فرصة جونسون الأخيرة للخروج من مأزق بريكست

نشر في 04-10-2019
آخر تحديث 04-10-2019 | 00:00
بوريس جونسون و جون ميجور و الملكة إليزابيث الثانية
بوريس جونسون و جون ميجور و الملكة إليزابيث الثانية
حصل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على فرصة ذهبية لطرح الانتخابات العامة المقبلة في صورة منافسة بين «الشعب» و»المؤسسة»، وسوف تتردد أصداء هذه الرسالة في أوساط الملايين من الناخبين البريطانيين الذين يتوقون الى خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، ولم يكن في وسعهم فهم السبب الذي يحول دون حدوث ذلك حتى الآن.

وكان الهدف من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقوية سيادة برلمان المملكة المتحدة، ومن هذا المنطلق يتعين على جونسون– باعتباره من أشد دعاة بريكست– أن يبتهج لأن المجلس التشريعي في البلاد سوف يتمتع بسلطة لافتة حتى قبل أن تبدأ عملية بريكست، وتتمثل المشكلة الوحيدة في عدم مبادلة أعضاء مجلس العموم للسلطة مع بروكسل.

وهذا ما أسفر عن تعريض جونسون الى وضع يمكن وصفه بالقائد الأضعف في تاريخ بريطانيا الحديث، وسوف تحدد قدرته على استعادة السيطرة على الشؤون القومية خلال الأشهر القليلة المقبلة علاقة بريطانيا مع أوروبا طوال جيل على الأقل.

وتجدر الاشارة الى أن المخاوف التي كانت تهيمن على بريطانيا طوال عقود من الزمن قد تمثلت في تحول رؤساء الوزارات الى «رؤساء جمهوريات»، ومن هذه النظرة ارتكب رؤساء حكومات من مارغريت تاتشر إلى توني بلير مخالفة تحويل منصب رئيس الوزراء الى مستوى أرفع على حساب البرلمان، كما أصبحت الحكومة البريطانية مركزية بشكل مفرط وغير ديمقراطية وغير خاضعة للمساءلة، ومع تحول الوزراء الى شخصيات غير راغبة أو غير قادرة على تقييد الجهاز التنفيذي تحول «مهد الديمقراطية» بسرعة الى مذعن للسلطة.

وبرز هذه المسار الرئاسي بشكل جلي منذ صوتت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي في شهر يونيو من عام 2016، وقد خسرت تيريزا ماي ما لا يقل عن 33 صوتاً في مجلس العموم خلال فترة رئاستها للحكومة البريطانية، وكانت الهزيمة الأسوأ في تاريخ الحكومات البريطانية، وقد حاولت بشتى السبل إقناع أعضاء مجلس العموم بدعم اتفاقية الانسحاب المقترحة من الاتحاد الأوروبي، ولجأت حتى الى ما يمكن اعتباره «رشوة» لأعضاء البرلمان من حزب العمال عن طريق وعود زيادة الإنفاق على المشاريع العامة، لكن ذلك لم ينجح، كما أنها طلبت ثلاث مرات من مجلس العموم المصادقة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ولكنها فشلت في مسعاها أيضاً.

جونسون يخيب الآمال

توقع معظم المراقبين أن يكون جونسون رئيساً للوزراء أكثر فعالية وتأثيراً وبقدر يفوق ما كانت عليه تيريزا ماي، وكان يفترض فيه أن يكون السياسي صاحب الشخصية الجذابة الذي يستطيع إنهاء الجمود البرلماني، ومن ثم السيطرة على الأجندة السياسية، ولكن الذي حدث أن سلطة رئيس الوزراء تقلصت جداً في فترة الشهرين من تسلمه المنصب الذي لم يسفر عن أي تقدم في الساحة السياسية.

وكانت أول مواجهة بين جونسون وأعضاء مجلس العموم عندما اقترحت مجموعة من البرلمانيين إصدار تشريع يمنع جونسون من انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون التوصل الى اتفاق، وقد أصر رئيس الوزراء على أنه لا يحق لأعضاء البرلمان التقدم بمثل ذلك القانون. وشدد على أن خطر «بريكست من دون اتفاق» كان ضرورياً من أجل تعزيز موقف بريطانيا التفاوضي في مواجهة بروكسل، ولكن اعتراضاته لم تلق آذاناً صاغية وتم اقرار مشروع القانون بمساعدة من العديد من كبار أعضاء البرلمان من حزب المحافظين، وكانت تلك المرة الأولى في تاريخ البرلمان التي يتم فيها إقرار تشريع على الرغم من اعتراض رئيس وزراء وهو على رأس عمله.

