فوزي خضر: المسرح الشعري تراجع جماهيرياً

حصل على جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي

نشر في 07-01-2020
آخر تحديث 07-01-2020 | 00:00
تتميز تجربة الشاعر المصري، د. فوزي خضر (70 عاماً) بأنها تفتح نوافذ المعرفة باتجاه التراث العربي، إذ تنطلق أعمال عِدة له من هذا العالم الزاخر بالجمال.
وبعد مسيرة عطاء طويلة في ساحة القصيدة أنتج خلالها 14 ديواناً، كُلل خضر أخيراً بجائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي في مجال المسرح الشعري (قيمتها 300 ألف ريال سعودي).
وفي حوار مع «الجريدة»، أشار خضر إلى تراجع المسرح الشعري جماهيرياً، لكنّه في الوقت ذاته أكد أن الجوائز القيِّمة تنعش الشعر، وأيّد فكرة الديوان المسموع، إلا أنه لا يفكر في خوض التجربة راهناً... وفيما يلي نص الحوار:
• صف لنا شعورك بعد أن حصدت أخيراً جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية بدورتها الأولى في فرع الشعر المسرحي؟

- شعرت بسعادة غامرة، فالمسرحية رفيعة المستوى، وكنت أتمنى أن تنال تقدير هيئة التحكيم، هذا من جانب، ومن جانب آخر هذه الجائزة تحمل اسم شاعر عربي أعجبتنا أشعاره وتغنينا بقصائده التي شدا بها كبار المطربين والمطربات، وهي جائزة جعلت الشعر المسرحي من فروعها، وهذا أمر لم يكن وارداً في الجوائز الأخرى، وصادرة عن جهة محترمة هي أكاديمية الشعر العربي، وأخيرا يرأس مجلس أمنائها الشاعر الفنان صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.

قصة حب

• ما الأجواء التي تدور فيها مسرحيتك الفائزة «الشيخ الرئيس ابن سينا»؟

- المسرحية تحكي قصة حب عميق بين ابن سينا وسعاد، وأدت ظروف الحياة إلى افتراقهما، حيث تزوجتْ، وارتحل هو عبر البلاد، ثم مرض زوج سعاد، فقيل لهما إن الوحيد القادر على علاجه هو ابن سينا، فيرتحلان خلفه، وكلما وصلا إلى بلد يكون ابن سينا قد ارتحل عنه إلى بلد آخر، ثم يُتَوَفَّى زوج سعاد في آخر المسرحية، ويلتقي الحبيبان في أجواء صراع مشتعل بين ابن سينا وأخويها، وتنمو هذه الحوادث بشخصياتها عبر حوار سريع، مع تطعيمه بالرقص والغناء، وتقع المسرحية في ثلاثة فصول، وتصف عبر مواقفها إنجازات ابن سينا العلمية من ناحية، وتعرض شخصيته الباهرة وأشعاره من ناحية أخرى، وأخيراً تتناول المسرحية ابن سينا الذي يُعالج مسرحياً من قبل.

عناصر المسرحية

• ما الاعتبارات التي تضعها الجائزة لتمنحها للمبدع؟ هل يجب أن يكون الموضوع غير مطروق من قبل (في مجال المسرح) مثلما الحال في عملك الفائز، أم ثمة اعتبارات أخرى على مستويي اللغة وتقنية الكتابة؟

- الجائزة تستلزم توافر عناصر المسرحية الشعرية من حوار حيّ بين شخصياتها، وحكاية يتنامى فيها الصراع بين الشخصيات، مع التمكن من أدوات الكتابة المسرحية والشعرية من لغة مناسبة لكل شخصية وفق مستواها الثقافي، فلا يصح أن يتكلم البائع في السوق بنفس مستوى كلام الفيلسوف، كما يجب أن تتوافر تفاصيل الشعر ومكوناته من أوزان وخيال وتصوير فني وغيرها.

أيضاً لا بدّ من مراعاة الوجود الحي لعناصر المسرح من ديكور وإضاءة وملابس وغيرها، ولا شك في أن الموضوع الذي لم يُتناول مسرحياً من قبل يمنح العمل جانباً من القوة توضع في الاعتبار.

فاروق جويدة

• هل تراجعت مكانة المسرح الشعري جماهيرياً في ظل انتشار فنون أخرى تروّج لها وسائل التواصل الاجتماعي؟

- بالتأكيد تراجع جماهيرياً، لأنه لا يوجد مسرح شعري معروض على الجمهور حالياً، فمنذ مسرحيات فاروق جويدة، وأبرزها «الوزير العاشق»، لم يُعرض على المسرح عمل يمكن أن يجذب الجمهور. ومنذ عَرْض مسرحيات أحمد سويلم الشعرية في التلفزيون لم يُعرض عمل يمكن أن يستقطب انتباه المشاهدين، المسرح الشعري لا بدّ أن تدعمه الدولة كما دعمت مسرحيات صلاح عبدالصبور ونجيب سرور وفاروق جويدة.

