خاص

غسان الخوجة: انخفاض أسعار النفط يتطلب تعديل السياسة المالية

● البنك الدولي بالكويت أكد أن الدولة مرّت بأزمات من قبل وخرجت منها أقوى من السابق
● ركائز الكويت ضمان لازدهارها... ونداء لفزعة اقتصادية نحو الإصلاح

نشر في 19-04-2020
آخر تحديث 19-04-2020 | 00:03
الممثل المقيم لمكتب البنك الدولي في الكويت، غسان الخوجة
الممثل المقيم لمكتب البنك الدولي في الكويت، غسان الخوجة
شدد الخوجة على أنّ عمليات السحب المستمرة من الصندوق الاحتياطي العام لتمويل العجز خفّضت أرصدته السائلة إلى 10 مليارات دينار، أو 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2019، وقد انخفضت أكثر منذ ذلك الحين.
أكد الممثل المقيم لمكتب البنك الدولي في الكويت، غسان الخوجة، أن الصدمة المزدوجة التي تزامن فيها وباء كوفيد - 19 المتفشي حول العالم مع انهيار أسعار النفط، وضعت الكويت أمام تحدّياتٍ صعبة، فإلى جانب المعاناة البشرية والخسائر في الأرواح، أدّى «كوفيد - 19» إلى صدمات في العرض، على شكل إغلاق للشركات والحركة التجارية وسلاسل الإمدادات العالمية، وإلى صدمات في الطلب من خلال التراجع في الاستهلاك والاستثمار. وإضافة إلى ذلك، فإن أسعار النفط التي كانت قد تأثرت بتفشي الوباء عادت لتنخفض بشكل كبير، بعد انهيار محادثات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مع المنتجين من خارج المنظمة (OPEC+).

وأضاف في حديث لـ «الجريدة» أنه على الرغم من أن تفاصيل هاتين الصدمتين غير مسبوقة، فإن الكويت سبق لها أن واجهت أزمات بهذا الحجم أو حتى أكبر وخرجت منها أقوى من السابق، بما في ذلك انهيار سوق المناخ سنة 1982، وانهيار أسعار النفط سنة 1986، والغزو العراقي سنة 1990. ونتيجة لذلك، تظهر المؤسسات الكويتية خبرتها في التعامل مع التقلبات الكبيرة التي تعرّضت لها في السابق، مما دفعها للتطوّر نتيجةً لذلك، استنادا إلى ركائز الكويت التي تشكل ضماناً لازدهارها، وهي أولًا قيادة سموّ الأمير الشيخ صباح الأحمد الحكيمة، واحتفاء العالم أجمع به، وتكريمه كرائد للعمل التنموي من قبل البنك الدولي وكقائد للعمل الإنساني من قبل الأمم المتحدة.

ثانيًا الدستور وسيادة القانون، وثالثًا مؤسسات الكويت التنفيذية والتشريعية والقضائية المتينة، ورابعًا الشعب الكويتي الوفي والمعطاء.

وأردف: شهدتُ على متانة هذه الركائز في عملي خلال هذه الأزمة، لقد كانت الكويت أول بلدٍ يبدأ بإعادة رعاياه إلى وطنهم. كما حرصت الحكومة على توفير محاجر صحيّة مؤسّسيّة ذات جودةٍ ممتازةٍ، وعملت على توفير الموارد لمن هم أشدّ تضرّرًا. والتزمت الكويت بشكلٍ تام بمعايير منظمة الصحة العالمية، وكانت الأولى في الإعلان عن سياسات التباعد الاجتماعي، بما في ذلك إغلاق المؤسسات التعليمية والحكومية والمنافذ البرية والجوية، منعًا للمزيد من التفشي، وبالتالي نظرت العديد من البلدان إلى الكويت وطبّقت التدابير نفسها.

التحدّيات

وأضاف الخوجة: هذا يقودني إلى الحديث عن التحدّيات التي تواجهها الكويت حاليًّا، والتي تتخطى التحدّيات الصحيّة. لقد كان وضع الكويت المالي يمرّ بضغوط قبل اندلاع أزمة وباء كوفيد - 19. واسمحوا لي أيضا أن أشدد على أن مسألة المالية العامة ليست جديدة، فهذه مسألة طال أمدها، لكن لم يتخذ سوى القليل من الإجراءات في الماضي، وبالتالي الآن هو الوقت المناسب للتفكير في فزعة اقتصادية نجو الإصلاح وكيفية تصحيح الخلل، بما في ذلك الخلل في سوق العمل

