خيارات أميركا الحالية في الشرق الأوسط

نشر في 25-10-2019
آخر تحديث 25-10-2019 | 00:02
زالماي خليل زاد و نوري المالكي و حيدر العبادي
زالماي خليل زاد و نوري المالكي و حيدر العبادي
يحاول القادة العسكريون الأميركيون الذين يشنون حرباً على تنظيم داعش سحب قواتهم من سورية بطريقة نظامية تبدو وكأنها الشيء الوحيد الذي يتم بشكل منظم في ذلك البلد.

وقد سارعت قوات الحكومة السورية الى السيطرة على نقاط التفتيش في مواقع رئيسة في حين عمدت تركيا الى تصعيد عدوانها في منتصف شهر أكتوبر الحالي، وبعد تسعة أيام فقط من قرار البيت الأبيض إنهاء مشاركة أميركا التي استمرت خمس سنوات في الحرب السورية، وتقول الولايات المتحدة إنها لن تنهي حربها ضد تنظيم داعش ولذلك فإن من المحتمل أن تقوم بضربات جوية وحتى عمليات خاصة في سورية تنطلق من العراق أو أي مكان آخر.

واعتبر قرار واشنطن المفاجئ بمغادرة سورية خيانة، لكنه قوبل بقدر من الثناء لأنه أنهى العلاقة مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تتهمها الحكومة التركية بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، وذلك يعني أنه يمكن اعتبار قرار الادارة الأميركية مغادرة سورية خطوة مناقضة لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما حول التعامل مع قوات قسد بدلاً من الثوار السوريين، ولكن هذا لا يعني، على أي حال، أن واشنطن قررت العمل ضد الحكومة السورية لأن إيران وروسيا وتركيا تخطط لنيل الغنائم من هذا الصراع الدامي.

لا جدوى من الجدال حول ما يحدث في شمال شرق سورية، لقد هدأت طبول الحرب هناك ويتعين على الولايات المتحدة أن تقرر ما هو دورها بعد سورية، وربما يشكل ذلك خطوة رئيسة في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية تنهي دورها كشرطي عالمي كما يراه البعض في أنحاء مختلفة من العالم.

وقد يكون لهذا تداعيات أحجار الشطرنج بمعنى أن الولايات المتحدة ستفقد المزيد من نفوذها في تركيا وفي العراق وربما في منطقة الخليج أيضاً.

ولننظر الى الوضع بعد سورية، لقد انهمكت الولايات المتحدة في حرب استمرت 18 عاماً في أفغانستان وهي التي يدعوها الرئيس ترامب «الحرب التي لا نهاية لها»، ولهذا السبب فهو يريد الانسحاب من كابول كما انسحب من سورية. وهذا يمكن أن يحدث في أي وقت، وقد تخلت الولايات المتحدة عن اتفاقية مع حركة طالبان وكان المبعوث الأميركي الى أفغانستان زالماي خليل زاد يعمل عليها مع حركة طالبان وحكومة دولة قطر.

في غضون ذلك تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب من دون اتفاق، لكن ذلك سيفتح أبواب أفغانستان أمام النفوذ الباكستاني والروسي اضافة الى الهند وإيران ووجود الصين على الجناح الشرقي، وهي تريد أن تكون لها كلمتها في هذا السياق نظراً لأن مبادرتها المعروفة باسم الحزام والطريق تتطلب وجود استقرار في مناطق آسيا الوسطى.

وفي العراق تعمل القوات الأميركية بدعوة من حكومة بغداد وهذه تحديات رئيسة لأن العراق يعيش حالة أزمة وسط الاحتجاجات التي اندلعت في شهر سبتمبر الماضي، وأسفرت عن مقتل أكثر من 150 شخصاً، وتوجد أدلة على أن قناصة استهدفوا المحتجين ومن غير المعروف أي جهة أمنية هي التي أصدرت الأوامر باطلاق النار، وهذا جزء من مشكلة أكبر في العراق تشمل دوراً محتملاً ومثيراً للجدل لايران في ذلك البلد.

وتجدر الاشارة الى وجود العديد من الأحزاب في العراق قريبة من إيران بما في ذلك ثاني أقوى الأحزاب برئاسة هادي العامري، كما أن رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي وحيدر العبادي يترأسان أحزاباً سياسية وهما منفتحان على دور لإيران في العراق، وبالنسبة الى مقتدى الصدر فقد توجه الى طهران في الشهر الماضي للاجتماع مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني والمرشد الأعلى علي خامنئي.

مستقبل العراق

وفي ضوء هذه التشكيلة من الشخصيات يبدو من الواضح أن صلة الولايات المتحدة بمستقبل العراق ضعيفة وهشة، كما أن حكومة بغداد يمكن أن تطلب مغادرة القوات الأميركية كما تقول مصادر موالية لإيران في ذلك البلد، ومن شأن هذا التطور إضعاف حكومة إقليم كردستان العراق التي كانت شريكة رئيسة مع الولايات المتحدة في استقرار العراق.

وفي منطقة الخليج شكل عجز الدفاعات الصاروخية الأميركية والسعودية عن منع الضربات الجوية التي استهدفت أبقيق في شهر سبتمبر الماضي شكل نكسة لمصالح الولايات المتحدة، وتقرر بعد ذلك إرسال المزيد من القوات الأميركية الى السعودية، وتعتقد إيران أن تزويد الحوثيين بتقنية الصواريخ وتوفير الطائرات المسيرة لهم سيحول اليمن الى فيتنام اخرى بالنسبة الى الرياض.

