دروس مستقاة من التعليقات الصحافية على الوضع في أفغانستان

نشر في 20-12-2019
آخر تحديث 20-12-2019 | 00:00
الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش-وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد-أسامة بن لادن-نائب الرئيس الاميركي السابق ديك تشيني
الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش-وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد-أسامة بن لادن-نائب الرئيس الاميركي السابق ديك تشيني
في الرابع عشر من سبتمبر 2001 وبعد 3 أيام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، قال الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، في كلمة ألقاها من الكاتدرائية الوطنية في واشنطن إن «مسؤوليتنا أمام التاريخ تقضي بالرد على تلك الهجمات وتخليص العالم من الشر».

ويمكن ملاحظة بداية الحساب من خلال ما نشرته صحيفة واشنطن بوست في الأسبوع الماضي تحت عنوان «أوراق أفغانستان» التي كانت مصنّفة في الماضي كمذكرات ومقابلات مع مسؤولين أميركيين – من شخصيات في «البنتاغون» وقادة معارك ودبلوماسيين أشرفوا لفترة طويلة من الزمن على الحرب الأفغانية التي دخلت الآن عامها الثامن عشر.

وتكشف هذه الخطوة عن الخداع الدستوري الواسع الذي مارسته تلك الشريحة، ويشكّل الأساس لما قامت الولايات المتحدة به.

وقد أجرى المقابلات مفتش خاص كلف بتقييم «الدروس المستقاة» من أفغانستان، وكان أحدها – وفق جون سوبكو من مكتب المفتش العام - يشير الى «تعرّض الشعب الأميركي بصورة دائمة الى الكذب»، وكان ذلك ضمن أوراق «البنتاغون» قبل أكثر من نصف قرن، والتي تحدثت عن إعادة صياغة معلومات من الحكومة الأميركية حول حرب خاسرة في أفغانستان.

وفي فترة مبكرة من الحرب في أفغانستان، كتب مهندس تلك الحرب وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد مذكرة أقرّ فيها بجهله عن تحديد الأشرار في ذلك البلد. وبعد سنوات، اعترف جنرال كان الرئيس باراك أوباما يعتمد عليه في تقييمه للنزاع، بعدم قدرته على معرفة ما تقوم به بلاده في أفغانستان.

الحرب في العراق

وعاماً بعد آخر، كانت التقارير الصادرة عن «البنتاغون» والبيت الأبيض، على الرغم من الإقرار بالصعوبات الميدانية، تشدد على أهمية الاستمرار في الحرب بأفغانستان، والتي اعتبرت حرباً جيدة.

أما الحرب في العراق، فكانت حرباً سيئة، وهي صيغة ميزت حملة أوباما الناجحة لنيل منصب الرئاسة في عام 2008. وحتى الآن وبعد موت أكثر من 43 ألفاً من المدنيين الأفغان و2300 جندي أميركي وهدر أكثر من تريليوني دولار، وانتشار الفوضى المدمرة في ذلك البلد لا يزال على الولايات المتحدة مواجهة معنى تلك الحرب.

والشيء الذي يبدو أن جورج دبليو بوش لم يعرفه في شهر سبتمبر 2001 عندما دعا الى «تخليص العالم من الشر» هو أن ذلك العمل قد يتحول الى حاضنة للشر. والسؤال اليوم هو: هل تعلم أميركا تلك الحقيقة؟

الشيء الذي غاب عن «أوراق أفغانستان» هو أن المحنة التي تعرّضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 كانت أكثر عمقا وتأثيرا مما أدركه الشعب الأميركي، وكان جورج دبليو بوش الشخص الذي تسبب في تلك المحنة، وأعطى معنى لثقلها في مبادراته اللاحقة.

استخدام القوة العسكرية

في اليوم الذي تحدّث بوش فيه من الكاتدرائية الوطنية، صوّت مجلس الشيوخ بنسبة 80 – 0 ومجلس النواب بنسبة

420 – 1 لمصلحة التفويض باستخدام القوة العسكرية، وكان ذلك بشكل فعلي يمثّل إعلاناً للحرب، ليس على أولئك المسؤولين عن هجمات سبتمبر فقط، بل على كل من «خطط وفوّض والتزم أو ساعد» على القيام بتلك الهجمات أو احتضنهم.

وأظهرت استطلاعات الرأي في ذلك الوقت تأييد حوالي 90 في المئة من الأميركيين «للقيام بحملة عسكرية رئيسية»، وهو تفويض بالحرب في أفغانستان، ثم في العراق واليمن والصومال وسورية ولبنان، إضافة الى موجات المهاجرين الذين هربوا من ويلات الحرب في المنطقة واتجهوا الى أوروبا.

وقد تعرّضت المهمة في البدء الى إحباط بسبب صعوبة رصد العدو الفعلي المتمثّل في أسامة بن لادن وحركة القاعدة التي يتزعمها. والإرهابيون الذين قاموا بهجمات 11 سبتمبر على مركز التجارة الدولي و»البنتاغون» أعدوا أنفسهم لذلك العمل في ألمانيا وفلوريدا، لكن ساحة الإطلاق كانت في أفغانستان – وعندما طلبت الولايات المتحدة من حركة طالبان هناك تسليمها أسامة بن لادن، طلب قادة الحركة أدلة على تورطه في تلك الهجمات.