والتركيبة السكانية، التي نرى أثرها اليوم بشكل واضح. في ظل مساهمة النفط بما يزيد على 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبحوالي 90 في المئة من الإيرادات المالية، أدى ذلك إلى زيادة الهشاشة المالية والتأثير على قدرة الكويت على تمويل التحفيز المالي لمواجهة الأثر الاقتصادي لـ «كوفيد-19». وقدّرت وزارة المالية العجز المالي بنحو 9.2 مليارات دينار (22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) للسنة المالية 2020/ 2021، حيث اعتمدت هذه الميزانية على سعر مفترض للنفط عند 55 دولارًا للبرميل، لكن مع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 20 دولارًا حاليًا، نقدر انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الى 0 في المئة (وكان التقدير في أكتوبر 2019 نمو بنسبة 2.5 في المئة، مما يعني خسارة حوالي 3.5 مليارات دولار من اقتصاد الكويت وعجز في الميزانية يفوق 10 مليارات دينار)، ومن المرجح أن تكون النتائج المالية للربع الرابع للسنة المالية الحالية أسوأ بكثير من الميزانية المدرجة، مع المزيد من التدهور في العام التالي مع استمرار الأزمة.

وشدد على أنّ عمليات السحب المستمرة من الصندوق الاحتياطي العام لتمويل العجز خفّضت أرصدته السائلة (إلى 10 مليارات دينار، أو 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2019، وقد انخفضت أكثر منذ ذلك الحين).

كما أن تأخير إصدار قانون جديد للدين العام جعل الحكومة غير قادرة على إصدار أدوات الدين منذ أكتوبر 2017. ونتيجة لذلك، اضطرت إلى الاعتماد بشكل كامل على أصول صندوق الاحتياطي العام لتمويل العجز.

قبل الوباء وأزمة النفط، كان صندوق النقد الدولي قدّر أنه بعد التحويلات الإلزاميّة إلى صندوق الأجيال القادمة، وباستثناء الدخل الاستثماري، سيكون متوسط احتياجات التمويل السنوية للكويت 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أو، بشكل تراكمي، حوالي 55 مليار دينار (180 مليار دولار) خلال السنوات الست القادمة. وينبغي الآن رؤية ضخامة هذه الصورة على الكويت، في حين ستظل الضغوط الهبوطية تلقي بظلالها على أسعار النفط.

الحلول

وقال الخوجة إنه في حين أن ما سبق قد يرسم صورةً قاتمةً عن وضع الكويت المالي، فثمّة حلول يمكنها أن تساعدها على النهوض لتصبح أقوى من السابق، مع الإشارة إلى أن بعضها سيتطلب إرادةً سياسيّة قويّة، وإجماعًا واسعًا بين الحكومة ومجلس الأمّة. وتشمل سياسة الاستجابة للصدمة المزدوجة العناصر التالية:

1 - في خضم الأزمة مباشرةً، ونظرًا للحاجة إلى التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لـ «كوفيد-19»، ستحتاج الكويت إلى أوّلًا: تأمين القدرة الطبية والمستشفيات لعلاج المصابين؛ ثانيًا: الحد من انتشار المرض؛ وثالثًا: إبقاء سلاسل الإمدادات مفتوحة وتوفير السيولة للقطاع الخاص والأسر ذات الدخل المنخفض للتغلب على صدمات الدخل.

2 - على المدى القصير والمتوسط، ستحتاج الاستجابات في مجال السياسة العامة إلى؛ أولًا: تعزيز قدرة الشركات على الصمود، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، للتعامل مع عمليات الإغلاق الطويلة وفقدان الإيرادات، بما في ذلك من خلال دعم عمالها؛ ثانيًّا: حماية الأفراد والأسر الذين من المحتمل أن يكونوا الأكثر تضرّرًا من هذه الأزمة؛ وثالثًا: دعم الانتعاش الاقتصادي والمرونة وإعادة بناء الاستدامة المالية.

تقود هذه الصدمة المزدوجة إلى خيارات متناقضة للسياسة العامة؛ ففي حين تتطلب معالجة تداعيات «كوفيد - 19» حوافز مالية وزيادةً في الإنفاق الحكومي (كما يجري في مختلف بلدان العالم)، سيتطلب احتمال انخفاض أسعار النفط إلى مستويات تاريخية تعديل السياسة المالية، وترشيد الإنفاق في حال أرادت الكويت الحفاظ على هوامش الأمان، وبناء قدرتها على الصمود في وجه أي أزمات مستقبلية.