التحديات التالية

كان أول التحديات التي واجهها جونسون قد وقع في أعقاب هزيمته الأولى، ويرجع ذلك الى قناعته في أن الشعب سوف يدعم أسلوبه المتشدد في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى مع عدم دعم البرلمان لذلك التوجه ومن هذا المنطلق دعا مجلس العموم مرتين الى إجراء انتخابات عامة مبكرة. وقبل عام 2011 كان في وسع رؤساء الوزارات الدعوة الى انتخابات في الوقت الذي يختارونه بأنفسهم. وعلى أي حال وبحسب شروط قانون الموعد المحدد للبرلمانات يتعين تصويت ثلثي عدد الأعضاء على حل البرلمان، وهي خطوة مهمة للحد من سلطة رئيس الوزراء، وقد فشل جونسون في تأمين العدد المطلوب من الأصوات في المناسبتين، وهو ما أكد عجزه عن العمل.

التحدي الأكبر والأشد ضرراً بالنسبة الى سلطة جونسون حدث بعد إعلانه أنه سيطلب من الملكة اليزابيث الثانية تعطيل البرلمان لمدة خمسة أسابيع قبل الرابع عشر من شهر أكتوبر، وكان ذلك يعني ببساطة تعليق عمل البرلمان بصورة مؤقتة قبل بدء الدورة التشريعية. ولكن النقاد اتهموا على الفور رئيس الوزراء بمحاولة تفادي التدقيق البرلماني قبل 31 أكتوبر وهو الموعد الذي كان يفترض أن تخرج بريطانيا فيه من الاتحاد الأوروبي إلا إذا تم تمديد فترة عضوية بريطانيا فيه.

محاكمة جونسون

قررت شريحة واسعة من النشطاء بمن فيهم سيدة الأعمال جينا ميلر ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق السير جون ميجور وأعضاء في البرلمان تقديم جونسون الى المحاكمة بتهمة التعطيل، وقد جادلوا في أن جونسون لا يستطيع الطلب من الملكة تعطيل البرلمان لو كانت النية هي منع الجهاز التشريعي من تنفيذ واجباته الدستورية.

في غضون ذلك، وفي حكم سريع، وافقت المحكمة العليا في المملكة المتحدة على وجهة النظر هذه بالاجماع، وخلصت الى أن جونسون كان مدفوعاً بالرغبة الى الحد من قدرة أعضاء البرلمان على مساءلة الحكومة، وهكذا كان التعطيل غير شرعي بحسب رأي المحكمة العليا، وبذلك أصبح على جونسون أن يقدم نفسه لحكم أعضاء البرلمان على تصرفاته.

تعطيل الدستور

في الماضي كان يتعين على جونسون الاستقالة على الفور لأنه ضلل الملكة وعطل الدستور، ولكن الحال اليوم ليست كما كانت في السابق، والملكة لم تعد المرجع في أمور السياسة كما كانت في العهود الماضية، وبالتالي فإن تضليل الملكة لم يعد جريمة في نظر الشعب البريطاني. والأكثر من ذلك أن الكثير من وسائل الاعلام في المملكة المتحدة لا تزال تصف جونسون بالقيادي القوي الذي يجب الإشادة به لالتزامه بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وتجدر الإشارة إلى أن أعضاء البرلمان من حزب المحافظين لن يصوتوا لإقصاء جونسون ما دام يتمتع بشعبية في نظر العامة، ولا يستطيع البرلمان إقالته بموجب حجب الثقة من دون المجازفة بالدعوة الى انتخابات عامة لا تريدها أحزاب المعارضة حتى الآن.

قد يتمكن جونسون من تخطي هذه العاصفة بغض النظر عن مدى خطورتها، وربما كان ضعيفاً حقاً ومحرجاً وغاضباً وعاجزاً عن تنفيذ سياسته المفضلة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنه لا يزال رئيساً للوزراء وسوف يحصل في الوقت المناسب على فرصته من خلال انتخابات عامة محتملة، وعندئذ ستحدث أشياء كثيرة لمصلحته.

فرص التقدم

أولاً، حصل جونسون على فرصة لطرح الانتخابات العامة على شكل منافسة بين «الشعب» و»المؤسسة»، أما الاتحاد الأوروبي وأعضاء البرلمان والبلاط فيقفون ضد إرادة الشعب، وهي الفكرة التي سيقدمها جونسون الى أنصاره.

وثانياً، تبدو المعارضة السياسية ضد جونسون غير فعالة الى حد كبير خارج أروقة وستمنستر، وفي الأوقات العادية كان حزب العمال على استعداد لتقديم حكومة بديلة ولكن هذا الحزب يعاني اقتتالا داخليا وخلافات حول سياسة البريكست والمواقف من الاتحاد الأوروبي، وهي كلها عوامل يمكن أن توفر لجونسون الفرصة للفوز في الانتخابات العامة بنسبة قد تصل الى ثلث الأصوات على الأقل.

من الصعب معرفة موعد الانتخابات العامة التالية بشكل مؤكد، ولكن المرجح أن تجري في وقت قريب وربما في شهر نوفمبر أو أوائل ديسمبر، وإذا عاد جونسون الى السلطة بنسبة تقارب الأكثرية في مجلس العموم فسيتمكن من محو ذكريات الفشل في الشهور الأولى من رئاسته الحالية، وعندئذ سيكون التركيز على نيل السيطرة من البرلمان لا عن طريق بروكسل.

back to top