نحن والعالم... قراءة في إحصاءات كورونا

نشر في 12-04-2020
آخر تحديث 12-04-2020 | 00:01
 مصطفى البرغوثي يواصل وباء كورونا المستجد اجتياح العالم، ويبدو مشهد العالم، في عصر التواصل الاجتماعي، كأنه يعيش حربا عالمية ثالثة تخوضها البشرية مجتمعة هذه المرة، بدل أن تكون بين دول وأخرى.

وحتى كتابة هذه المقال تجاوزت الوفيات مئة ألف إنسان، ووصل عدد الإصابات المشخصة إلى أكثر من مليون وسبعمئة ألف إصابة، وتتصدر قائمة الإصابات الولايات المتحدة بأكثر من نصف مليون إصابة، متنافسة مع إيطاليا وإسبانيا في عدد الوفيات التي تدور حول رقم ثمانية عشر ألفا.

هناك كما هو واضح، من صورة الإحصاءات، علاقة مباشرة، رغم نفي الخبراء لذلك، بين حالة الطقس وحجم الإصابات، ولكن ذلك لا يعني أن الجائحة الخطيرة ستترك بلدانا كالهند وجنوب إفريقيا وأميركا اللاتينية، دون إصابات كثيرة، خصوصا أن البلدان النامية عموما تفتقر للخدمات الصحية، ولا يزيد الإنفاق على الصحة في بعضها على أربعين دولارا للفرد سنويا، مقابل عشرة آلاف ومئتي دولار في بلد كالولايات المتحدة.

ما تظهره إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن هناك تناسبا واضحا بين عدد الفحوص التي يتم إجراؤها، بالنسبة إلى عدد السكان، وبين نسبة الوفيات الناجمة عن مرض كورونا، فألمانيا، على سبيل المثال، أجرت أكثر من خمسة عشر ألف فحص لكل مليون من مواطنيها، وكان عدد الوفيات فيها 2607 وفيات، في حين أجرت إسبانيا نصف نسبة الفحوص، أي نحو 7500 فحص لكل مليون مواطن، وكان عدد الوفيات فيها سبعة أضعاف العدد في ألمانيا.

الدول الأولى في العالم في عدد الفحوص كانت الدول الصغيرة كآيسلندا التي أجرت الفحص لعُشر سكانها بالكامل، بمعدل مئة ألف فحص لكل مليون من سكانها، في حين لم تزد نسبة الفحوص في الولايات المتحدة على سبعة آلاف لكل مليون مواطن.

فلسطين التي تعاني الاحتلال، ونظام الأبارتهايد العنصري الإسرائيلي، كان نصيبها 3150 فحصا لكل مليون مواطن، ولكن النسبة في قطاع غزة لم تتجاوز نسبة ألف فقط لكل مليون إنسان، بالمقارنة مع دولة الاحتلال إسرائيل، التي أجرت حتى الآن ثلاثة عشر ألفا وستمئة فحص لكل مليون إنسان، أي أن النسبة في إسرائيل تزيد ثلاثة عشر ضعفا عما أجري في قطاع غزة من فحوص.

لكن نسبة الوفيات تعتمد كذلك على أمرين: التزام الناس بتعليمات التباعد الاحتماعي، وهذا سر نجاح فلسطين الأكبر حتى الآن، وعدد أسرّة العناية المكثفة المزودة بجهاز تنفس اصطناعي في كل بلد، وهذا ما أنقذ بلداً كألمانيا.

وهنا يبدو الفرق صارخا بين ما تملكه إسرائيل من ثلاثة آلاف وثلاثمئة جهاز تنفس اصطناعي بنسبة جهاز واحد لكل 2757 شخصاً، وما يوجد في الضفة الغربية من 213 جهازاً بنسبة جهاز واحد لكل أحد عشر ألفا وسبعمئة مواطن، وبين الوضع الكارثي لقطاع غزة حيث لا يوجد سوى 82 جهازاً، أي بنسبة جهاز واحد لكل خمسة وعشرين ألف مواطن.

لكل ذلك علينا أن نواصل استراتيجيتنا الحكيمة بالتركيز على الوقاية، ومنع حدوث إصابات كثيرة، وشديدة، يمكن أن تسبب انهيار الخدمات الصحية بكاملها، وعلينا أن نتذكر أثناء جائحة كورونا، وخصوصا بعد اجتيازها، أن صحتنا وحياتنا لن تكون بخير إلا بإنهاء الاحتلال ونظام التمييز العنصري الذي أنشأه.

*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top