وأضاف: استنادًا إلى إطار العمل الذي سبق بيانه، نستعرض في ما يلي بعض الاستجابات السياسية التي يمكن أن تأخذها الكويت بالاعتبار على المدى المتوسط لتصحيح المسار بدءا بتحفيز النمو والتنويع غير النفطي، وهذا يعني اتخاذ تدابير لجذب الاستثمارات الخاصة في القطاعات غير النفطية، مع دعم القطاع الخاص ليصبح قادراً على المنافسة عالمياً، وأن تكون الدولة «ممكنة» وليس ريعيةـ والاستثمار في رأس المال البشري الكويتي. ولجذب الاستثمار الخاص ودعم الشركات، يجب أن تستخدم الإصلاحات الهيكلية الزخم من التحسينات الأخيرة في بيئة الأعمال للدفع قدمًا بإصلاحات هيكلية أكثر عمقاً من شأنها أن تقلل من اعتماد الشركات على الإعانات والدعم الحكومي وتخلق البيئة المحفّزة للنمو في القطاع الخاص.

وهذا يعني أيضا إجراء إصلاحات لدعم التعافي، وإعادة بناء القدرة على الصمود. على المدى المتوسط، ستحتاج الكويت إلى إيلاء الأولوية للسياسات التي تساعد البلاد على التكيّف مع هذه الصدمة المزدوجة. وتابع: وتعد أسعار النفط المنخفضة فرصة للتصدي للتحديات طويلة الأمد للإدارة المالية، بغية زيادة الإنتاجية، وسد الفجوات المعرفية وفجوات القدرة التنافسية، وتحويل الثروة إلى أصول متنوعة، لا سيما من خلال بناء أهم أصول الكويت، وهو رأسمالها البشري.

في مجال الإدارة المالية، ينبغي أن تتعلق الأولويات متوسطة المدى بتصحيح أوضاع المالية العامة، وتجديد موارد هوامش الأمان المالية. وسيتطلب ذلك تركيزًا مستمرًا على خفض المستويات العالية للإنفاق الحكومي (حاليًا عند حوالي 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي). وفي حين أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة قد يطرح تحديات في أعقاب عام الأزمة، فإن الحاجة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية تستلزم أن تتبع الكويت خططها لتنويع مصادر الدخل، مع النظر في اتخاذ تدابير أخرى لتعزيز الإيرادات غير النفطية.

ومن ناحية الإنفاق، يعد تقليص فاتورة الأجور الضخمة، التي تبلغ حاليًا 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، من خلال ترشيد حجم الخدمة المدنية في القطاع العام وفاتورة الأجور الإجمالية، من الإجراءات المهمة التي يجب أخذها بالاعتبار.

نداء نحو الإصلاح

أكد الخوجة أننا رأينا كيف استجابت الكويت لمعالجة أزمة كورونا، وكيف تكاتف الجميع لدعم جهود الحكومة وتناول اهل الكويت الأزمة كأسرة واحدة. والآن أدعو الكويت إلى أن تفعل الشيء نفسه على الصعيد الاقتصادي. دعوة جميع أصحاب الشأن إلى «فزعه اقتصادية» (الحكومة، ومجلس الأمة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمجال الأكاديمي، وشركاء التنمية)، لوضع خريطة طريق واضحة للإصلاح الاقتصادي وحزمة اقتصادية مالية متكاملة لمعالجة الخلل في الاقتصاد الكويتي، وأن تكون خريطة الطريق مدعومة من أعلى مستوى في البلاد.

وهذا لن يكون سهلا، وسيتطلب من الجميع العمل مع بعضهم البعض لتحقيق مستقبل أفضل، وأحث الجميع على الابتعاد عن القرارات الأحادية والخطب السياسية والتهويل. يمكن أن تتم الإصلاحات الآن مع القليل من الألم بالنسبة إلى معظم الناس، ولكن عدم اتخاذ إجراءات سيجعل الأمور أكثر صعوبة للأجيال القادمة التي سينتهي بها المطاف بألا تتمتع بنفس مستوى الرفاهية مثل هذا الجيل، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات اليوم.

وختم قائلا: مرّت الكويت بأزمات من قبل، وخرجت منها أقوى من السابق. وقد أظهرت هذه الأزمة المزدوجة أن ركائز الكويت لطالما كانت وستظل دائمًا طريقها للازدهار والقدرة على الصمود. وستتجاوز الكويت هذه الأزمة.

أسعار النفط المنخفضة فرصة للتصدي للتحديات الطويلة الأمد للإدارة المالية

الكويت ستحتاج إلى تأمين القدرة الطبية والمستشفيات لعلاج المصابين والحد من انتشار المرض وإبقاء سلاسل الإمدادات مفتوحة وتوفير السيولة للقطاع الخاص والأسر ذات الدخل المنخفض
back to top