خطة ضم الأراضي ستقضي على إسرائيل!

نشر في 27-09-2019
آخر تحديث 27-09-2019 | 00:04
الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة
الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة
سياسة ضم الأراضي تعني باختصار زوال إسرائيل بالوضع الذي كانت عليه في عام 1948، أي الدولة ذات الأغلبية اليهودية، إذ نشهد ولادة دولة ذات أقلية يهودية، ولا يمكن أن تصمد إلا عبر قمع الأغلبية الفلسطينية والسيطرة عليها، وتطبيق هذه المقاربة في قارة يطغى عليها العرب والمسلمون يعني الحكم على الذات بموت بطيء وحتمي.
كان يُفترض أن يُتَوّج هذا الوعد الحملة التي سبقت الانتخابات، فقد اتّكل بنيامين نتنياهو، الذي سيطر على إسرائيل في آخر ثلاثة عقود، على ذلك الوعد لإطلاق رصاصة الرحمة على خصومه السياسيين، فلا يعود أفيغدور ليبرمان الصوت الحاسم الذي يقرر من يصل إلى السلطة.

لكنّ إعلان نتنياهو نيّته ضم غور الأردن، ومعه ثلث الضفة الغربية تقريباً، لم يتحقق بالشكل الذي تمنّاه، حيث تفاخر بقدرته على ضم جميع المستوطنات إلى أرضه بفضل «علاقته الشخصية بترامب»، لكن الرئيس الأميركي رفض هذه المرة مجاراته.

إقالة بولتون

أصدر البيت الأبيض بياناً مفاده أن السياسة الأميركية لن تتغير في الوقت الراهن، وللتأكيد على هذه النقطة، أقال ترامب مستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي يُعتبر في القدس منذ فترة طويلة رجل إسرائيل في واشنطن.

زعم مراسل صحيفة «معاريف»، بن كاسبيت، أن نتنياهو طلب من ترامب أن يوافق على ضم غور الأردن مثلما وافق على ضم هضبة الجولان، ودعم بولتون هذه المساعي لكن ترامب رفضها في المقابل.

يظن كاسبيت ومراسلون آخرون أن نتنياهو لم يكن يحتاج أصلاً إلى طلب الإذن من ترامب لضم غور الأردن الذي يحمل على ما يبدو تاريخاً قانونياً مختلفاً جداً عن أرض الجولان السورية المحتلة.

يحتاج نتنياهو إلى أغلبية بسيطة في الكنيست لضم غور الأردن، لأن القانون الذي يُمكّنه من اتخاذ هذه الخطوة موجود أصلاً، حيث عدّل هذا القانون الذي مرّره نواب يساريون في عام 1967 قراراً يعود إلى عهد الانتداب البريطاني، وكان يسمح للحكومة بإصدار مرسوم يُحدد أجزاء فلسطين التي تنطبق عليها صلاحيات دولة إسرائيل وتخضع لإدارتها، سمح ذلك القانون لحكومة ليفي أشكول بضم القدس الشرقية في عام 1967.

في مطلق الأحوال، تلاحقت استعراضات نتنياهو الفارغة من دون تحقيق أي إنجاز ملموس، واضطر الحراس لإخراجه في منتصف خطابه الانتخابي في أشدود، جنوبي إسرائيل، حين انطلقت صفارات الإنذار بالغارات الجوية غداة إطلاق صواريخ من غزة، وكان ذلك الحدث كفيلاً بتذكير نتنياهو وجميع المستوطنين الإسرائيليين بحقيقة الأرض التي حطّوا رحالهم فيها.

سلطة فلسطينية وهمية

لن يتوقف هذا الصراع مهما توسعت حملة ضم الأراضي، إذ لا يهتم الفلسطينيون بطريقة احتلال أراضيهم، أو تجريدهم من مناطق إضافية (33%) من فلسطين التاريخية المتبقية لهم (20%)، ولا يهتمون بأي منطقة معزولة أو سجن يقبعون، ولا يتأثرون بِحَلّ السلطة الفلسطينية أو باحتمال أن يعيد الرئيس محمود عباس مفاتيح الضفة الغربية إلى أقرب قائد عسكري إسرائيلي. يشير الوضع القائم إلى اضطرار عباس لطلب إذن عسكري إسرائيلي كلما أراد التحرك.

السلطة الفلسطينية ليست موجودة على أرض الواقع، بل إنها مجرّد وسيلة تستعملها إسرائيل كي تُخلِي الشرطة الفلسطينية الشوارع قبل دخول قواتها لتنفيذ مداهمات ليلية في أنحاء الضفة الغربية.

استقلال «المنطقة أ» مجرّد وهم! إذا تفككت السلطة الفلسطينية فلن تهتم إسرائيل إلا بالأسلحة التي تملكها قوى الأمن الفلسطينية ويصل عددها إلى مئة ألف تقريباً، وقد خسرت جميع المؤسسات والبنى الفلسطينية أهميتها بنظر الفلسطينيين لأنها فارغة بطبيعتها، وتبقى مجرّد مصدر للمداخيل، ولا أهمية لهوية الجهة التي تنفّذ الاحتلال أو عدد القوانين التي يتم تمريرها لحرمانهم من هويتهم الوطنية وحقوقهم بالتملك ودولتهم.