في غضون ذلك تشير التطورات الميدانية الى رغبة السعودية وحلفائها في انهاء الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات، وتشكل زيارة الرئيس الروسي الأخيرة الى الرياض مشكلة أخرى بالنسبة الى الولايات المتحدة، حيث عززت تلك الزيارة العلاقات بين السعودية وروسيا، وخصوصا بعد أن اعتبرت الدول في منطقة الخليج أن بوتين يمثل صورة للرئيس الثابت الرأي والموقف مقارنة مع تقلب الرئيس ترامب.

لدى الولايات المتحدة شريك رئيس في الأردن يمثل جزءاً من حلقة الاستقرار في المنطقة بين دول الخليج وإسرائيل، ولكن الأردن مستاء من «صفقة القرن» التي طرحها الرئيس ترامب ومن تهميش دور السلطة الفلسطينية، كما أن علاقته مع إسرائيل تتسم بالبرودة.

وثمة مشاعر قلق في إسرائيل تتعلق بتخلي الولايات المتحدة عن الأكراد في سورية، والسؤال في إسرائيل هو: هل إنها ستكون الجهة الثانية التي تتخلى واشنطن عنها؟ وتقول بعض المصادر إن إسرائيل تسعى الى إخراج إيران من سورية ولكن طهران تزداد قوة يوماً بعد يوم.

لبنان ومصر

تواجه الولايات المتحدة مشكلة في لبنان، وهي تريد دعم القوى الأمنية الرسمية، ولكن حزب الله يستفيد من الاستثمار في ذلك البلد، وفي مصر وهي الشريك الرئيسي منذ فترة كامب ديفيد يستمر القتال ضد تنظيم داعش ودعم المشير خليفة حفتر في ليبيا، وتريد الولايات المتحدة الانتهاء من المشكلة الليبية، لكن واشنطن أدت دوراً رئيساً في إطاحة العقيد القذافي وقتل سفيرها كريستوفر ستيفنز في بنغازي في عام 2012. والسؤال الآن هو هل ستنسى أميركا دورها في سورية كما فعلت في ليبيا؟ واذا كان ذلك هو القرار الأميركي فإنه سيظهر أن واشنطن بدأت بالتخلي عن دورها من بلد الى آخر.

الجانب المهم في هذه المرحلة هو مستقبل العلاقات الأميركية– التركية، ولا يزال من المفترض أن يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة الى واشنطن، ولكن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على عدد من المسؤولين الأتراك لن تساعد على المضي في برنامج هذه الزيارة. واضافة الى ذلك فإن تركيا تتقرب بشكل واضح من روسيا وقد اشترت منها أجهزة الدفاع الجوي إس–400 كما أنها تعمل على توسيع مبادلاتها التجارية مع إيران، وتريد أن تتحدى حكومة قبرص والاتحاد الأوروبي حول الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، وهي تعارض بشدة سياسة الولايات المتحدة حول القدس، وفي الحصيلة النهائية لا يبدو ثمة أمل في إنقاذ العلاقات الأميركية– التركية على الرغم من استمرار البلدين على الصعيد الرسمي كحليفين.

تركيبة الشرق الأوسط الحالية

قد تشكل التركيبة الحالية في الشرق الأوسط التهديد الأكثر أهمية في التاريخ المعاصر للولايات المتحدة. وفي حقبة الخمسينيات من القرن الماضي كانت واشنطن تتصرف من منطلق قوة حلف بغداد على الرغم من النكسات التي حدثت في إيران أو الحظر النفطي، وقد كسبت شركاء مثل مصر. وفي تسعينيات القرن الماضي برزت هيمنة الولايات المتحدة العالمية بشكل جلي في الشرق الأوسط، لكن النزاع في العراق أفضى الى تردي فعالية تلك الهيمنة. وستخفض الإدارة الأميركية الجديدة- سواء بقيادة ترامب أو أي رئيس آخر– هذا النفوذ أو أن تبقيه على وضعه الراهن.

والسؤال هنا هو ما الذي يمكن عمله؟ تنمية التقنية الدفاعية مع إسرائيل فكرة جيدة للبلدين. وفي الأردن تساعد المناورات العسكرية على تعزيز ما تبقى من شراكة أميركية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وفي العراق يتمثل الخيار الحقيقي الوحيد في موازنة بغداد عبر تعزيز العلاقات مع أربيل، ولم يحقق الضغط الأقصى على ايران خفض نفوذ طهران في العراق وسورية كما أن إيران تريد أن تثبت قدرتها على تخطي العقوبات الأميركية.

الحرب في أفغانستان

وبعكس الحال في سورية تعتبر الحرب في أفغانستان حرباً من دون نهاية، وانسحاب الولايات المتحدة من ذلك البلد قد يفضي الى فوضى، لكن بقاء القوات الأميركية لا يبرهن على قوة الولايات المتحدة.

وتواجه واشنطن الآن احتمالات وجود دور لها أضعف كثيراً في الشرق الأوسط، ولن تتمكن من استعادة ذلك الدور اذا لم يلتزم صناع السياسة فيها بالقيام بالمزيد من العمل، وفي ضوء الانسحاب من سورية قد تكون هذه لحظة رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة.

back to top