقدّرني عليه ربّي، وعلامة الطاعة ترفعي سحرك عن هذين الرجلين حتى يقبلان عليّ خالصين، وإن لم تخلصيهما فأنا أخلصهما قهرا عنك بعون الله تعالى.

فلما قرأت ذلك الكتاب، قالت يا عبدالله، لا أفعل شيئاً حتى أذهب إلى أبي، وأعرض عليه مرسوم ملك الإنس، وأرجع إليك بالجواب بسرعةٍ، ثم أشارت بيدها إلى الأرض، فانشقت ونزلت فيها، فلما ذهبت صار قلب عبدالله فرحا، وقال: أعز الله أمير المؤمنين.

ثم إن سعيدة دخلت على أبيها وأخبرته بالخبر، وعرضت عليه مرسوم أمير المؤمنين، فقبله ووضعه على رأسه، ثم قرأه وفهم ما فيه، وقال يا بنتي إن أمر ملك الإنس علينا ماضٍ وحكمه فينا نافذٌ، ولا نقدر أن نخالفه، فامضي إلى الرجلين، وخلّصيهما في هذه الساعة، وقولي لهما أنتما في شفاعة ملك الإنس، فإنه إن غضب علينا أهلكنا عن آخرنا، فلا تحمّلينا ما لا نطيق، فقالت له يا أبتِ إذا غضب علينا ملك الإنس ماذا يصنع بنا؟ فقال لها يا ابنتي إنه يقدر علينا من وجوه؛ الأول لله من البشر، فهو مفضلٌ علينا، والثاني أنه خليفة الله، والثالث أنه مصرٌ على ركعتي الفجر، فلو اجتمعت عليه طوائف الجن من السبع أرضين لا يقدرون أن يصنعوا به مكروها، فإن غضب علينا يصلّي ركعتي الفجر، ويصيح علينا صيحةً واحدةً، فنجتمع بين يديه طائعين ونصير كالغنم بين يدي الجزار إن شاء فأمرنا بالرحيل من أوطاننا إلى أرضٍ موحشةٍ لا نستطيع المكث فيها، وإن شاء هلاكنا أمر بهلاك نفسنا فيهلك بعضنا بعضا، فنحن لا نقدر على مخالفة أمره، فإن خالفنا أمره أحرقنا جميعا، وليس لنا مفرٌ من بين يديه، وكذلك كل عبدٍ داوم على ركعتي الفجر، فإن حكمه نافذٌ فينا، فلا تتسببي في هلاكنا من أجل رجلين، بل امضي وخلصيهما قبل أن يحيق بنا غضب أمير المؤمنين، فرجعت إلى عبدالله بن فاضل، وأخبرته بما قال أبوها، وقالت له قبّل لنا يدي أمير المؤمنين، واطلب لنا رضاه، ثم إنها أخرجت الطاسة، ووضعت فيها الماء وعزمت عليها، وتكلّمت بكلماتٍ لا تفهم، ثم رشتهما بالماء، وقالت: اخرجا من الصورة الكلبية إلى الصورة البشرية، فعادا بشرين كما كانا، وانفك عنهما السحر، وقالا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم وقعاً على يد أخيهما وعلى رجليه يقبلانهما، ويطلبان منه السماح، فقال لهما سامحاني أنتما، ثم إنهما تابا توبة نصوحا، وقالا: قد غرّنا إبليس اللعين، وأغوانا السمع، وربنا جزانا بما نستحقه، والعفو من شيم الكرام، وصارا يستعطفان أخيهما ويبكيان ويتندمان على ما وقع منهما، ثم إنه قال لهما ما فعلتما بزوجتي التي جئت بها من مدينة الحجر، فقالوا لما أغوانا الشيطان ورميناك في البحر، وقع الخلاف بيننا، وصار كل واحدٍ منا يقول أنا أتزوج بها.

فلما سمعت كلامنا ورأت اختلافنا، وعرفت أننا رميناك في البحر، طلعت من الخزانة وقالت لا تختصما من أجلي، فإني لست لواحد منكما، إن زوجي راح البحر، وأنا أتبعه ثم إنها رمت نفسها في البحر، وماتت، فقال إنها ماتت شهيدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم إنه بكى عليها بكاء شديدا، وقال لهما لا يصح منكما أن تفعلا معي هذه الفعال، وتعدا ما بي لزوجتي، فقالا إننا أخطانا وربنا جازانا على ما فعلنا، وهذا شيء قدّره الله علينا قبل أن يخلقنا، فقبل عذرهما.

