رائعة ناجي

نشر في 19-02-2020
آخر تحديث 19-02-2020 | 00:07
 د. عبدالمحسن حمادة يا فؤادي، رحم اللهُ الهوى كان صرحًا من خيال فهوى

اسقني واشربْ على أطلالِهِ وارو عني، طالما الدمع روى

كيف ذاك الحب أمسى خبراً وحديثاً من أحاديث الجوى

وبساطاً من ندامى حلم هم تواروا أبداً، وهو انطوى

يا رياحاً، ليس يهدا عصفها نضب الزيتُ ومصباحي انطفا

وأنا أقتات من وهم عفا وأفي العمر لناسٍ ما وفى

كم تقلبت على خنجره لا الهوى مال، ولا الجفنُ غفا

وإذا القلبُ على غفرانِهِ كلّما غار به النصلُ عفا

***

هذه الأبيات من قصيدة الأطلال لـ"د.إبراهيم ناجي" 1898– 1953. كان من مواليد القاهرة في حي شبرا. بعد تخرجه في المرحلة الابتدائية، حصل على التعليم الثانوي عام 1917، ثم التحق بكلية طب القصر العيني وتخرج فيها 1923، عين طبيبا في وزارة الصحة ثم مراقبا للقسم الطبي في وزارة الأوقاف.

افتتح عيادة خاصة، وكان يعالج الفقراء مجانا، ويساعدهم في الحصول على الأدوية، وبالرغم من تخصصه في الطب فإنه أحب الأدب ودرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي والبحتري ومعظم الشعراء، وكان والده مثقفاً ولديه مكتبة وشجعه على القراءة.

وانضم إلى مدرسة أبولو الشعرية وكان وكيلا لها، وسميت "أبولو" نسبة إلى إله الإغريق أبوللون إله النور والفن والجمال، واتخاذ هذا الاسم قد يدل على تأثر رواد هذه المدرسة بالثقافات الأجنبية، وأراد أصحاب هذه المدرسة تحرير القصيدة العربية الحديثة من القيود الكلاسيكية، كما ترأس الشاعر رابطة الأدباء المصرية في الأربعينيات من القرن العشرين.

كان ناجي يجيد الفرنسية والإنكليزية والإيطالية، وبدأ حياته الشعرية بترجمة بعض الأشعار من الفرنسية والإنكليزية وينشرها شعرا في مجلة السياسة الأسبوعية منذ عام 1926، وصدر عن ناجي عدة دواوين منها "وراء الغمام" و"في معبد الليل" و"الطائر الجريح"، كما كتب بعض القصص، ووجه طه حسين والعقاد نقدا حادا حول ديوانه الأول الذي أصدره عام 1934.

وتأثر ناجي من ذلك النقد وأصيب بخيبة أمل، وسمع بذلك النقد وهو في لندن، وصدمته سيارة وهو يسير مهموما حزينا في شوارع لندن، ومن المصائب التي لحقت بناجي أنه بعد ثورة 1952 أصدر الضباط الأحرار قائمة التطهير الأولى، وتضمنت مدير الإذاعة المصرية ووكيل الإذاعة والشاعر صالح جودة أحد أركان الإذاعة، والشاعر إبراهيم ناجي.

وترتب على قائمة التطهير فصل الشاعر من عمله كمدير للإدارة الطبية بوزارة الأوقاف، وأصبح في عرف الدولة شخصا يستحق التطهير، بالرغم من أنه لم تكن له أي اهتمامات سياسية، ولم يكن من أركان الإذاعة، إنما هو ظلم لحق بالشاعر من دون أي مبرر، وظل حزينا حتى وفاته رحمه الله، غير أن الشاعر حقق مجدا بعد رحيله حيث صدرت عنه دراسات كثيرة منها رسائل ماجستير ودكتوراه وكتب عن جمال شعره كثير من الأدباء.

أما قصيدة الأطلال فهي من أجمل ما كتبه الشاعر، وتعني الأطلال الأماكن التي هجرها أصحابها ولم تبق فيها سوى الذكريات، وطالما وقف الشعراء منذ الجاهلية يبكون على أطلال أحبتهم، وسمى الشاعر قصيدته الأسطورة (الأطلال) لأنه ينعى حبه الذي مات وما زالت ذكراه في فؤاده، واشتملت القصيدة على 130 بيتا تحمل معاني الحب الصادق الذي ضاع، وأتمنى في مقال آخر أن نشرح بعض أبيات هذه القصيدة الرائعة.

back to top