«تجارة النقل البحري في الكويت من خلال سيرة حمد عبدالله الصقر» (2-10)

ميلاد حمد الصقر ونشأته ونشاطه التجاري

نشر في 30-09-2019
آخر تحديث 30-09-2019 | 00:05
يعد المرحوم حمد عبدالله الصقر من أبرز رجالات أسرة الصقر في أوائل القرن العشرين من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وقد تمثلت ذروة نشاطه السياسي في تسلّمه رئاسة مجلس الشورى الذي أسس سنة 1921م، وكان اختياره لهذا المنصب دليلاً على علو مكانته الاجتماعية في الكويت.

وتحدث المؤلف د. فيصل عادل الوزان في الكتاب، وهو من مطبوعات مركز البحوث والدراسات الكويتية 2019، عن نشاط حمد الصقر في المجال الاقتصادي، وعن كونه المؤسس الرئيس لشبكة تجارية تجاوزت محيط الكويت إلى الموانئ المطلة على المحيط الهندي وبحر العرب، وامتلاكه أسطولا من السفن الشراعية، لنقل التمور من أملاكه الواسعة في جنوب العراق، وتعود محملة ببضائع تلك البلاد، ليتم تصريفها مرة أخرى في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية والعراق والشام، ومن هنا جاء لقب «ملك التمور» الذي أطلق عليه.

ومن خلال تتبع السيرة الذاتية للمرحوم حمد الصقر يرصد المؤلف سجلا لمرحلة مهمة من تاريخ الكويت الاقتصادي، معززا بالوثائق الكاشفة عن أحداث ونشاطات وشخصيات لا تتيحها لنا كتب التاريخ أو التقارير البريطانية التي تعود الباحثون على الرجوع إليها في أبحاثهم، وهذا الكتاب هو القسم الأول من دراسة وثائق أسرة الصقر.

وكان حمد تاجرا وسياسيا ومربيا عاش في فترة انتقالية مهمة من تاريخ الكويت الحديث والمعاصر، حيث عُد أحد أهم تجار النقل البحري «تجارة السفر» في الكويت والخليج العربي، وكان يشكل مع أخويه صقر وأحمد وأبنائهم كتلة تجارية أساسية في الكويت قادت مع غيرها، ما يمكن تسميته النهضة الاقتصادية الثانية في تاريخ الكويت في الثلث الأول من القرن العشرين.

وهذا الكتاب الذي جعله المؤلف في ١١ فصلاً لا يخدم التاريخ التجاري فقط، بل يفيد تخصصات تاريخية أخرى، كتاريخ اللغة واللهجة المحلية والقانون وعلم الإدارة والعلاقات العامة والمحاسبة، بما فيه من الوثائق العديدة المودعة والمشروحة من مراسلات وعقود ودفاتر.

كما أن صور الوثائق والأخبار والروايات الموثقة في الكتاب والمراجع التاريخية والعربية والأجنبية منحته قوة في التوثيق وصدقا في الرؤية، وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثانية.

ميلاد حمد الصقر ونشأته

ولد حمد عبدالله يوسف الصقر في مدينة الكويت حوالي سنة 1871م، في عهد الشيخ عبدالله الثاني بن صباح الثاني (1866-1892م)، ولم ير والده الذي توفي وهو لا يزال جنينا في بطن أمه، فقد وُلِد بعد وفاته بشهر.

كان والده عبدالله نوخذة سفر، يسافر إلى العراق وفارس والهند وشرق إفريقيا، وكانت سفينته البغلة مسلحة بالمدافع، وبحارته من العبيد، واستقر في إفريقيا سنة 1871م، وتوفي فيها، ويسمى قبره هناك «قبر العتبي»، وذلك حسب ما جاء في مقابلة تلفزيونية للسيد عبدالعزيز حمد الصقر في برنامج «مقابلة شخصية».

وفي رواية للمرحوم محمد ثنيان الغانم ابن أخت حمد، أن المرحوم عبدالله يوسف الصقر اختلف مع جماعة في الكويت، فحزّ في خاطره وترك ذلك أثرا شديدا على نفسه، فقرر الهجرة من الكويت، وركب سفينته الشراعية مع عبيده وأبحر ولم يعد إليها، وذلك سنة 1871م.

