أوروبا لن تتحمّل جنون أزمة «بريكست» بعد الآن!

من خلال تأجيل خطة "بريكست"، يأمل البعض أن تحصل بريطانيا على الوقت الكافي لإجراء استفتاء آخر حول هذه المسألة. يتوقع الكثيرون أن يختار الناخبون البريطانيون هذه المرة البقاء في الاتحاد الأوروبي وسرعان ما يصطلح الوضع كله. لكنها مجرّد أحلام!ما من مسار واضح أصلاً لإجراء استفتاء ثانٍ، إذ يتعين على كل من عوّل على "حزب العمال" أن يدرك الحقيقة الآن، لا سيما بعد مؤتمر الحزب منذ أسبوعين، وحتى لو جرى استفتاء جديد وغيّر البريطانيون قرارهم، سيبقى البلد منقسماً جداً. من المتوقع أن يدّعي مؤيدو "بريكست" أنهم وقعوا ضحية خيانة كبرى، وستبقى بريطانيا مصدراً للأزمات داخل الاتحاد الأوروبي، وسرعان ما تؤدي بريطانيا المنقسمة والمشلولة إلى تعطيل الاتحاد كله. يتعلق سيناريو محتمل آخر بإجراء انتخابات جديدة، حيث يُكلَّف جونسون بقيادة البلد نحو إقرار خطة "بريكست بلا اتفاق"، تزامناً مع تباطؤ النمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي وحصول ركود وشيك في ألمانيا. ستترافق هذه الخطة المثيرة للجدل مع عواقب تتجاوز القطاع الاقتصادي حتماً، إذ لا مفر من أن تتضرر العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشكلٍ دائم. إنها أسوأ نتيجة ممكنة بالنسبة إلى أيرلندا، كونها تُمهّد لنشوء حدود خاضعة لرقابة مشددة بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية.لهذا السبب، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يراجع حساباته: من مصلحته أن يجد تسوية مع البريطانيين، ولا داعي كي يخشى الاتحاد بعد الآن تكرار أزمة "بريكست" مع بلدان أخرى في حال بدت بروكسل خاضعة أكثر من اللزوم. يُفترض أن يشكّل وضع بريطانيا خلال السنوات الثلاث الماضية (أزمات في الحكومة والبرلمان، وتهديد بتفكك المملكة المتحدة) رادعاً كافياً لجميع الأطراف الأخرى.بعد أكثر من سنتين من المفاوضات والصراع المحتدم، أصبحت خطة "بريكست" حتمية، ومن مصلحة الجميع أن تكتمل، وسيكون الانفصال بطريقة إيجابية شرطاً أساسياً لضمان علاقة سليمة مستقبلاً. لقد انشغل الاتحاد الأوروبي بملف لندن ومغامراتها لوقتٍ طويل، وقد سبق أن استنزفت خطة "بريكست" ما يكفي من الانتباه والموارد والطاقة ونشرت المخاوف من تعطيل الاتحاد بسببها والذي يحتاج إلى استجماع قوته لمواجهة مسائل أخرى، على غرار بدء الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، والتعامل مع الصين، وملف الهجرة، ومخاطر الركود الاقتصادي، والسياسة المناخية. حان الوقت لتبني مقاربة منطقية وإقفال هذا الملف نهائياً، فما عاد الاتحاد الأوروبي يستطيع تحمّل كلفة جنون أزمة "بريكست"!* كريستيان هوفمان* «دير شبيغل»