ثم إن سعيدة قالت: أيفعلان معك هذه الفعال وأنت تعفو عنهما؟ فقال يا أختي من قدر وعفا كان أجره على الله، فقالت: خذ حذرك منهما فإنهما خائفان، ثم ودّعته وانصرفت.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

نصيحة الخليفة

وفي الليلة التاسعة عشرة بعد الخمسمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عبدالله لما حذّرته سعيدة من أخويه ودعته وانصرفت إلى حال سبيلها، فبات عبدالله بقية تلك الليلة هو وأخواه على أكلٍ وشربٍ وبسطٍ وانشرح صدرهما.

فلما أصبح الصباح، أدخلهما الحمام، وعند خروجهما منه ألبس كل واحدٍ منهما بدلة تساوي جملةً من المال، ثم إنه طلب سفرة طعام، فقدّموها بين يديه، فأكل هو وأخواه، فلما نظرهما الخدام وعرفوا أنهما أخواه سلّموا عليهما، وقالوا للأمير عبدالله: يا مولانا هنّاك الله باجتماعك على أخويك العزيزين، وأين كانا في هذه المدة؟ فقال لهم: هما اللذان رأيتموهما في صورة كلبين، والحمد لله الذي خلّصهما من السجن والعذاب الأليم، ثم إنه أخذهما وتوجّه إلى ديوان الخليفة هارون الرشيد ودخل بهما عليه وقبّل الأرض بين يديه، ودعا له بدوام العز والنعم وإزالة البؤس والنقم، فقال له: مرحباً بك يا أمير المؤمنين، أعز الله قدرك إني لما أخذت أخواي وذهبت بهما إلى منزلي اطمأننت عليهما بسببك، حيث تكفلت بخلاصهما، وقلت في نفسي إن الملوك لا يعجزون عن أمرٍ يجتهدون فيه، إن العناية تساعدهم، ثم نزعت الأغلال من رقابهما وتوكلت على الله، وأكلت أنا وإياهما على السفرة، فلما رآني أتباعي آكل معهما وهما في صورة كلبين، استخفوا عقلي وقالوا لبعضهم: لعله مجنونٌ! كيف يأكل نائب البصرة مع الكلاب، وهو أكبر من الوزير؟ ورموا بما فضل من السفرة، وقالوا لا نأكل ما بقي من الكلاب، وصاروا يسفّهون رأيي، وأنا أسمع كلامهم ولا أرد عليهم جواباً لعدم معرفتهم أنّهما أخواي ثم عرفتهم.

وعندما جاء وقت النوم طلبت النوم، فلم أشعر إلا والأرض قد انشقت وخرجت سعيدة بنت الملك الأحمر، وهي غضبانةٌ عليّ وعيناها مثل النار، ثم أخبر الخليفة بجميع ما وقع منها ومن أبيها وكيف أخرجتهما من الصورة الكلبية إلى الصورة البشرية، ثم قال: وها هما بين يديك يا أمير المؤمنين، فالتفت الخليفة فرآهما شابين كالقمرين، فقال الخليفة: جزاك الله عنّي خيراً يا عبدالله، حيث أعلمتني بفائدةٍ ما كنت أعلمها إن شاء الله لا أترك صلاة هاتين الركعتين قبل طلوع الفجر ما دمت حيا.

ديوان الخليفة

ثم إنه عنّف شقيقي عبدالله بن فاضل على ما سلف منهما في حقّه، فاعتذرا قدّام الخليفة، فقال لهم: تصافحوا وسامحوا بعضكم، وعفا الله عما سلف، ثم التفت إلى عبدالله وقال: يا عبدالله اجعل أخويك معينين لك، وتوصل بهما، وأوصاهما بطاعة أخيهما.

ثم أنعم عليهم وأمرهم بالارتحال إلى مدينة البصرة، بعد أن عطاهم إنعاما جزيلا، فنزلوا من ديوان الخليفة مجبورين وفرح الخليفة بهذه الفائدة التي استفادها من هذه الحركة، وهي المداومة على صلاة ركعتي الفجر، وقال: صدق من قال: مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد. هذا ما كان من أمرهم مع الخليفة.

