لماذا يجب على البلدان فرض ضرائب على الدخل العالمي؟

نشر في 10-12-2019
آخر تحديث 10-12-2019 | 00:00
النمو العالمي الأكثر شمولاً في عالم يتمتع بحرية تنقل رأسمالي يتطلب ضرائب عالمية وتعاوناً ضريبيا،
ولا يتطلب حكومة "عالمية" تفرض الضرائب، وتعيد توزيعها، وستكون الدول حرة في فرض الضرائب الخاصة بها، ولكنها ستكون مطالبة بتبادل المعلومات المتعلقة بالضرائب.
 بروجيكت سنديكيت إذا كنت مواطنا لبلد ما، فهل يجب عليك دفع ضرائب على الدخل، الذي تكسبه فقط داخل الحدود الجغرافية لذلك البلد، أو على كل الأموال التي تجنيها، بغض النظر عن المكان؟ إن الولايات المتحدة، والمكسيك، والهند، والصين، وتشيلي، تفرض ضريبة على الدخل العالمي، وتفرض أوروبا الغربية، واليابان، وكندا، وبيرو، وكولومبيا، ضريبة على الدخل الإقليمي، وإذا اتجه العالم نحو فرض ضرائب عالمية، وعزز بعض آليات تبادل المعلومات الأولية، فإن التأثير على النمو الشامل، لا سيما في العالم النامي، سيكون إيجابياً للغاية.

من يجب عليه أن يدفع للحكومة، وكيف يثير ذلك إشكالا في قلب أي نظام سياسي؟ إن الإجابة تجمع بين كل التفضيلات الاجتماعية، واعتبارات الكفاءة، مع أن الإجابة الأولى غالباً ما تتنكر بزي الأخيرة.

وفي معظم الأنظمة، يفضل الناس فرض ضريبة على الأثرياء أكثر من الفقراء، وضريبة الرأس لرئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت تاتشر، في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة. إذ أطيح بتاتشر من قبل حزبها المحافظ، في نوفمبر 1990، بعد أن حاولت فرض ضريبة متساوية على الجميع.

وفي المقابل، تشير اعتبارات الكفاءة إلى أنه ينبغي فرض الضرائب على الأشياء التي يصعب تحريكها، أو تغييرها للتعامل مع الضريبة، فعلى سبيل المثال، من الصعب تحريك الأرض، ولكن يمكن تجنب ضريبة البلدية على البنزين، عن طريق ملء الخزان في ولاية قضائية قريبة، لا تفرض ضريبة على الوقود. ومن شأن المنافسة بين البلديات أن تخلق سباقا تنازليا قد يجعلها تفرض ضريبة على البنزين تقترب قيمتها من مستوى الصفر، ولأن القواعد الضريبية يمكنها أن تتحرك بسهولة أكبر عبر الحدود البلدية منها عبر الحدود الدولية، فُرضت العديد من الضرائب، وجمعت من قبل الحكومات الوطنية، وتقاسمتها سلطات الولاية، والسلطات المحلية.

هل يجب علينا فرض ضريبة على العمل، أو رأس المال؟ نظرا لكون الأغنياء يمتلكون رأس مال أكثر من الفقراء، ويستمدون معظم دخلهم منه، إذا كنت تريد فرض ضريبة على الأغنياء، فيجب عليك فرض ضريبة على دخل رأس المال، ولكن إذا كان بإمكان رأس المال أن ينتقل إلى الخارج بسهولة أكبر من انتقال العمالة، فإن اعتبارات الكفاءة، تعني أنه يجب عليك فرض ضرائب على العمل بدلاً من رأس المال، خشية أن يفر هذا الأخير من البلد، أو أن يُستهلك بدلاً من أن يُدخر. وفي الواقع، قال منشور كبير، بدأ بمقال أساسي من تأليف أنتوني أتكينسون، وجوزيف إي ستيغليتز، إن الضريبة المثلى على دخل رأس المال يجب أن تكون في مستوى صفر.

وتَقول البلدان، التي تفرض ضرائبا على الدخل الإقليمي، بحكم الواقع، سكانها المؤهلين لدفع الضرائب، والذين يمتلكون رأس المال: إما أن تستثمر في البلد، وتدفع الضرائب، أو تستثمر في الخارج، وتهرب من الضرائب. ولا عجب أن يختار الكثير من السكان وضع أموالهم في الخارج. إذ أظهرت دراسة حديثة أجراها جوناثان أوستري، ومؤلفون مشاركون في صندوق النقد الدولي، أن الاتجاه نحو حرية حركة رأس المال في العقود الأخيرة، بالكاد كان له تأثير على النمو، ولكنه كان له تأثير كبير على عدم المساواة. لكنه يزداد سوءا. وتقول نظرية الضرائب المثلى، إنه يجب على الحكومات اختيار معدلات الضريبة، التي تتناسب عكسيا مع مدى تنقل القواعد الضريبية. ونظرًا لأن رأس المال يمكن أن ينتقل بسهولة إلى الخارج، فإن هذا المبدأ يعني أنه يجب تخفيف الضرائب المفروضة عليه.

وتُستخدم حجتان إضافيتان لتبرير فرض ضرائب على رأس المال. الأولى هي فكرة أن فرض ضرائب على أرباح الأسهم، هي بمثابة فرض ضرائب على دخل الشركات مرتين: مرة واحدة عند كسبها، ومرة أخرى عندما توزع على المساهمين. ولا تفرض دول مثل إستونيا، ولاتفيا، والأردن، ضرائب على الأرباح على الإطلاق، في حين أن العديد من دول أوروبا الشرقية تفرض عليها ضرائب تقل بكثير عن الضرائب المفروضة على دخل العمل.