ويقول الغانم إنه في النهار التالي ولد ابنه حمد، ويكمل القصة ناقلا عن عبدالوهاب بن عيسى (القطامي)، ان الأخير كان مسافرا في أحد اسفاره الى ميليندي بإفريقيا (تقع الآن في كينيا) وبعد ان شحن البضائع ذهب مع سمسار افريقي لينهي أوراق الشحن في مدينة أخرى قريبة، إذ لم يكن في ميليندي جمرك، وفي الطريق وهم سائرون مروا بقرية متاخمة لأماكن الأسود، فقال السمسار لعبدالوهاب ان هذه القرية قريته، وإنه كان يعيش بينهم رجل كويتي اسمه عبدالله بن يوسف، وإنه مات ودفن في تلك المقبرة، وعندما طلب منه ان يريه قبره، قال السمسار: انه لا يعرف قبره على وجه التحديد.

رحلات السفن الشراعية الكويتية

أما جده يوسف فقد كان نوخذة سفر أيضا على سفينته الخاصة من نوع البغلة، التي تحمل اسم الوفرة أو الوفري، وكان يوسف الصقر يتاجر بالتمور فيحملها من العراق ويبيعها بالهند منذ سنة 1837م، وفي أحد أسفاره في حوالي سنة 1845م تعرضت سفينته المحملة بكميات كبيرة من البضائع وطاقم من البحارة عدده 48 بحارا للغرق بسبب الطوفان الذي حدث قبالة ميناء كاليكوت بالنيبار في الهند، قيل انه نجا بفضل الله، بعد ان خسر كثيرا من ماله وقيل انه توفي غرقا تاركا وراءه ابناءه القصّر، ومنهم عبدالله والد حمد الصقر، وهي رواية المرحوم عبدالعزيز الصقر ناقلا عن المرحوم خليفة بن شاهين.

قام الإخوة صقر وأحمد وبزة (أم محمد ثنيان الغانم)، ومريم برعاية وتربية أخيهم حمد رغم تقاربهم في السن، ولحمد أخ اسمه إبراهيم مات شابا سنة 1890، وعندما اشتد ساعد حمد الصقر تعاون مع أخويه صقر وأحمد، وتوسعوا في تجارة التمور ومواد البناء والمنسوجات والتوابل، حيث كانت الظروف مواتية، فوفقهم الله وفتح عليهم وعوضهم خيرا بعدما روأه من مصائب فقدان الأب والجد وضياع كثير من الأموال.

واتهم حمد بشراء المزارع في جنوب العراق، فيما تخصص أخوه صقر بالتجارة داخل الكويت، وأرسل صقر ولده يوسف الى كاليكوت ليتولى شؤون تجارة الصقر هناك، وبذلك يعاد إحياء تجارة الصقر للتمور.

وأما والدة حمد الصقر فهي عائشة بنت يوسف البدر، وجده هو تاجر الخيول الشهير يوسف بن عبدالمحسن البدر، وكان أخواله وبنوهم من آل البدر جيرانا له أيضا، نشأ وترعرع معهم، وفيما يتعلق بأخيه صقر فقد اقتفى أثر والده باحتراف قيادة السفن، فكان نوخذة شهيرا وقديراً يجوب البحار بين الخليج والهند وافريقيا وفي الوقت نفسه اصبح تاجرا مهما وشريكا لأخيه حمد في تجارة النقل البحري.

لم يرغب حمد الصقر في الدخول في مجال قيادة السفن واتخاذها حرفة له، بل فضل ممارسة التجارة من خلال الاستثمار في مزارع النخيل وإنتاج التمور وامتلاك اسطول للنقل البحري، وكان كثير الاسفار يقضي معظم وقته خارج الكويت ليتابع اعماله في محطات شبكته التجارية الواسعة. تزوج حمد الصقر من ثلاث زوجات هن: سبيكة بنت محمد السميط، وشيخة بنت السيد فايز الرفاعي، وفاطمة بنت الحاج سليمان عبدالله البسام، ابنة وكيله التجاري في عدن، أنجب خمسة من الأبناء وخمساً من البنات، وهم: من زوجته شيخة: عبد الله، وعبدالعزيز، ومحمد، وجاسم، وعبدالوهاب، وطيبة، ونورة، ومنيرة، ومن زوجته سبيكة: شاهة، وفاطمة.

