السلطان قابوس قاد مسار تحديث عُمان وحصّنها من النزاعات

تخرج في كلية «ساندهيرست» وخدم في ألمانيا قبل توليه الحكم... واستدعى العُمانيين من الخارج لبناء الدولة
هندس تطور السلطنة في شتى مناحي الحياة... واتّبع سياسة خارجية معتدلة وقاد وساطات دولية
أثمر تعاونه مع طهران خلال عهدَي الشاه و«الثورة» في القضاء على تمرد «ظفار» والتوصل إلى الاتفاق النووي

نشر في 12-01-2020
آخر تحديث 12-01-2020 | 00:00
السلطان قابوس بن سعيد، الذي توفي في وقت متأخر أمس الأول، انتقل بسلطنة عمان خلال حكمه الذي استمر 49 عاما من دولة شديدة الفقر يمزقها الانشقاق إلى دولة مزدهرة ووسيط موثوق به دوليا في بعض القضايا الشائكة بالمنطقة.
قاد السلطان قابوس بن سعيد، مسار تحديث السلطنة الخليجية، وحماها من النزاعات الإقليمية التي لعب فيها دور الوسيط الموثوق.

وأشارت وكالة الأنباء العُمانيّة الرسميّة إلى أنّ وفاة السلطان جاءت «بعد نهضة شامخة أرساها خلال 50 عاماً منذ أن تقلّد زمام الحكم في 23 من شهر يوليو عام 1970 م وبعد مسيرة حكيمةٍ مظفرةٍ حافلةٍ بالعطاء شملت عُمان من أقصاها إلى أقصاها وطالت العالم العربي والإسلامي والدولي قاطبة، وأسفرت عن سياسةٍ متّزنةٍ وقف لها العالم أجمع إجلالاً واحترامًا».

خريج ساندهيرست

ولد السلطان قابوس في 18 نوفمبر سنة 1940 في صلالة في الجنوب حيث تابع تعليمه المدرسي، إلى أن التحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا وهو في العشرين من عمره.

وتخرّج السلطان منها بعد عامين برتبة ملازم، ثم خدم في المانيا ضمن فرقة عسكرية بريطانية مدة عام.

العودة والانفتاح

لدى عودته إلى بلاده سنة 1964، اصطدم السلطان بسياسة متشددة كان يعتمدها والده الرافض لأي تحديث، إلى أن تولى الحكم في 23 يوليو 1970، ليطلق مرحلة من التحديث بدأت بتصدير النفط.

وأعلن قابوس نفسه «سلطان عمان» بعدما كان لقب الحاكم «سلطان مسقط وعمان»، وأصبح الحاكم الثامن في سلالة آل سعيد منذ أن تولت الحكم في 1749، فقام فورا بتغيير العلم والعملة.

من قرية إلى قرية

واستدعى السلطان الدبلوماسيين المحليين القلائل والعمانيين الذين كانوا يقيمون في المنفى للعودة والمساهمة في اختيار حكومة يرتكز عملها على تطوير البلاد التي كانت تفتقد الطرق والمدارس والمستشفيات.

يقول خبراء في الشأن العماني، إنّ السلطان كان يتنقّل من قرية إلى قرية، ويلقي خطابات اسبوعية عبر الراديو، من أجل الوصول إلى كل شرائح المجتمع.

مناصب وإنجازات

وتولى السلطان خلال فترة حكمه مناصب رئيسية عدة، بينها رئيس الحكومة، ووزير الخارجية والدفاع والمالية. وهو كان يسمي أعضاء الحكومة.

وتم في عهده انتخاب مجلس للشورى، للمرة الاولى في تاريخ السلطنة، عام 2003. ويعرف عن السلطان، صاحب اللحية المشذبة بعناية، حبه للموسيقى التي أنشأ لها دار أوبرا. ولم يكن للسلطان الذي تزوج قريبة له فترة وجيزة سنة 1976، أيّ أبناء أو أشقاء.

النفط والتنمية

يعد سلطان عمان الراحل باني ومهندس تطور سلطنة عمان في شتى مناحي الحياة الممزوجة بروح الأصالة والتقاليد العربية والإسلامية الأصيلة.

وفي عهده استخدمت عوائد النفط لتطوير البنية التحتية في البلاد، اذ نجح في تحويل عمان الدولة النفطية إلى بلد يتمتع بدرجة من الرخاء.

ودأب قابوس على تحديث هياكل الحكم تدريجياً بإقامة مجلس استشاري سنة 1981، تم استبداله بمجلس الشورى سنة 1990، ومن ثم مجلس الدولة سنة 1997.

وأسوة بدول الخليج الأخرى، يعد النفط عماد الاقتصاد العماني، ولكن الإنتاج العماني يعد متواضعاً مقارنة بإنتاج جيرانها. ويعد صيد الأسماك والزراعة مصدرين مهمين للدخل أيضا.

كما شهد قطاع السياحة، وهو مصدر مهم آخر للدخل، انتعاشا في السنوات الأخيرة، إذ يقبل السياح على شواطئ عمان البكر وجبالها وصحاريها، وعلى العاصمة مسقط بقلاعها، ومدينتها القديمة المسورة. وتمكنت عمان حتى الآن من تجنب ظاهرتي العنف والتطرف اللتين تعاني منهما بعض جاراتها.

استخدم قابوس واردات النفط لتحديث عمان، وقاد انفتاحها على العالم ومن أقواله فيما يتعلق بالتحديث «عمان اليوم غيرها بالأمس فقد تبدل وجهها الشاحب ونفضت عنها غبار العزلة والجمود وانطلقت تفتح أبوابها ونوافذها للنور الجديد».

