نهى صبحي: يجب ألا نتجاهل تطور اللغة وانحرافاتها

مجموعتها «أصفاد الروح» فازت بجائزة معرض القاهرة للكتاب

نشر في 01-03-2020
آخر تحديث 01-03-2020 | 00:14
الأديبة المصرية نهى صبحي تحمل جائزتها
الأديبة المصرية نهى صبحي تحمل جائزتها
فازت الأديبة المصرية نهى صبحي بجائزة أفضل كتاب، بفرع الإبداع الأدبي، عن مجموعتها القصصية
«أصفاد الروح»، في معرض القاهرة للكتاب بدورته المنتهية أخيراً.
وتغوص قصص المجموعة في أعماق النفس البشرية، ناقلة توتراتها على الورق ورغبتها في الهروب من الواقع ومآسيه.
ونالت نهى إشادات نقدية عدة، ووصفتها الناقدة اعتدال عثمان بالموهبة الكبيرة، ونوقشت المجموعة خلال الفترة الماضية أكثر من مرة، في ورشة الزيتون ومختبر السرديات التابع لمكتبة الإسكندرية.
وحول فوزها وكتابها ومسيرتها ورؤيتها للمشهد الأدبي ومشروعاتها المقبلة، التقتها «الجريدة»، وكان الحوار التالي:
• فازت «أصفاد الروح» بجائزة معرض الكتاب هذا العام، كيف ترين هذا الفوز؟

- أعتبر هذا الفوز بمثابة عجلة دفع رباعية تصحبني إلى قمة جبل، أخشى من التراجع أو السقوط من فوقه، وأرفض العودة إلى سطح الأرض بشدة، كما أعتبر أن الدور الرئيسي للجوائز هو تحفيز الكاتب على أن إبداعه يستحق التكريم أو الإشادة، وبشكل خاص الجوائز المخصصة لفئة الشباب، وأرى أن الجائزة دفعة قوية جعلتني أطمح أكثر إلى التغيير والتمييز والتعلم والإفادة والاستفادة من خلال القراءة والكتابة، لاكتشاف كواليس المشهد الإنساني ورفع الستار عنه وإضاءة هذا الجانب المعتم من خلال كتاباتي، غير أنني أطمح وبشدة إلى رؤية النظرة المشبعة بالبهجة والثقة في عيون الجميع، ولأن هناك فارقا بين إرادة السوء، وسوء الإرادة، والعمل الجاد والإصرار والمثابرة، فإنني أثق في وصولي إلى قمة الجبل.

مواجهة القيود

• تحمل المجموعة تأملات رحبة ورغبة في مواجهة القيود المجتمعية، فإلى أي مدى تحقق لك ذلك؟

- تتألف المجموعة من 16 قصة، تأخذنا أحداثها في جولة إلى أغوار النفس البشرية، والخوض في تفاصيلها مراراً ولحظات الهرب من الواقع، إلى أعماق الأساطير، وتتجلى نماذج عدة من القيود بكل قصة، كـ»انبعاث» أرواح الأحباء المعلقة عبر الأزمنة غير المعروفة، والمعاناة بهذا القيد من أجل الانطلاق في سماء الحب. وأيضاً «ندوب دافئة»، تلك الفتاة السجينة بداخل جدران العمى التي تبحث عن بقعة ضوء تتخلص بها من قيد الظلام. و»الفرار» وعدم القدرة على الفرار خوفًا من قيود المجتمع، و»ثنائية القطب» عن أصفاد التوترات النفسية، وقصة «شروع في قتل» التي تعبر عن قيد الخوف المرضي الكامن بداخلنا، و»شبح الماضي» وقيد المذنب القديم والنفس اللوامة، وغيرها من القصص التي تصب في نفس الإطار.

تعقيدات لغوية

• ترددين في أحاديثك دائماً أن التعقيدات اللغوية تمثل حاجزاً بين النص والقارئ، وتؤرقك دائماً، ماذا تعنين بذلك؟

- أقصد بذلك أنه لا يجب أن نتجاهل المراحل الطبيعية لتطور اللغة وانحرافاتها على مر الأزمنة، فعلى سبيل المثال كان يحوي الشعر قديما المثير من اللغة شديدة التعقيد بالنسبة للجيل الذي يليه، على الرغم من تميزه بذلك، ومن ثم أصبحت اللغة في مستوى تداولي وجمالي مغاير، وحسب سير هذه المنظومة في طريقها سوف نصل يوماً إلى أن كل الكتابات ستصبح تداولية بحتة، ونصل إلى رفض القارئ لتلك المستويات اللغوية الصعبة، فمن المؤكد أن الفكرة لن تصل للقارئ، وبناء على ذلك فمن الصعب تخيل المشهد ومن المستحيل أن يصل للحالة الشعورية التي تدخله في أغوار النص كي يلامس كيانه، هنا أصبح الكاتب خاسراً تماماً بخسارة هدفه في الوصول إلى مشاعر وخيال القارئ، لذلك يجب علينا إيجاد لغة مناسبة، ولا نطالب أن يصطحب القارئ العادي معجماً بيده حين يتخذ قراره بقراءة نص أدبي معين.

