أم كلثوم...

نشر في 22-10-2019
آخر تحديث 22-10-2019 | 00:00
 حمود الشايجي (1)

في 20 أبريل 1968 قابلت أم كلثوم أمير الكويت، المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح، وكانت هذه المقابلة من أجل إحياء حفل غنائي بالكويت لمصلحة المجهود الحربي.

هذه الزيارة لاقت اهتماماً كبيراً، لم تفتح بها المسارح ومكاتب المسؤولين لأم كلثوم فحسب، بل فتحت بها بيوت أهل الكويت كلها لكوكب الشرق، رغبة منهم في مساندة معشوقتهم مصر وأم كلثوم في غايتها.

(٢)

كنت أتمنى من الأكاديمي والسياسي السابق د. عبدالله النفيسي أن يتذكر ما حصل في تلك الأيام، عندما اتهم أم كلثوم في لقائه ببرنامج الصندوق الأسود مع الإعلامي عمار تقي، بأنها حوَّلت الوطن العربي إلى "غرزة"، وكانت أغانيها العاطفية سبباً في تخدير المجتمعات العربية، وهذا ما تسبب في هزيمة 1967.

كما كنت أتمنى من د. النفيسي أن يتذكر عندما زارت أم كلثوم بيوت أهل الكويت بيتاً بيتاً، ماذا فعلت سيدات الكويت، عندما قمن بخلع ما عليهن من ذهب، مهما كانت قيمته، وقدمنه لدعم المجهود الحربي، لحبهن لمصر، ولثقتهن بأم كلثوم.

(٣)

فكرة أن أم كلثوم وأغانيها هي التي تسببت في هزيمة 1967، لم تكن جديدة، فقد تمت مهاجمة أم كلثوم منذ أيام الهزيمة الأولى، في محاولة للبحث عمَّن يحمل الهزيمة على ظهره، وما إن وصل أم كلثوم هذا الادعاء، حتى أعلنت اعتزالها، متحملة هذه المسؤولية التي أدخلتها في حالة من الاكتئاب.

لكن اتصالاً واحداً من جمال عبدالناصر جعلها تخرج من حالة الاكتئاب، وتتحول، حسب ما قالته عن نفسها، إلى "جندي في ميدان القتال"، تدافع بصوتها وأغانيها وفنها عن كل شبر من مصر.

ولم تكتفِ أم كلثوم بصوتها، فقد كانت أول من تبرعت بمجوهراتها، وجابت قرى ومدن مصر لجمع التبرعات والغناء، وتخصيص إيرادات حفلاتها للمجهود الحربي، كما تحملت عناء السفر والتجول والغناء، رغم ظروف سنها وحالتها الصحية.

ومن حفلاتها لدعم المجهود الحربي خارج مصر كانت حفلتا باريس؛ الأولى التي كانت على مسرح الأوليمبيك الشهير، وحفلتها الثانية قال عنها الزعيم الفرنسي شارل ديغول إنها: "لمست أحاسيسي وأحاسيس الفرنسيين جميعاً". كما زارت الكويت وأبوظبي ولبنان وباكستان وتونس والمغرب والخرطوم والبحرين والعراق وليبيا.

وفي 1970 كانت أم كلثوم قد قدمت لحملة المجهود الحربي أكثر من ثلاثة ملايين دولار.

(٤)

السؤال المهم الذي يشغلني: إلى متى ستخرج لنا أصوات تتهم كوكب الشرق بأنها كانت مخدراً للشعوب العربية؟ والسؤال الأهم: ما الغاية من وراء هذه الأصوات؟

أعتقد أن النظرة المتعالية للفن والجمال الذي يراها بعض المتشددين أيديولوجياً، إن كانوا إسلاميين أو يساريين، هي نظرة قاصرة، بل أكثر من ذلك، هي نظرة خالية من النظر، والسبب يعود لأنهم لا يستطيعون أن يروا الفن إلا في إطارهم، لكن الفن أعلى من تصوراتهم، وأكثر قدرة في توحيد الناس على الحب، من الأيديولوجيات الضيقة، وهذا ما استطاعت أم كلثوم فعله، ولم يستطع أي متأدلج فعله في الناس.

back to top