وقد أسفر ذلك عن دق إسفين بين «طالبان» و»القاعدة». وكان بوش يريد النيل من بن لادن «حيا أو ميتا»، وقال إن على الدول الأخرى أن تحدد موقفها إما معنا أو ضدنا. وعلى أي حال، لم يكن من الواضح ما اذا كانت حركة طالبان قد عملت على تسليم بن لادن الذي سارع بالفرار الى باكستان، حيث تم العثور عليه وقتله.

وفي السابع من شهر أكتوبر 2001 بدأت الولايات المتحدة حملة قصف جوي شملت مختلف أنحاء أفغانستان، وبعد شهرين، تمت إطاحة حركة طالبان، لكنّ الكثير من مقاتلي القاعدة وكبار قادة الحركة فرّوا أيضاً الى باكستان، حيث كان من الصعب رصدهم واعتقالهم.

وعمدت الولايات المتحدة الى فتح معسكر اعتقال في خليج غوانتانامو بجزيرة كوبا، حيث تم احتجاز المئات لسنوات طويلة ومن دون توجيه تهمة لهم، وتعرّض البعض منهم لعمليات تعذيب مشهورة.

كما تمت إقامة شبكة من السجون السرية ومواقع تعذيب في كافة أنحاء العالم، وقد (أنهى الرئيس باراك أوباما برنامج التعذيب الذي كانت تطبّقه وكالة الاستخبارات المركزية في شهر يناير من عام 2009).

رسائل الجمرة الخبيثة

في الثامن عشر من سبتمبر، تم توجيه رسائل تحتوي على الجمرة الخبيثة الى وسائل الإعلام ومكاتب في «الكونغرس» الأميركي، وأسفر ذلك عن موت 5 أشخاص. واعتبر مسؤولون أميركيون أن تلك العملية تمثّل المرحلة التالية من الهجمات (وفي نهاية المطاف خلصت وزارة العدل الى استنتاج بأن أحد العلماء الحكوميين الذي أقدم على الانتحار كان مسؤولا عن تلك العملية).

وعندما نستعرض هذه التطورات معا نشعر أننا أمام حالة غير عقلانية. وعلى سبيل المثال أعلن جورج دبليو بوش في 13 ديسمبر 2001 أن الولايات المتحدة لم تعد ملزمة بمعاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، والتي تشكّل دعامة نظام الحد من التسلح الذي كان ساريا مع موسكو منذ عام 1972. وفي التاسع من شهر يناير من عام 2002 نشرت وزارة الدفاع الأميركية تقريرها عن الوضع النووي الذي اقترح استئناف التجارب النووية وتطوير القنابل النووية، وهي الخطوة التي أطلقت سباق التسلح في الحرب الباردة. وفي غضون ذلك اقترحت ميزانية «البنتاغون» الجديدة زيادة بنسبة 30 في المئة عن ميزانية العام السابق.

وبعد أسبوعين، شجب الرئيس جورج دبليو بوش في خطابه عن حالة الاتحاد «محور الشر» قائلا «مع تحوّل العداء مع بن لادن الى حرب مع حركة طالبان، تطورت العداوة، وشملت ليس العراق فقط بل إيران وحتى كوريا الشمالية أيضا، والتي لم تكن بعيدة تماما عن هجمات 11 سبتمبر».

ويحمل بوش الثقل الرئيسي لمستقبل مشحون بالأعباء، والذي يمثّل في الوقت الراهن وبصورة عميقة ماضينا المثقل بالجراح، لكنه لم يتمكن من القيام بذلك بمفرده. وفي هذا الصدد بدأت الولايات المتحدة مراجعة واسعة لأهدافها، والتي أظهرت أنها تنطوي على حقد جديد تحوّل الى سمة واضحة في الأسلوب الأميركي بهذا القرن.

وكان ذلك أكثر عمقاً من الوضع خلال الحرب الفيتنامية. وفي الداخل الأميركي أفضى ذلك الى فساد سياسي، أما في الخارج فقد حطّم تحالفات قديمة، وأقام عداوات جديدة شملت التخلي عن معاهدات واتفاقيات طالت أكثر من 800 قاعدة عسكرية أميركية في أكثر من 70 دولة.

من جهة أخرى، تم تجديد الترسانة النووية، واعتبر الخطر الوجودي المتمثل في تغيّر المناخ مجرد خدعة خارجية.

الهزيمة المعنوية

في غضون ذلك، اعتبرت «أوراق أفغانستان» شهادة على هزيمة معنوية وأخلاقية، وتبرز أوراق وزارة الدفاع الأميركية التقييم البشع للتجاوزات الحكومية خلال الحرب الفيتنامية، والذي نشر في عام 1971، وأفضى الى إجماع على العداء للحرب، كما جعل من المستحيل قيام وزارة الدفاع بأي تصعيد في المستقبل، إضافة الى تهيئة الداخل الأميركي لقبول الهزيمة.

وبالمثل قد تبدأ «أوراق أفغانستان» بإصلاح تلك الصورة أيضاً في القرن الحادي والعشرين، وذلك يفترض – طبعاً – ألا تتأثر العملية بفوضى وسائل الاعلام في الوقت الراهن، وفي تلك الحالة سيتعين على حساب التاريخ أن ينتظر، ولكن ذلك الحساب – كما أكد جورج دبليو بوش بالكاتدرائية الوطنية في ذلك اليوم – سيتم حتماً.

* جيمس كارول

back to top