اضطرابات متزايدة في إسبانيا بعد الانتخابات

نشر في 15-11-2019
آخر تحديث 15-11-2019 | 00:00
بيدرو سانشيز - بابلو كاسادو - سانتياغو أباسكال
بيدرو سانشيز - بابلو كاسادو - سانتياغو أباسكال
كان يُفترض أن تسهم الانتخابات الأخيرة في حلحلة الوضع السياسي في إسبانيا، لكنها زادته تعقيداً، فتكبّد اليسار الخسائر، وتعافى «حزب الشعب»، وحقق اليمين المتطرف تقدماً هائلاً.
فاز «الحزب الاشتراكي» بقيادة رئيس حكومة تصريف الأعمال بيدرو سانشيز بأكبر عدد من المقاعد، لكنه فشل في كسب أغلبية مطلقة خلال الانتخابات العامة منذ أيام في إسبانيا.

بعد احتساب 99% من الأصوات، حصد «الحزب الاشتراكي» 120 مقعداً، أي أقل من النتيجة التي حققها في انتخابات 28 أبريل، أما «حزب الشعب» المحافظ، فحقق فوزاً كبيراً وحصد 87 مقعداً، بعدما اقتصرت مقاعده على 66، وكانت أسوأ نتيجة يحققها على الإطلاق، لكن سجّل حزب «فوكس» اليميني المتطرف حقق أهم تقدم في هذا الاستحقاق، فزادت مقاعده من 24 إلى 52، وأصبح بذلك ثالث أكبر حزب في مجلس النواب الإسباني.

أما «يونيداس بوديموس» (متحدون نستطيع) وهو عبارة عن تحالف «اليسار المتحد» وجماعة «بوديموس» المعارِضة لسياسة التقشف، فاحتفظ بـ35 مقعداً من أصل 42 كان قد فاز بها في الانتخابات الأخيرة، وقد واجه حزب «المواطنين» اليميني الوسطي من جهته هزيمة ساحقة، فخسر أكثر من 40 مقعداً واكتفى بعشرة هذه المرة.

تناوب «الحزب الاشتراكي» و«حزب الشعب» على السلطة طوال عقود، لكن الأزمة الاقتصادية أنتجت أحزاباً معارِضة، وافتقرت السياسة الإسبانية في الفترة الأخيرة إلى أي أغلبية برلمانية، وعجز السياسيون عن عقد الاتفاقيات اللازمة لحكم البلد، وكانت هذه الانتخابات رابع انتخابات عامة تشهدها إسبانيا في السنوات الأخيرة.

«السخاء» مطلوب

تعني هذه النتائج غير الجازمة توسّع الاضطرابات السياسية في إسبانيا لأن أياً من الكتل اليسارية أو اليمينية لم يحصد المقاعد التي يحتاج إليها (176 مقعداً) لكسب أغلبية مطلقة في مجلس النواب، كذلك، أدى انهيار حزب «المواطنين» مقابل صعود «حزب الشعب» و«فوكس» إلى ترسيخ مكانة معسكر اليمين في المجلس، بينما خسر الفريق الوسطي أهميته.

طلب سانشيز من الأحزاب الأخرى أن تتصرف «بسخاء» لكسر الجمود القائم، فقال عشية الأحد الماضي: «هدفنا هو تشكيل حكومة مستقرة. لقد فزنا بالانتخابات وسنؤلف هذه المرة حكومة تقدمية مهما حصل». وأكد سانشيز على تواصله مع جميع الأحزاب السياسية، لكنه تكلم أيضاً عن إقصاء «من ينشرون خطاب الكره»، في إشارة واضحة إلى حزب «فوكس».

بعد صدور النتائج، دعا زعيم حزب «المواطنين»، ألبرت ريفيرا، إلى عقد اجتماع طارئ للجنة التنفيذية في الحزب لمناقشة مستقبله، فقال: «لقد حققنا اليوم نتيجة سيئة بكل وضوح، ولا عذر لدينا».

أما رئيس «حزب الشعب»، بابلو كاسادو، فسبق وأعلن عن ضرورة أن يتنحى رئيس حكومة تصريف الأعمال، فقال إن «سانشيز خسر هذه الانتخابات، وهو أكبر خاسر اليوم»، علماً أنه كان قد اعتبر الانتخابات الأخيرة جولة ثانية من انتخابات 28 أبريل.

في غضون ذلك، احتفل زعيم «فوكس»، سانتياغو أباسكال، بالنتيجة التي حققها اليمين المتطرف، فقال أمام حشود مبتهجة تلوّح بالأعلام الإسبانية: «منذ 11 شهراً، لم يكن لدينا تمثيل في أي مؤسسة حكومية، أما اليوم، فأصبحنا ثالث قوة سياسية في إسبانيا. [...] لقد أخبرنا اليساريين بأنهم لا يتفوقون علينا أخلاقياً».