وأما ما كان من أمر عبدالله بن فاضل فإنه سافر من مدينة بغداد ومعه أخواه بالإعزاز والإكرام وعلوّ المقام، إلى أن دخلوا مدينة البصرة، فخرج الأكابر والأعيان لملاقاتهم، وزيّنوا لهم المدينة وأدخلوهم بموكبٍ ليس له نظيرٌ، وصار الناس يدعون له، وهو ينثر الذهب والفضة، وصار جميع الناس صائحين بالدعاء له، ولم يلتفت أحدٌ إلى أخويه، فدخلت الغيرة والحسد في قلوبهما، ومع ذلك كان عبدالله يداريهما مداراة العين الرمداء، كلما داراهما لا يزدادان إلا بغضا له وحسداً فيه.

ثم أنه أعطى كل واحدٍ منهما سريّةً ليس لها نظيرٌ وجعلهما بخدمٍ وحشمٍ وجوار وعبيدٍ سودٍ وبيضٍ من كل نوعٍ أربعين، وأعطى كل واحدٍ منهما خمسين جواداً من الخيل الجياد، وصار لهما جماعةٌ وأتباعٌ، ثم أنه عيّن لهما خراجا ورتّب لهما رواتب، وجعلهما معينين له، وقال لهما: أنا وأنتما سواءٌ، ولا فرق بيني وبينكما.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

مؤامرة جديدة

لما كانت الليلة العشرون بعد الخمسمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن عبدالله رتّب لأخويه الرواتب، وجعلهما معينين له، وقال لهما أنا وأنتما سواء، ولا فرق بيني وبينكما، فالحكم بعد الله والخليفة لي ولكما، فاحكما في البصرة في غيابي وحضوري، وحكمكما نافذ، ولكن عليكما بتقوى الله في الأحكام، وإياكما والظلم، فإنه إن دام دمّر، وعليكما بالعدل فإنه إن دام عمّر، ولا تظلما العباد، فيدعون عليكما، وخبركما يصل إلى الخليفة فتحصل فضيحة في حقّي وحقكما، فلا تتعرضا لظلم أحدٍ، والذي تطمعان فيه من أموال الناس خذاه من مالي زيادة على ما تحتاجان إليه ولا يخفى عليكما ما ورد في الظلم في حكم الآيات.

ثم إنه صار يعظ أخويه ويأمرهما بالعدل وينهاهما عن الظلم، حتى ظنّ أنهما أحباه بسبب بذل النصيحة لهما، ثم إنه ركن إليهما وبالغ في إكرامهما، ومع إكرامه لهما ما ازدادا إلا حسداً له وبغضاً فيه.

أما أخويه ناصراً ومنصوراً فإنهما اجتمعا مع بعضهما، فقال ناصرٌ لمنصورٍ: يا أخي إلى متى ونحن تحت طاعة أخينا عبدالله وهو في هذه السيادة والإمارة، وبعدما كان تاجراً صار أميراً، وبعدما كان صغيراً صار كبيراً، ونحن لم نكبر ولم يبق لنا قدرٌ ولا قيمةٌ، وها هو ضحك علينا وعملنا معينين له، ما معنى ذلك؟ أليس أننا نخدمه ومن تحت طاعته، وما دام طيباً لا ترتفع درجتنا، ولا يبقى لنا شأنٌ، فلا يتم غرضنا إلا إن قتلناه وأخذنا أمواله، ولا يمكن أخذ هذه الأموال إلا بعد هلاكه، فإذا قتلناه نسود ونأخذ جميع ما في خزائنه من الجواهر والمعادن والذخائر، وبعد ذلك نقسمها فيما بيننا، ثم نهيئ هدية للخليفة، ونطلب منه منصب الكوفة، وأنت تكون نائب البصرة، وأنا أكون نائب الكوفة، أو أنك تكون نائب الكوفة، وأنا أكون نائب البصرة، ويبقى لكل واحدٍ منا صولةٌ وشأنٌ، ولكن لا يتم لنا ذلك إلا إذا أهلكناه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكت عن الكلام المباح.

وإلى اللقاء في حلقة الغد

عبدالله بن فاضل يتعرّض لمؤامرة جديدة وظهور بنت ملك الأحجار

صلاة الفجر تقي الوالي من الهلاك

سعيدة تضرب عبدالله "علقة" ساخنة حتى غاب عن الوعي

الملك الأحمر يقبل شفاعة هارون الرشيد

شقيقا عبدالله يعتذران له أمام الخليفة
back to top