نازك ضمرة: سيرتي الذاتية مزروعة في «العمران الأدبي»

«أبحث عن ناشر يقدر الأدب والإبداع»

نشر في 24-12-2019
آخر تحديث 24-12-2019 | 00:01
الاديب نازك ضمرة
الاديب نازك ضمرة
رحلة حياته متنقلاً بين عواصم العالم، قبل أن تستقر به الحال في الولايات المتحدة أثرت معارفه، وأضاءت له طريق الكتابة، فجاء إبداعه مميزاً ومغايراً لكل أقرانه، إنه الأديب الفلسطيني الأصل الأردني والأميركي الجنسية نازك ضمرة (83 عاماً)، الذي تنوّع عطاؤه بين القصة والرواية والترجمة والنقد، وصدر له حتى الآن 12 عملاً منشوراً بخلاف 4 أعمال تبحث عن ناشر جاد، وفي حواره مع «الجريدة»، قال ضمرة إن سيرته الذاتية مزروعة في العمران الأدبي الذي بناه، لافتاً إلى أن الكاتب في الغربة ينشئ أدباً يختلف في نكهته عن المألوف... وفيما يلي نص الحوار:

•حدثنا عن سنوات نشأتك الأولى، وكيف لا تزال أصداؤها باقية في نسيج أعمالك الإبداعية، حتى رغم انتقالك للإقامة في الولايات المتحدة؟

- سيرتي الذاتية مزروعة في العمران الأدبي الذي بنيته، وفي كتبي الخمسة الأولى أتطرق إلى حياتي في نشأتي الأولى، أنا ابن معلم القرية في كتّاب بسيط، فتحت عيني على الحياة، فوجدت والدي مقعداً، يُعلِّم الطلاب والشباب وهو جالس، وعاش أكثر من ثلاثين سنة لم يتحرك وقوفاً أو مشياً، كرّست حياتي وأوقاتي لمصاحبته ومحبته وخدمته، فاستفدت منه في كل المعارف، حتى في الموسيقى وتجويد القرآن والشعر والطرائف، فزرع فيّ حمى الأدب والثقافة والقراءة والاستماع، فكانت القراءة هي دائي وشفائي الذي لا يتوقف، كنت ألاحظ إعجاب الناس بأحاديثي، فأستنتج أن القراءة والثقافة هي التي ميزتني، أدركت ذلك في سنّ مبكّرة، فمن يواظب على القراءة يصبح متفوقاً على العادي والمألوف، عشت حياة ريفية فقيرة، مثل عامة أبناء الشعب الفلسطيني المنكوب، حتى أنهيت دراستي الثانوية وعملت فور انتهائي منها، لم أنس ظروف حياتي الأولى في كل كتاباتي القديمة حتى الحاضر، بل كتبت رواية كاملة بعنوان «جرة الفخار الكبيرة» عن عذاباتي في حدث واحد فقط.

• «لو لم أغترب لوددتُ أن أغترب»... قلتها قبل سنوات، ماذا حققت الغربة لك؟

- في سنوات المراهقة، قرأت بعض كتب الرحالة وصفحات من مقدمة ابن خلدون، فعرفت أن على الإنسان أن يستكشف مجتمعات وأماكن غير التي عاش فيها، اكتشفت أن العالم صغير وواسع في الوقت نفسه، وبعد الصف السابع وفي عمر 15 عاماً، التقيت مراهقين يراسلون فتيات وشبانا من بلاد بعيدة، راقني الأمر، وراسلت مراهقين من اليابان وأميركا وكندا وألمانيا والهند وبريطانيا ونيجيريا والسنغال وأوغندا، وكلهم شجعوني على زيارتهم والهجرة إلى بلادهم، لكنّ ظروف الضيق المادي حالت دون تحقيق الأمل، وكنا نعيش نتائج نكبة فلسطين، فظلت رغبتي حبيسة، وتقدمت في العمر وتحسّنت ظروف عملي، فزرت كل دول أوروبا، واليابان وكوريا وتايوان وتايلند والدول العربية الآسيوية ومصر وتونس، وقررت بعدها الاستقرار في أميركا، كما أنه في الغربة تتحداك سيول ثقافة ومعرفة جديدة، وحسب إمكاناتك ورغباتك ومطالبك، فالغربة حالة فريدة، تشعرك بالنقص، فتعمل - إن كنت جاداً - على الاجتهاد والاستفادة واستغلال الفرصة للاستزادة من الثقافة والمعرفة، وتتفوق على نفسك، وعلى نظرائك، لن تشغلك الغربة عن الوطن والأهل، بل ينشئ الكاتب أدباً يختلف في نكهته عن المألوف والأقران.