وفي الواقع، فإن حجة الازدواج الضريبي هي مجرد خدعة، إذ يجب أن تختار البلدان ضريبة إجمالية على دخل رأس المال، لكن لها الحرية في اختيار أي مزيج من ضريبة دخل الشركات وضريبة الأرباح تستخدمه، إذ على سبيل المثال، يوجد في إيرلندا معدل ضريبة دخل فعال، منخفض للغاية بنسبة 15٪، لكن ضريبتها على الأرباح بنسبة 51٪ هي الأعلى في العالم.

والحجة الثانية هي أنه يجب أن تخضع المكاسب الرأسمالية لضريبة أقل من تلك المفروضة على الأرباح، وأن تفرض عليها بعض البلدان، بما في ذلك سويسرا، وتركيا، وهولندا، ونيوزيلندا، ضرائب في مستوى الصفر، ونظرًا لأنه من السهل جدا على الشركات تحويل الدخل من الأرباح الموزعة إلى مكاسب رأسمالية (على سبيل المثال، عن طريق إعادة شراء الأسهم بدلاً من توزيع الأرباح)، فإن هذا يخلق ثغرة هائلة.

والنتيجة هي أن ضرائب العديد من البلدان على دخل رأس المال منخفضة للغاية، مما يجعلها تفرض الضرائب على دخل العمل بشكل أساسي، ولكن هذا يثير إشكالا أيضا، إذ على الرغم من صعوبة مغادرة العمال للبلاد، فإنه يمكن للعمال الانتقال من القطاع الرسمي، حيث تقتطع الشركات ضرائب موظفيها، إلى القطاع غير الرسمي المتمثل في الملكية الفردية، والمؤسسات الصغرى غير المسجلة، حيث لا يطبق الاقتطاع، وحيث يواجه نظام الضرائب مشكلة في جمع الضرائب. وفي حين أن ثمانية من كل تسعة عمال في الولايات المتحدة يعملون في شركات مدمجة، أقل من نصفهم يفعلون ذلك في أميركا اللاتينية؛ وأقل من واحد من كل عشرة يفعل ذلك في الهند. ومن ثم، فإن محاولة فرض ضرائب على العمل تشجع على إيجاد طرق غير فعالة لتنظيم الإنتاج، مما يكلف المجتمع غاليا.

وفي الماضي، كانت صعوبة التنفيذ أحد أسباب عدم فرض ضريبة على الدخل العالمي، ولكن المساعدة آتية، لأن الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والعديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى، التي تفرض ضريبة على الدخل الأجنبي لمواطنيها، وعلى سكانها المؤهلين لدفع الضرائب، تسعى نحو تحسين مشاركة المعلومات. فعلى سبيل المثال، يشترط قانون الامتثال لضريبة الحسابات الأجنبية بالولايات المتحدة، أن تبلغ جميع المؤسسات المالية الدولية الولايات المتحدة بالحسابات التي يحتفظ بها السكان المؤهلون لدفع الضرائب. وفضلا عن ذلك، تتطلب قواعد مكافحة غسل الأموال، ومعرفة عميلك من المؤسسات المالية، وغيرها من الشركات معرفة المستفيدين النهائيين من الكيانات، بما في ذلك شركات شيل، التي يتعاملون معها. وتتزايد الضغوط على الدول النامية لتوفير المعلومات ذات الصلة، لمساعدة الدول الأخرى على فرض الضرائب على مواطنيها. وقد تحصل هذه الدول أيضًا على الفوائد التي تنشأ من مشاركة المعلومات مع تلك السلطات الضريبية.

وباختصار، بالنسبة إلى كثير من البلدان، وخاصة ما يتعلق بالاقتصادات النامية، من شأن نظام ضريبي أكثر كفاءة ونزاهة، أن ينطوي على فرض ضرائب أعلى على دخل رأس المال. ولكن هذا سيتطلب فرض ضرائب على الدخل العالمي، وكذلك على الدخل الإقليمي، مع فرض الإنفاذ من طرف نظام دولي لتبادل المعلومات، الذي هو قيد الإنشاء حاليًا لصالح الولايات المتحدة، ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى. وسيتيح مثل هذا النظام للبلدان، اختيار ضرائب أعلى على دخل رأس المال دون خوف من تدفقات رأس المال إلى الخارج، لأن مالكي رأس المال لن يعفوا من الضرائب في الداخل.

ويتطلب نمو عالمي أكثر شمولاً في عالم يتمتع بحرية تنقل رأسمالي، ضرائب عالمية وتعاوناً ضريبيا. ولا يتطلب حكومة "عالمية" تفرض الضرائب، وتعيد توزيعها، وستكون الدول حرة في فرض الضرائب الخاصة بها، ولكنها ستكون مطالبة بتبادل المعلومات المتعلقة بالضرائب، وهذا من شأنه أن يوقف السباق الدولي الحالي التنازلي في فرض ضرائب على دخل رأس المال، ويسمح للبلدان بفرض ضرائب أكثر عدلاً، وأكثر فعالية.

* وزير التخطيط السابق لفنزويلا، وكبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية للبلدان الأميركية، وأستاذ بكلية هارفارد كينيدي، ومدير مختبر هارفارد للنمو.

«من شأن نظام ضريبي أكثر كفاءة ونزاهة أن ينطوي على فرض ضرائب أعلى على دخل رأس المال

«ريكاردو هاوسمان*»

اعتبارات الكفاءة تشير إلى ضرورة فرض الضرائب على الأشياء التي يصعب تحريكها أو تغييرها للتعامل مع الضريبة

من شأن نظام ضريبي أكثر كفاءة ونزاهة أن ينطوي على فرض ضرائب أعلى على دخل رأس المال
back to top