الحس الإنساني

• كيف تختارين موضوعاتك؟

- أنا لم أختر مواضيعي، بل المواضيع هي التي تختارني وتستفز حسي الإنساني أولاً، ومن ثم الأدبي، كي ينبض قلمي بآلامها، لذلك فقد ترى أن أغلب اختياراتي مهمومة بنشأة الإنسان وتشويه النفس البشرية المكتسب والمتعمد، ومساءلة الثقافة العربية، خصوصاً الجوانب الذكورية منها، وهموم النفس البشرية، دعني أؤكد أن الموضوع في الأدب مغاير تماماً للأجناس الكتابية الأخرى.

العمل المميز

• القصة أم الشعر أم الرواية، أي الأنواع تشهد رواجاً الآن برأيك؟

-لست مع هذا التصنيف تماماً، فأنا أرى أن العمل المميز الذي يلامس القارئ ويطرح قضايا تهمه، والنص الأجرأ والأكثر إمتاعاً هو الأسهل في الوصول إليه، وهو الذي يحظى بهذا الرواج والنجاح، ويفرض نفسه على الساحة الأدبية، وبشكل عام وبحكم تطور التكنولوجيا، وكثرة المهام عند البشر ومشاحنات اليوم العادي، فإن تلك النصوص المقتضبة التي تعتمد على التكثيف هي التي تحظى باهتمام القارئ العادي.

رتابة نقدية

• ما مدى مواكبة الحركة النقدية لإبداعاتك؟

- الحركة النقدية بشكل عام، من وجهة نظري، بعيدة كل البعد عن واقع التجربة الإبداعية، وأصبحت مثالاً للرتابة والجمل المملة والمجاملات الساذجة، ومازالت تقف على أعتاب الماضي، وتفتقر أدوات قراءة الوقت الراهن، والتعثر في الوصول إلى المستقبل، إلا القلة القليلة التي تبحث عن التميز وتركض بكل قوتها لتلحق بقطار التقدم. أما عن تجربتي الخاصة، فأنا أعتبر نفسي محظوظة حقاً، إذ التقيت بعدة نماذج من هذه القلة في بداية مشواري الأدبي، وكان لهم مرتكزات مهمة وإضاءات منطقية على نصوصي، فاتخذت قراري بالسير على دربها، بحثا عن التميز، فعلى سبيل المثال، وأنا أخطو خطواتي الأولى بحذر، جاءت قراءة الناقدة د. اعتدال عثمان لنصوصي، ود. شريف الجيار، ود. يسري عبدالله، والناقد مدحت صفوت، لكى تدفعنى إلى التميز، وكان هناك تأثير وتطور ملحوظ في كتاباتي بفضل تلك القراءات المعاصرة التي تهتم بتشجيع شباب الكتاب ورؤيتهم لكتابات ما بعد الحداثة.

الساحة الإبداعية

• كيف تنظرين إلى الساحة الإبداعية المصرية راهنا؟

- اختصار الساحة الإبداعية في كلمات أو سطور أمر ضد المعرفة، ويخالف قواعد العلم، وأعتقد أننا في احتياج إلى جهات علمية ترصد لنا فعليا المشهد الإبداعي بتفاصيله وتوجهاته، وأتمنى فعلياً أن تعمل الجامعات على تحقيق ذلك، وأن تضطلع المؤسسات الأكاديمية والنقدية برصد الساحة وما يطرأ عليها على نحو دائم ومتجدد. ومع هذا، لا يمنع ذلك من أن أشير إلى التخمة التي تعانيها الأوساط الإبداعية من عدد الكتاب، وسط تراجع مستويات المقروئية، وانخفاض معدلات القراءة، الأمر الذي يستلزم جهات نشر جادة وواعية ومهتمة بالكتابة الأدبية وترويجها.

• ما مشاريعك الأدبية القادمة؟

- بعد نفاد الطبعة الأولى من أصفاد الروح، تأتي الطبعة الثانية، ومعها مجموعتي القصصية الثانية «الخيالة... بين صهوة الخيل وصهيله»، وهناك مجموعة «مخالب ناعمة» تحت الطبع، و»العودة إلى الشرنقة»؛ النص المسرحي الذي وصل للقائمة القصيرة بجائزة أبي قاسم الشابي بتونس.

أرى أن الحركة النقدية بشكل عام بعيدة عن واقع التجربة الإبداعية
back to top