«كنوز النثر في تراث العرب» يستعرض إبداعات الرواد

ضمن كتاب جديد لمؤلفته الأديبة جولي مراد

نشر في 02-02-2020
آخر تحديث 02-02-2020 | 00:05
يشكل كتاب الأديبة جولي مراد «كنوز النثر في تراث العرب»، دراسة شاملة حول نشأة النثر في تاريخ الأدب العربي ورواده وأغراضه انطلاقاً من روائعه التي أنشئت في العصر الجاهلي، مروراً بعصر صدر الإسلام والعصر الأموي والعصر العباسي والأدب الأندلسي وصولاً الى عصور الانحطاط.
يعتبر الأدب بشكل عام صورة حية من صور الحياة والأديب شاعراً كان أو ناثراً، يشرك في عمله مشاعره وخبرته ونظرته، وعلى قدر ما يجيد في إيصالها، تستقر في أفكار الناس وخواطرهم جيلاً بعد جيل.

واستندت مراد في عملها إلى أهم ما صدر في هذا المجال بدءاً بتاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمن وتاريخ آداب اللغة العربية لمصطفى صادق الرافعي، وسلسلة تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف، وتاريخ آداب العرب لجرجي زيدان، ومجموعة "فنون الأدب العربي" وسلسلة "المجاني الحديثة"، وغيرها من المجموعات والكتب التي خاضت غمار عالم النثر منذ انطلاقته، واختارت الكتاب المرموقين الذين خلدتهم آثارهم، فاستهلت عملها بمقدمة عامة للعصر الذي عايشوه، وبسيرة وافية لكلٍ منهم، والمناسبة التي وضعت فيها الروائع النثرية تلك.

العصر الجاهلي

واختلفت الآراء حول نشأة النثر الفني في العصر الجاهلي، وماوصل إلينا يقتصر على ما كان يتصل بحياتهم السياسية الاجتماعية والتجارية. وقد اصطفت الأديبة طائفةً من النصوص يتصدرها فن الخطابة، وتتبعها المنافرات، وسجع الكهان، ثم الحكم والأمثال والوصايا، ثم القصص فالرسائل.

ونأتي إلى الأمثال والحكم التي هي وحدها قد وصلت بدون تحريف، وقد اشتهر في قولها لقمان عاد، وأكثم بن صيفي، وعامر بن الظرب، ولبيد بن ربيعة، وهي نتاج اختبار طويل ورأي محكم نابع من الواقع، وهذه بعضها: "آخر الدواء الكَي"، "أول الشجرة النواة"، "إنك لا تجني من الشوك العنب"، "أم الجبان لا تحزن ولا تفرح".

صدر الإسلام

لم يختلف النثر الفني في مطلع عهد النبوة اختلافاً جوهرياً عن النثر الجاهلي، لكنه دخل في مرحلة جديدة انقلبت فيها المفاهيم، وبدأت مظاهر التطور تتضح في أغراض النثر.

وكان للإسلام دور ريادي في ازدهار النثر، ولاسيما الخطابة والترسل، فأصبحت الخطابة وسيلة لنشر الدين والوعظ والحض على الجهاد، وكان الرسول وحلفاؤه فضلاً عن زياد والجحاج، خطباء مفوهين امتازوا بطلاوة الأسلوب وإيجاز التعابير وحسن انتقائها.

العصر الأموي

وغدت الكتابة في العصر الأموي ضرورةً لا بد منها، فازدهرت الخطابة وكان من خطبائها من تعمد محاكاة أهل البادية في جزالة الأسلوب وبداوة الألفاظ، ويظهر طابعها في خطب الحجاج.

وأشهر خطباء ذلك العصر زياد بن أبي سفيان، والحجاج بن يوسف وهما من خطباء الحزب الأموي، وظهر من الخوارج كثير من الخطباء المجيد بن أمثال قطري بن الفجاءة واليشكري ومن أهل الكلام واصل بن عطاء شيخ المعزلة، والأحنف بن قيس من خطباء المحافل.

العصر العباسي

كما تعددت فروع النثر في العصر العباسي واختلفت أغراضه وقد عالج ممثلو النثر العباسي الرسائل على اختلاف أبوابها، والخطابة، والقصص، والتصنيف الأدبي واللغوي والعلمي والفلسفي والتاريخي وغيرها، وأبرز هؤلاء ابن المقفع، والجاحظ وابن العميد، والصاحب بن عباد، وأبو الفرج الأصبهاني.

كما نشأ في ذلك العصر فن نثري جديد في موضوعه، وهو فن المقامات الذي اخترعه بديع الزمان الهمذاني وأرسى أصوله وثبت أركانه.

اتخذت الثورة العباسية الخطابة أداة لبيان حق بني العباس في الخلافة، ومن خطبائها الخليفة أبي العباس السفاح، وأبي جعفر المنصور، والمهدي، والرشيد، وبعدما قضوا على أعدائهم الأمويين ثم على شركائهم الشيعة، لم يعد ما يحفزهم على اصطناع الترغيب والترهيب فانحسرت الخطابة تدريجياً، وحلت الكتابة محلها، ودخل العرب ميادين التدوين والتأليف والترجمة، وتسلم شعلة فن النثر الأدبي عبدلله بن المقفع الذي نقل كتاب "كليلة ودمنة" عن البهلوية.

الأدب الأندلسي

يعتبر الأدب الأندلسي مزيج ما أنتجه الأندلسيون والمغربيون لما كان بينهم من اختلاط، وتحلى أدباء هذين القطرين بالموهبة وتعددت فنونهم، فتناولوا ما كان متداولاً في المشرق من خطب ورسائل ومناظرات ومقامات، وأضافوا إليها ما أملته عليهم ظروفهم ، ولما استدعت الغزوات استنهاض الهمم، قام الخطباء يذكون روح الحماسة والجهاد.

كما اتخذت المقامات الخيال أساساً للأداء في معظم مشاهدها ومنها مقالة لأبي حفص بن الشهيد التي جعل فيها الديك بطلاً خيالياً حكيماً، واشتهر في وصف الرحلات أبو حامد الغرناطي الذي سمى كتابه

"تحفة الألباب ونخبة الإعجاب"، وتضمن عوامل غريبة وكائنات عجيبة تجنح الى التحليق بالخيال، وإن منتخبات النثر في الأدب الأندلسي ارتقت باساليب التعبير والاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف، فغدت مرجعاً أدبياً تميز بخصائص مغايرة في بعضها عن النثر المشرقي.

الأدب الأندلسي مزيج ما أنتجه الأندلسيون والمغربيون لما كان بينهم من اختلاط

لم يختلف النثر الفني في مطلع عهد النبوة اختلافاً جوهرياً عن النثر الجاهلي
back to top