نشاطه التجاري

تحدث الشيخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت» (1926م) عن الحاج حمد الصقر وعده أحد أبرز أثرياء الكويت، فقال في معرض حديثه عن حي القبلة: «وفي هذا الحي من البيوت المعروفة أيضا بيت الحاج حمد بن عبدالله الصقر الغانم، وهو من أكبر المثرين، له تجارة واسعة في الهند واليمن والعراق»، وكتب الشيخ يوسف القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» (1946) أن «أشهر تجار السفر هم: يوسف الصقر، وسليمان بن عبدالجليل، وصقر وحمد آل عبدالله الصقر»، وأوضح أن هؤلاء «ملكوا ثروات طائلة من التجارة»، وأضاف «أن تخصصهم كان في تجارة التمور، حيث كانت السفن الكثيرة التي يمتلكونها تأخذ التمور من البصرة وتنقلها إلى اليمن والهند، ثم تعود من تلك الأماكن بأنواع البضائع الى الكويت».

وجاء في وثيقة بريطانية كتبها المقيم السياسي البريطاني في بوشهر (13 ديسمبر 1927م) أن «حمد بن عبدالله الصقر يمتلك اكبر مشاريع بناء السفن في الكويت، ولديه مصالح تجارية في العراق»، وعلى ذلك فقد تخصص حمد الصقر في تجارة التمور، ولكن ذلك لم يمنعه من مزاولة تخصصات تجارية أخرى على سبيل التجربة والتنويع.

وثيقة لبغلة عبدالله بن يوسف الصقر «المحمودي» وهي شهادة مرور رصدت في 3 مايو 1856م، وفيها يوصف بأنه عتبي من بني عتبة.

وعلى أي حال فقد كانت تجارة التمور هي التجارة الأكثر إدرارا للأرباح في الخليج العربي، وهي تفوق تجارة الخيل واللؤلؤ في ترتيب صادرات موانئ الخليج، ولعل تخصص حمد الصقر بتجارة التمور جعلته هو وأبناءه من بعده بمأمن من تقلبات الاقتصاد العالمي، فلم يلحق بهم أذى أو خسارة كما لحق بزملائهم تجار اللؤلؤ الذين وجدوا بضاعتهم تكسد في ظل ضعف الشراء الذي نتج عن الحروب العالمية، واكتشاف وتسويق اللؤلؤ المستزرع في اليابان.

ان نجاح حمد الصقر في تجارة التمور جعل منه احد اكبر ملاك الاراضي الزراعية والنخيل، وكانت استثماراته في معظمها بالبصرة والفاو على شط العرب، لما تشتهر به تلك المناطق من خصوبة الارض ووفرة المياه العذبة وتوافر الأيدي العاملة الخبيرة، فساهمت استثماراته الزراعية في تطوير الفاو وتحسين الحالة المعيشية لسكانها الذين عمل كثير منهم في مزارعه ومزارع غيره من التجار الكويتيين، وأورد يوسف النصف في كتابه «نخلتك» إحصائية عن ممتلكات الكويتيين من الأرض في البصرة ومن النخيل الذي تجاوز 1865000 نخلة.

وقد أسهم حمد الصقر وزملاؤه من تجار التمور في توفير الامن الغذائي لسكان الكويت، حيث ان البلد كان يواجه نقصا شديدا في الانتاج الزراعي، وذلك لشح المياه العذبة، فجاءت هذه التجارة لتسد النقص، ولتعم فائدتها على سكان الكويت جميعاً، لا التجار وحدهم، كما اسهم الصقر وأصدقاؤه التجار في توفير وظائف للكويتيين وغيرهم، فسفنهم الكثيرة كانت بحاجة الى البحارة والنواخذة والقلاليف وغيرهم.

مزارع نخيل الصقر في الفاو والبصرة

تحتفظ أسرة الصقر بحجج شرعية تخص ممتلكاتها العقارية في الفاو والبصرة وعدة أماكن أخرى، ومن بينها حجة شرعية يبدو أنها لأربع أراض لورثة يوسف الصقر في الدواسر بناحية الفاو التابعة للبصرة، وكان طرفا المعاملة راشد بن يوسف الصقر وكيلا عن عدد من اقربائه، والآخر ابن اخيه حمد بن عبدالله الصقر وكيلا عن اقربائه.