قيمة معنوية

• عربياً، هل نحتاج إلى مزيد من الجوائز القيّمة في مجال الشعر لينافس بقوة مجدداً الرواية التي يرى كثيرون أنها ديوان العرب الآن؟

- الجوائز القيّمة تحقق انتعاش الشعر ووجوده، وكلما كانت الجائزة ذات قيمة معنوية ومادية كبيرة لفتت الأنظار.

القصيدة الجيدة

• ما رأيك في الديوان المسموع؟ وهل يمكن أن تخوض هذه التجربة، أم ترى أن القصيدة الجيدة تبقى في الذاكرة والوجدان، سواء أكانت مكتوبة أم مسموعة؟

- من ناحية بقاء القصيدة الجيدة في الذاكرة، فهذا أمر ثابت، بدليل أننا نحفظ قصائد مرّ عليها مئات السنين، ويتذكر الناس أبياتا أو شطرات لشعراء مثل «الطيور على أشكالها تقع»، و»للناس فيما يعشقون مذاهب»، و»إن غداً لناظره قريب»، و»تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفنُ»، رغم أنهم ينطقونها خطأً فصحتها «تجري الرياح بما لا يشتهي السَّفِنُ»، أي بما لا يشتهي المسافرون.

الشعر موجود لدى المهتمين به، ولدى عامة الناس، حيث يذكرون بيتاً أو جزءاً من بيت جاء في صيغة حكمة، أما الديوان المسموع فهو وسيلة لنشر الشعر، وأنا أؤيد أي وسيلة تساعد في نشر الشعر بين الناس، شريطة أن يكون شعراً جيداً، أما بالنسبة إليّ فلا أفكر في خوض هذه التجربة راهناً.

«تذكرة داود»

• بعد نحو 14 ديواناً مطبوعاً، ما المشروع الشعري الذي تعكف عليه الآن؟

- لديّ ثلاثة دواوين مخطوطة لم تخرج إلى النور، وفرغت من تأليف مسرحية شعرية بعنوان «صاحب التذكرة داود الأنطاكي»، تتناول حياة الصيدلاني العربي الكبير داود الأنطاكي، صاحب الكتاب الشهير «تذكرة داود»، الذي لا يزال حتى يومنا هذا يفيد الناس بما فيه من أدوية فعّالة، أتناول في هذه المسرحية حياته وما حققه من إنجازات علمية وفتوحات في اكتشاف أدوية جديدة، عبر مواقف درامية ساخنة، حيث كانت حياته مليئة بالصراع، وحالياً أعكف على كتابة مسرحية شعرية جديدة عن العالِم العربي العملاق الحسن بن الهيثم، عالم الفيزياء المذهل باكتشافاته في الإبصار والضوء في كتابه «المناظر»، وهو أول من فكّر في بناء السد العالي ليجنّب مصر أخطار الفيضان والجفاف والقحط، ولكن حالت دون استكمال مشروعه الجبال الغرانيتية في مدينة أسوان (جنوبي مصر)، وحياته أيضاً مليئة بالصراع والمواقف الدرامية.

شخصيات وحوادث

• هل يمكننا القول إن المسرح الشعري لديك يمثّل مشروعاً تتناول فيه شخصيات العلماء العرب مسرحياًّ؟

- هو ذاك بالضبط، فالمسرح النثري عندي يتناول شخصيات وحوادث من التراث مثل ضربة عصا، والجوهري، وأرض بخلان، فالأولى عن موقف بين الملك المنذر والد الملك النعمان وبائع أقمشة، والثانية عن الجوهري الحسين بن الجصاص الذي كان مسؤولا عن جهاز العرس لقطر الندى بنت خمارويه، وهي مسرحية كوميدية، والثالثة عن كتاب البخلاء للجاحظ، عالجها دراميا عملاق التأليف الإذاعي محمد علي ماهر، حيث جمع كل البخلاء في مدينة واحدة، وعالجتها مسرحياً من خلال هذه الرؤية.

أما المسرح الشعري فأنا أهتم في هذه المرحلة بالتركيز على شخصيات العلماء العرب الذين لهم خلفية أو معرفة بسيطة لدى الناس، فأحاول تعميق هذه المعرفة، والتذكير بعظمة هؤلاء العلماء وعطائهم المتفرد الذي أفادت منه الحضارة الإنسانية والبشرية جمعاء، وما تحمّلوا من ضغوط الحياة، مؤكدا أن الإنسان يستطيع النجاح مهما صادفته عوائق وتحديات، وما هؤلاء العلماء إلا نماذج للنجاح المشرِّف رغم قسوة ما تعرضوا له من صعاب.

لديّ 3 دواوين مخطوطة وفرغت من تأليف مسرحية شعرية بعنوان «صاحب التذكرة داود الأنطاكي»
back to top