تمرد ظفار

وفي بداية عهده، تمرّدت الحركة الماركسية في مسقط رأسه في ظفار جنوبا، فقام بالقضاء عليها في عام 1975 بمساندة شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي أرسل نحو ثلاثة آلاف عسكري إلى عمان.

حارب قابوس متمردي ظفار بمساعدة بريطانيا والأردن وإيران. ومن خلال الانتصارات العسكرية، وعرض وظائف بالدولة على زعماء المتمردين، قضى قابوس على التمرد في غضون 6 سنوات من تقلّده السلطة.

سياسة خارجية معتدلة

كما اتسمت السياسة العمانية الخارجية في عهد الراحل بمحاولة بناء جسور المودة والصداقة بين دول العالم لتحقيق الأمن والاستقرار العالميين.

تقارب مع طهران

منذ تعاونه مع الشاه للقضاء على تمرد ظفار، اعتمد السطان قابوس سياسة تقارب مع إيران الواقعة على الضفة الأخرى من مضيق هرمز. وقد اتخذ موقفا محايدا خلال حرب العراق مع إيران بين عامي 1980 و1988.

وأتاحت له علاقته القريبة من إيران بأن يلعب دور الوسيط في الملف النووي، الأمر الذي تمخّض عنه اتفاق مهم في عام 2015 بين طهران وواشنطن في عهد باراك اوباما، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

لفتت الثورة الإسلامية التي قامت في إيران عام 1979 انتباه السلطان قابوس إلى مضيق هرمز الذي تمرّ منه قرابة 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية. وتعهّد بأن يبقى المضيق مفتوحا، وفي عام 1980 وقّع اتفاقا يسمح للقوات الأميركية باستخدام منشآت عمانية في حالات الطوارئ.

وفي عام 1981 بدأ السلطان قابوس في توسيع المشاركة السياسية، وأجريت انتخابات حرة لمجلس استشاري في 2003.

إسرائيل

وفي سنة 1994، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين مسقط بدعوة من السلطان قابوس، قبل أن يجري فتح مكاتب تمثيل تجاري في العاصمة العمانية وتل أبيب سنة 1996، وتم اغلاق هذه المكاتب خلال الانتفاضة الفلسطينية عام 2000.

واستقبل السلطان قابوس في اكتوبر 2018 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من دون أن تؤدي الزيارة إلى إقامة أي علاقات رسمية.

«الربيع العربي»

رغم استقرارها النسبي، لم تكن سلطنة عمان بعيدة عن تأثيرات احتجاجات الربيع العربي، فقد شهدت تظاهرات شارك فيها مئات، ما دفع السلطان قابوس إلى إجراء تعديل وزاري كبير في 2012.

وتشتهر سلطنة عمان بمياهها الصافية، وصحرائها الشاسعة وسلسلة جبال صخرية وخضراء، لكنها معروفة أيضا باستقرارها السياسي في منطقة غالبا ما تعصف بها الأزمات. وخسرت الدولة النفطية التي يبلغ عدد سكانها 4.6 ملايين نسمة نصفهم من الأجانب، سلطانها قابوس بن سعيد، الذي حكمها منذ 1970، وهي أطول فترة حكم لزعيم عربي.

وقاد السلطان خلال حكمه، مسار تحديث السلطنة الخليجية، وحماها من النزاعات الاقليمية، متّبعًا سياسة خارجية معتدلة.

فبعدما لعبت دورًا في الاتّفاق حول الملفّ النووي الإيراني مع القوى العالميّة في 2015، من دون أن يؤثّر ذلك على عضويّتها في مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، برزت عُمان في الخليج كوسيط موثوق يعمل بتكتّم شديد.

وفي ما يلي بعض الحقائق الرئيسية عن عُمان التي تضخّ مليون برميل من النفط يوميًا:

تحد عُمان مضيق هرمز الاستراتيجي، مقابل إيران.

ويعد المضيف طريقًا مهمًا لإمدادات الطاقة العالمية، حيث يعبره نحو ثلث النفط المنقول بحرًا في العالم كل يوم.

وهدّدت إيران مرارًا بإغلاق المضيق بسبب التوتر مع دول الخليج، ولاسيما السعودية.

وفي وقت سابق من العام الحالي، قالت سلطنة عمان إنها وقعت اتفاقية مع الولايات المتحدة تسمح للسفن والطائرات الأميركية باستخدام موانئها ومطاراتها.

توجّهت الدول الغربيّة مرارًا إلى مسقط لتطلب منها العمل كوسيط، ليس في النزاعات الإقليميّة فحسب، لكن في القضايا الدولية أيضًا، بما في ذلك الاتّفاق النووي مع إيران في عام 2015.

وتوسّطت عمان أيضًا بين طهران وواشنطن لإطلاق سراح سجناء، بما في ذلك إطلاق سراح 3 أميركيين سجنوا في إيران للاشتباه في كونهم جواسيس بعدما ضلوا طريقهم عبر الحدود عام 2009.

وحافظت مسقط على علاقات جيدة مع طهران، بينما بقيت في مجلس التعاون الخليجي، رغم العداوة العميقة بين السعودية وإيران.

كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تشارك في حملة التحالف العسكري بقيادة الرياض ضدّ المتمرّدين الحوثيين اليمنيين.

وبعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع الحرب بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والمتمردين، لا تزال سلطنة عمان أرضًا محايدة، حيث عقد الجانبان محادثات.

كما تستقبل عمان مجموعة من قيادات المتمردين، الذين غالبا ما يلتقون فيها سفراء دول غربية.

back to top