• أنت كاتب قصة مبدع وتمارس النقد أيضا... إذا سألتك عن مواطن الجمال في نصوصك، ماذا تقول؟

- إن أصعب سؤال يواجه الأديب الملتزم والمثقف والجاد هو أن تطلب منه أن يصف لك نفسه أو أدبه، نقاد كثيرون كتبوا عنّي وعن كتاباتي، وعلى كل حال لأنني ترجمت الكثير من الأدب العالمي، وخاصة الأميركي، في النقد والشعر والقصة، ونشر كل ما ترجمت، فأرى أن كتابتي متطورة ولا تزال، ولا تقف عند أسلوب متجمد.

قال معظم من قرأ لي «ما إن يبدأ بقراءة السطور الأولى من كتاباتي، حتى يجد القارئ نفسه منزرعاً وأسيراً لما يقرأ، فيتابع ليصل إلى نهاية العمل الأدبي، سواء قصة أو نصاً أو رواية».

• أيهما تزاوله أكثر؛ القراءة أم الإبداع؟

- سؤال اختباري ذكي، أقرأ وأكتب، أكتب وأقرأ في الوقت نفسه، والتناوب بينهما هو للتنويع وللتحديث، وتفيد في الاستراحة والمراجعة، أقرأ أربع إلى ست روايات كل سنة، أتممت قبل أسبوع قراءة كتاب سيرة وتاريخ يشبه الرواية، لكاتب هندي اسمه «ر. ك. ناريان» بعنوان «في انتظار المهاتما»، وقرأت اليوم صفحات من كتاب «الوجود والعدم» لجان بول سارتر، وقبل يومين ومن مجلة «الثقافة العالمية» الكويتية العدد 151 نوفمبر - ديسمبر 2006، قرأت مقالاً مهما عن «الحياة بعد النفط»، ولا أتوقف عن الكتابة، ويمكن القول إنني أقرأ وأكتب كل يوم ما دمت قرب جهازي الكمبيوتر وبصحة مقبولة.

• حين تشرع في كتابة نص جديد، ما الذي يشغل بالك أكثر: اللغة أم تقنية الكتابة؟

- لا هذه ولا تلك، أكتب غارفاً من ثروتي التي ترسّبت في عقلي، واللغة والتقنية هي وليدة خبرات ودراسات وقراءات، فنص يصف سعادة، يخرج راقصاً مرحاً بلغة شاعرية شفافة، الكتابة هي حياة، فحين تكون سعيداً تتفنن في صدق التعبير، وحين تكتب نصا أو قصة محزنة، ستجد نفسك مندمجا في الدور والحالة، لتصف عمق المشاعر التي تتردد في نفس البطل، وبما يشبه الحياة الحقيقة، فتطلع التقنية مناسبة للحدث، وتختلف عن أي موقف أو تعبير آخر، بتقنية ولغة توالدت مراعية زمان الحدث المتخيل ومكانه، أو لو كان واقعياً، وفي نظري يجب أن يظل التزاوج بين اللغة والتقنية ويترافقان في كل نص.

• يميل الكثير من الشباب العرب الآن إلى قراءة الأدب المترجم... ما السبب برأيك؟

- السبب فشل دور النشر في البلاد العربية بطباعة الكتاب العربي بسعر رخيص، يناسب إمكانات المواطن العادي، فيلجأون لنشر الروايات الأجنبية، وبورق رخيص، ليجد الشاب أن سعر الرواية المترجمة أقل من ربع تكلفة رواية عربية، لكن الأدباء والمهتمين يرغبون قراءة الأدب الأجنبي، لمتابعة التحديث ومقارنة إبداعهم بما وصلهم من معارف وتقنيات عالمية، على كل حال الإبداع هو عالمي حتى لو اختلفت اللغة.

• ما جديدك الأدبي الذي تشتغل عليه حالياً؟

- لديّ جديد كل يوم، لكن تقلقني رواية أنهيت كتابتها، ولم أجد الناشر المخلص لفنّ النشر، ويفهم ويقدر الأدب والإبداع، فكل من طرقت بابهم من الناشرين، يطلب ثمن نشر الرواية مقدماً، ليظهر أنه ليس مهتماً بالأدب، بل هو تاجر ينشد الحصول على ربحه قبل بدء نشر الكتاب، وهذه الأيام تعاونت مع الأديب والناقد فوزي الخطبا، إذ ألّف كتاباً عن إبداعاتي وحياتي، والكتاب لدى «دار أمواج للنشر» في الأردن، وسيصدر الكتاب المعنون بـ «نازك ضمرة... الأديب الإنسان» نهاية هذا العام، وفي جعبتي كتاب قصص قصيرة ينتظر النشر، وفي الوقت نفسه أعمل على رواية جديدة، أنهيت خلق هيكلها العظمي، والكثير من اللحم الساتر عليها.

الكتابة حياة فحين تكون سعيداً تتفنّن في صدق التعبير

لديّ جديد كل يوم لكن تقلقني رواية أنهيت كتابتها ولم أجد ناشراً مخلصاً
back to top