منتدى فالداي يكشف ازدياد نفوذ روسيا في الشرق الأوسط

نشر في 01-11-2019
آخر تحديث 01-11-2019 | 00:01
منتدى فالداي الدولي في سوتشي
منتدى فالداي الدولي في سوتشي
عكس منتدى فالداي في هذه السنة صورة جلية عن الابتعاد عن الغرب، وهو الهدف المنشود في الوقت الراهن، كما كان موضوع المنتدى هو "فجر الشرق والنظام السياسي الدولي"، وتم التشديد على متحدثين من الصين والهند والشرق الأوسط.
انعقد منتدى فالداي في مدينة سوتشي الروسية قبل انسحاب الولايات المتحدة من سورية، وتعاظم نفوذ موسكو في الشرق الأوسط، ولكن ازدياد ثقة الحكومة الروسية في ميدان السياسة الخارجية كان لافتاً بشكل واضح تماماً قبل ذلك كله على أي حال.

وتمثل ذلك بمشاعر ثقة رصينة وواعية لا على شكل عنجهية، وكما كتب مارك تشامبيون في تقرير إلى وكالة بلومبيرغ فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «طرح كلمة أقل انتقاداً للآخرين طوال أكثر من عقد من الزمن أمام جمع من صناع السياسة والأكاديميين والصحافيين، وفي حقيقة الأمر كان نصيب الصحافيين في منتدى هذه السنة أقل من السنوات السابقة، وكان منتدى هذا العام فرصة من أجل قياس أسلوب السياسة الخارجية الروسية إضافة الى النظر الى القضايا العالمية من منظور مختلف.

وقد عكس منتدى فالداي في هذه السنة صورة جلية عن الابتعاد عن الغرب، وهو الهدف المنشود في الوقت الراهن، كما كان موضوع المنتدى هو «فجر الشرق والنظام السياسي الدولي»، وتم التشديد على متحدثين من الصين والهند والشرق الأوسط.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط كانت نظرة الروس بصورة عامة– وليس الرئيس بوتين فقط– أن الولايات المتحدة وبريطانيا خلقتا مجموعة من الكوارث في المنطقة امتدت من العراق الى ليبيا وسورية وفي الوقت نفسه لوحظت درجة من التوتر في أوساط بعض المشاركين حول ما يمكن أن تتورط روسيا فيه نتيجة سعيها الى نفوذ مهيمن في منطقة حفلت في الماضي– حتى من دون تشجيع من الدول الغربية– بالكثير من الأزمات الخانقة والعصية على الحل.

خفض عدد المشاركين الغربيين

وقد تم تقليص عدد المشاركين الغربيين وخصوصا من رجال الصحافة مقارنة مع مؤتمرات السنوات السابقة، وكما صرح أحد المشاركين الروس فإن المؤسسة الروسية يئست الى حد ما من تحقيق مزيد من التوازن والتغطية الموضوعية من جانب وسائل الإعلام الغربية للوضع في روسيا.

وفيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا والعلاقة مع أوروبا الغربية تم الترحيب بالمبادرة التي طرحها الرئيس فولوديمير زيلنسكي من جانب المشاركين الروس على اعتبار أنها محاولة تهدف الى تنفيذ «صيغة ستاينماير» لتسوية الأزمة الأوكرانية التي وضعها في عام 2016 وزير الخارجية الألماني فرانك– والتر ستاينماير الذي أصبح رئيساً لألمانيا. كما تم أيضاً الترحيب بمبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التي قدمها في شهر سبتمبر الماضي من أجل «تخفيف وتوضيح» علاقة أوروبا مع روسيا.

وعلى أي حال ومقارنة مع المحادثات التي جرت في الفترة بين 2005 الى 2008 في فالداي لم يكن لدى الوفد الروسي الكثير من الأمل في تحقيق نتيجة ملموسة من المنتدى، وفي حالة أوكرانيا– على سبيل المثال– كان الاعتقاد أن حكومتها ضعيفة الى درجة تجعلها غير قادرة على الدفع باتجاه تحقيق تسوية في وجه المعارضة الوطنية الراديكالية، ولأن مسألة قضية الأمن المهمة في دونباس خلال عملية السلام وبعدها ستظل من دون حل على الإطلاق، ولم تظهر مؤشرات على أي استعداد مطلقاً لتسليم العاصمة لسيطرة قوى الأمن الأوكرانية غير المؤهلة، على الرغم من أن هذه القضية يمكن طبعاً أن تحل من خلال وجود قوات حفظ سلام أممية، كما حدث في تسويات أخرى في شتى أنحاء العالم.

العلاقات مع الغرب

وفي حالة علاقات أوروبا الغربية الأوسع مع روسيا سادت نظرة عدم الأمل من أي تقدم بعد أن أعرب بعض المشاركين الروس عن خيبة أملهم نتيجة تجارب سابقة، ومن جديد فشلت الدول الأوروبية الغربية في الوقوف الى جانب روسيا ضد الولايات المتحدة حتى في حال موافقة تلك الدول على مواقف موسكو، وخصوصا ما يتعلق منها بالحفاظ على الاتفاقيات النووية. وقد عزز الموقف الروسي فشل دول أوروبا في التصدي لواشنطن حول العقوبات على إيران، والأكثر من ذلك أن السويد وبولندا ودول البلطيق اعتبرت من وجهة نظر موسكو جبهة معادية لروسيا وهو ما يعني أن أي تحرك جماعي ولفترة طويلة مقبلة من أجل تحسين علاقات الاتحاد الأوروبي سيقابل باعتراض من تلك الجبهة.