أخيراً، اعتبر بابلو إغليسياس، زعيم تحالف «يونيداس بوديموس» أن الانتخابات الأخيرة «رسّخت قوة اليمين، وحوّلت اليمين المتطرف إلى واحد من أقوى المعكسرات في أوروبا». دعا إغليسياس مجدداً إلى تشكيل حكومة ائتلافية تجمع بين حزبه و«الحزب الاشتراكي»، وأعلن بعد صدور النتائج: «ما كان مجرّد فرصة في شهر أبريل، أي الحكومة الائتلافية التقدمية، أصبح ضرورة اليوم».

صعود حزب «فوكس»

منذ سنة فقط، كانت إسبانيا البلد الكبير الوحيد في أوروبا الذي يخلو مجلس نوابه من حزب كاره للأجانب.

لكن يبدو أن تأييد معسكر اليمين المتطرف تصاعد رداً على الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في برشلونة في أكتوبر، بعدما حكمت المحكمة العليا الإسبانية على تسعة انفصاليين من كتالونيا بالسجن على خلفية تورطهم في محاولة الإقليم للاستقلال عن إسبانيا في عام 2017، وأدى ذلك الحكم إلى اضطرابات كبرى، فأصيب مئات الناس وبلغت قيمة الأضرار المادية في الأملاك العامة 2.7 مليون يورو.

خلال مناظرة متلفزة قبل الانتخابات، تعهد زعيم «فوكس»، أباسكال، بتجريم الأحزاب الانفصالية، بما في ذلك «الحزب القومي الباسكي»، وبسجن رئيس كتالونيا، كيم تورا.

انتقد «فوكس» من جهته نقل رفات الدكتاتور الإسباني فرانشيسكو فرانكو حديثاً من «وادي الشهداء»، ويعارض الحزب أيضاً «قانون الذاكرة التاريخية» (يدين رسمياً نظام فرانكو)، وارتكزت حملته على معارضة الهجرة وقانون العنف الجنسي.

حملة لكسب أصوات الوسطيين

خلال الحملة الانتخابية، تنافس سانشيز وزعيم «حزب الشعب»، بابلو كاسادو، لكسب تأييد الناخبين الوسطيين بعدما خاب أملهم في حزب «المواطنين»، وقد أعاد كاسادو «حزب الشعب» إلى المعسكر الوسطي بعدما أدت ميوله اليمينية إلى تحقيق أسوأ نتيجة في تاريخ الحزب في شهر أبريل.

في غضون ذلك، صعّد سانشيز نبرته ضد الحركة الانفصالية في كتالونيا، وتعهد بتجريم أي استفتاءات غير قانونية حول استقلال الإقليم، على غرار الاستفتاء الذي شهدته المنطقة الانفصالية في أكتوبر 2017. عمدت الحكومة المحافظة بعد العام 2000 إلى إدراج هذه الجريمة في قانون العقوبات الإسباني رداً على اقتراح استفتاء في إقليم الباسك، لكن عادت الإدارة الاشتراكية وألغته لاحقاً.

كيف وصلت إسبانيا إلى هذا المأزق؟

فاز سانشيز بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات 28 أبريل، لكنه لم يحصد أغلبية مطلقة، ما يعني أنه احتاج إلى دعم أحزاب أخرى لتولي رئاسة الحكومة، لكن رغم استمرار المفاوضات طوال أشهر، عجز «الحزب الاشتراكي» وشريكه الأقرب «يونيداس بوديموس» عن عقد صفقة فاعلة لحكم البلد.

في شهر يوليو، عرض سانشيز على زعيم «يونيداس بوديموس»، بابلو إغليسياس، ثلاثة مناصب وزارية ومنصباً نيابياً مقابل دعم ترشيحه، لكن إغليسياس رفض ذلك العرض معتبراً تلك المناصب «شكلية»، وبعدما فشل الزعيم الاشتراكي في مساعيه، رفض التفاوض على حكومة ائتلافية يشارك فيها «يونيداس بوديموس» وضغط باتجاه تشكيل حكومة من حزب واحد.

دعا سانشيز حزب «المواطنين» و«حزب الشعب» إلى الامتناع عن المشاركة في التصويت الثاني لاختيار رئيس الحكومة وكسر الجمود السياسي، لكن الحزبين رفضا هذا الطلب، حتى أن رفض حزب «المواطنين» التفاوض مع سانشيز طوال أشهر أدى إلى استقالة أربعة أعضاء من كبار المسؤولين في الحزب لأنهم عارضوا تقرّب الزعيم ألبرت ريفيرا من معسكر اليمين، ما أدى إلى تراجع كبير في نسبة تأييد الناخبين.

انتخابات الأحد الماضي كانت رابع انتخابات عامة تشهدها إسبانيا في السنوات الأخيرة
back to top