جاء في الحجة أسماء أبناء عبد الله الصقر والورثة والوكلاء عنهم، وهذه الوثيقة صادرة من المحكمة الشرعية بولاية البصرة العثمانية محررة بتاريخ 18 شعبان 1313هـ الموافق 3 فبراير 1896م، وهي مكتوبة بخط واضح يغني عن الحاجة لتفريغها.

ومن املاك حمد الصقر وأخيه صقر في الفاو مزرعتا نخيل اشتريتا من عبد العزيز بك بن فالح باشا السعدون، في منطقة المعامر بتلك الناحية، وهما متجاورتان، وتعهد عبدالعزيز بك بإرجاع ثمنهما في حال امتنعت الحكومة في البصرة عن تسجيلهما في دائرة الطابو أو في حال وضعت الحكومة يدها عليهما.

* جامعة الكويت قسم التاريخ

وصولات تخص مزارع حمد الصقر وأسرته في الفاو

تبين الوصولات الآتية شكل الاستثمارات ونظام التسجيل والتوثيق في الإدارة العثمانية في ذلك الوقت، وتبين أسماء القرى العراقية في شبه جزيرة الفاو التي امتلك الصقر فيها أراضي وكانت له تعاملات تجارية.

3 دور في عبادان ملك حمد الصقر

تثبت حجة شرعية ملكية المرحوم حمد الصقر ثلاث دور في عبادان اشتراها من إبراهيم بن سليمان البسام بتاريخ 29 ربيع الثاني 1346هـ الموافق 26 أكتوبر 1927م، وقد تم تحرير الوثيقة في المحمرة، ووصفت عبادان بأنها «احد ملحقات أيالة خوزستان»، ومعنى هذا ان تبديل الاسماء العربية الى اخرى فارسية قد حدث سريعا وفي بداية احتلال الدولة البهلوية لإمارة بني كعب سنة 1925م. ورُقّم المبلغ بـ17000 قران «من سكة الدولة العلية إيران» وتحمل الحجة الشرعية تصديقا من الدولة الإيرانية باللغة الفارسية مع الختم، وعليها اسم عبدالحميد بن عيسى وختمه، الذي يبدو انه محرر الحجة.

وثيقة شراء حمد الصقر لأرض في عبادان ١٩٢٧

مزارع نخيل الصقر في المحمرة

احتفظت أسرة الصقر بحجج شرعية تخص ملكية حمد الصقر لعقارات في مدن وقرى شرق شط العرب بإيران وهي التي تسمى الآن خوزستان ويسكنها العرب، فنجد في إحدى الوثائق ان حمد الصقر اشترى بمبلغ 1250 روبية من حميد الحاج عمران حوشاً وما يلحقه من بقجة (أي الحديقة وهي من الفارسية: باغجة)، ويقع هذا البيت الريفي وحديقته في المحمرة في كوت الشيخ.

وفي إحدى الوثائق المؤرخة في 10 أكتوبر 1919م، نلاحظ نوعا من البيوع يختلف عن البيع العادي، وهو يسمى في الفقه الاسلامي: «بيع خيار الشرط»، وتكفل هذه الطريقة للبائع (وهو حميد الحاج عمران كما في الوثيقة) الحق في ان يسترجع العقار الذي باعه إلى حمد الصقر ويعيد المال المقبوض كاملاً للمشتري (الصقر) خلال مدة الشرط التي وضعها، وهي سنة واحدة من تاريخ عقد البيع. وإذا مرت السنة دون أن يتراجع البائع عن قرار البيع أو يرجع المبلغ الذي قبضه من حمد الصقر كاملاً تكون الأرض ملكاً للمشتري (الصقر).

عقد بيع الخيار لحوش وبستان في المحمرة 1919

حمد الصقر وُلِد في مدينة الكويت سنة 1871م في عهد الشيخ عبدالله الثاني بن صباح الثاني

من أملاك حمد الصقر وأخيه صقر في الفاو مزرعتا نخيل كان يملكهما عبدالعزيز بك بن فالح باشا السعدون

أسرة الصقر تحتفظ بحجج شرعية تخص ممتلكاتها العقارية في الفاو والبصرة وعدة أماكن أخرى

حمد الصقر وزملاؤه من تجار التمور أسهموا في توفير الأمن الغذائي لسكان الكويت

نجاحه في تجارة التمور جعل منه أحد أكبر ملاك الأراضي الزراعية والنخيل
back to top