وفيما يتعلق بالولايات المتحدة على وجه التحديد، كان الشعور العام هو أن سياسات واشنطن دخلت حالة من الفوضى التي لا يمكن التنبؤ بها بخلاف السياسة الروسية، وترفض موسكو طبعاً فكرة رئاسة جو بايدن لكنها تقول إن أي فائدة جنتها من إدارة الرئيس ترامب كانت نتيجة الفوضى المعطلة لسياسة واشنطن والهبوط العام في سلطة وهيبة الولايات المتحدة، وليس من أي خطوة راسخة قام بها ترامب من أجل تحسين العلاقات الأميركية– الروسية.

وقد تأكد توجه روسيا نحو الشرق، إذ أثبتت تنبؤات صدرت عن خبراء غربيين عدم صحة النظرة القائلة إن موسكو لن تبتعد عن الغرب وتقيم علاقات شراكة وثيقة مع الصين، والواقع هو وجود شراكة بين روسيا والصين، لكن ذلك ليس تحالفاً كما أن روسيا لا تتوقع أن تقاتل الصين الى جانبها في أوكرانيا والقوقاز أو سورية، وهي لا تنوي القتال الى جانب بكين في بحر الصين الجنوبي.

مناقشات تغير المناخ

وقد برزت فكرة مثيرة للاهتمام تمثلت بقضية تغير المناخ، وظهور روسيا على شكل قوة عظمى في ميدان الغذاء والماء في المستقبل، وتزويد الصين وأوروبا بالسلع الضرورية من أجل البقاء وتجاوز الأزمة البيئية العميقة، ولكن من غير الواضح ما هو موقف الرئيس بوتين من تغير المناخ، وفي خطابه وعد بأن تقدم روسيا كل شيء ممكن لتجاوز تلك المحنة. وعلى أي حال كان شيئاً واضحاً وهو: سيحاول هو وأي خليفة يتم اختياره التأكد من أن روسيا ستجني الفائدة الأقصى من تغير المناخ.

وكان الشيء اللافت حقاً هو انخفاض آمال روسيا في الاتحاد الأوراسي الذي كان قبل عام 2014 حجر الأساس في استراتيجية إدارة الرئيس بوتين الجيوسياسية، وكان المشاركون من آسيا الوسطى في موقف ثابت تماماً– في الاجتماعات الخاصة والعامة– يقول إن الاتحاد الأوراسي سيستمر في دور الكتلة الفاعلة في التعاون التجاري والاقتصادي مع بعض الجوانب الأمنية وليس الى مستوى قريب من التحالف الأمني، ناهيك عن بعض أنواع الاتحاد الكونفدرالي تحت الهيمنة الروسية.

وفي الوقت نفسه أثارت أعمال القمع في الصين للسكان المسلمين (ومنهم الكثير من رعايا كازاخستان) الكثير من القلق في آسيا الوسطى على الرغم من أن تلك العمليات ظلت غير واضحة على الصعيد العلني نتيجة الرقابة هناك. وهذا القلق إضافة الى حجم الصين الكبير يعني بقاء آسيا الوسطى تواقة الى الحفاظ على شراكة مع روسيا على شكل عامل توازن.

الأزمة في أوكرانيا

وهناك، على أي حال، قلق من أن الأزمة الداخلية الجديدة في أوكرانيا يمكن أن تدفع روسيا وأوروبا الى مواجهة جديدة وأنا أظن أن المؤسسة الروسية سترحب بوجود وساطة بين الغرب وروسيا من أجل المساعدة في تفادي مثل هذه الأزمات، وكان ذلك أحد اقتراحات ديمتري ميدفيدف خلال فترة عمله رئيساً لروسيا (وقد تم تجاهل ذلك الاقتراح من قبل الغرب في ذلك الوقت)، وطرح في الآونة الأخيرة ضمن ورقة أخرى إلى راند كوروريشن من قبل مجموعة برئاسة عضو في الوفد الأميركي الى منتدى فالداي هو الدكتور صموئيل تشاراب. وبالطبع أصرت روسيا على أن تكون تلك العملية استشارية بصورة حقيقية وصادقة، لا مجرد آلية– على غرار مجلس الناتو– روسيا.

وأخيراً، شيئان يجب التحدث عنهما في سياق اللهجة الهستيرية في وسائل الإعلام الغربية والروسية إضافة الى كبار الشخصيات العسكرية الغربية والروسية، وتجدر الاشارة الى أن فكرة مهاجمة روسيا لدول البلطيق أو بولندا كانت مستبعدة من قبل كل روسي أعرفه، وبعيداً عن الخطر الكبير في الأجل القصير في الهجوم على أي دولة في حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي فإن مثل هذه الخطوة لن تحقق أي ميزة الى روسيا، في حين تدفع دول أوروبا نحو تحالف وثيق مع الولايات المتحدة. وعلى أي حال يمكن القول إن العلاقة بين الدول الغربية وروسيا أكثر أمناً وسلامة مما يبدو عبر عناوين الصحف العالمية المختلفة.

نظرة الروس إلى الشرق الأوسط كانت أن الولايات المتحدة وبريطانيا خلقتا مجموعة من الكوارث في المنطقة امتدت من العراق الى ليبيا وسورية

اللافت حقاً في المنتدى هو انخفاض آمال روسيا في الاتحاد الأوراسي الذي كان قبل عام 2014 حجر الأساس في استراتيجية إدارة الرئيس بوتين الجيوسياسية
back to top