مهما يحصل وبغض النظر عن عدد المناطق المعزولة التي يقبع فيها الفلسطينيون، تبقى المشكلة الديمغرافية في هذا الصراع على حالها وهي أن عدد الفلسطينيين أكبر من اليهود الإسرائيليين بين النهر والبحر اليوم.

وطرح نائب قائد الإدارة المدنية، اللواء حاييم منديس، الأرقام التالية أمام «لجنة الشؤون الخارجية والدفاع» في الكنيست خلال شهر ديسمبر الماضي: يقيم 6.8 ملايين فلسطيني بين النهر والبحر (خمسة ملايين في غزة والضفة الغربية، و1.8 مليون داخل إسرائيل والقدس الشرقية)، مقابل 6.6 ملايين يهودي إسرائيلي وفق «المكتب المركزي للإحصاءات» في إسرائيل، ولا يمكن تغيير جوهر الصراع إلا إذا نفذت إسرائيل حملة أخرى من الطرد الجماعي أو التطهير العرقي، كما حصل في العامَين 1948 و1967.

على صعيد آخر، لن تتغير حياة الفلسطينيين، وبغض النظر عن التصريحات خلال الحملات الانتخابية إذاً، بدأ اليهود الإسرائيليون يشكّلون أقلية سكانية في الأرض التي يزعمون امتلاكها، ولا يمكن أن يفرضوا سيطرتهم إلا عن طريق الفصل العنصري.

قد لا يُغيّر هذا الوضع حالة الرضوخ المفروضة على الفلسطينيين في أرضهم، لكنه كفيل بتغيير الخطاب الإسرائيلي وسط النخب السياسية الأوروبية والأميركية التي صرفت إسرائيل المليارات لاستمالتها.

قبل ضم الأراضي، حين كان شعار «أرض السلام» لا يزال طاغياً على خطابات معاهدة أوسلو، استطاعت الطبقة السياسية اليسارية واليمينية في بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا أن تدعم رؤية حصرية ومشتركة حول كيفية حل الصراع في وقت واحد، فتعهدت تلك الأطراف حينها بـ»دعم إسرائيل»، لكنها اعترفت في الوقت نفسه بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم عبر إنشاء دولة فلسطينية مفترضة لكن غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع.

انهيار الشرعية الدولية

في ما يخص الجانب الإسرائيلي، لوّحت تلك الرؤية الوهمية بوجود ما يُسمّى «ملكية إسرائيل» وتم الاعتراف بها دولياً، لكن سرعان ما نشأت المستوطنات غير الشرعية، ولم تنجح الأطراف المعنية بالتعامل معها للأسف. في الوقت نفسه، سادت فكرة مفادها أن الحل ممكن شرط أن يقدّم الطرفان التنازلات اللازمة.

لكن تغيّر الوضع كله بعدما أصبح ضم الأراضي سياسة رسمية، وحالما اعتبرت دولة إسرائيل المستوطنات جزءاً منها، لم تعد «ملكية إسرائيل» موجودة، بل أصبح جوهر البلد عبارة عن مستوطنة واحدة، وهكذا خسرت الدولة الإسرائيلية شرعيتها الدولية.

إذا كان ضم الأراضي يشوّه صورة إسرائيل على الساحة الدولية، باعتبارها دولة متقدمة وسط صحراء من العرب العدائيين وغير المنطقيين وسريعي الانفعال، فلا شك أنه يسيء بدرجة إضافية إلى فرص بناء دولة يهودية والحفاظ عليها داخلياً.

لم يكن أسوأ تنازل قدّمه ياسر عرفات و»منظمة التحرير الفلسطينية» خلال عملية أوسلو يتعلق بالاعتراف بدولة إسرائيل، بل بالتخلي عن الفلسطينيين المقيمين فيها (20% من الشعب).

نضال في سبيل السيادة

أنتج ذلك الوضع جميع أنواع الاضطرابات، فكانت القدس محور الصراع وعاصمة دولة فلسطين، لكن لم تكن السلطة الفلسطينية تستطيع السيطرة على السكان المقيمين فيها، وفي معظم فترات عملية السلام، لم يكن فلسطينيو الشتات (تم التخلي عنهم أو تهجروا داخلياً عند قيام دولة إسرائيل في عام 1948) جزءاً من النضال ضد الاحتلال، بل حملوا جنسيات إسرائيلية وسمّاهم قادتهم «عرب إسرائيل».

غيّرت سياسة ضم الأراضي هذا الوضع كله، فهدمت في لحظة واحدة جميع الجدران التي شيّدتها إسرائيل بحذر لتقسيم الفلسطينيين، وبَنَت مناطق متلاحقة شبيهة بالسجون وخاضعة لمراقبة مشددة، وهكذا تحولت غزة والضفة الغربية وفلسطينيو 1948 والشتات إلى شعب واحد يحارب في سبيل استرجاع سيادته على أرضه، فمن الواضح إذاً أن ضم الأراضي يقضي عن غير قصد على الحلم الصهيوني بنشوء دولة ذات أغلبية يهودية من الداخل.

كان القادة الفلسطينيون الذين لم يتعرضوا للاغتيال أو الاعتقال على يد إسرائيل لاعبين أساسيين للحفاظ على وضع المراوحة الذي ضمن عملياً ضم مناطق مثل غور الأردن، ولو بشكل غير رسمي.

لا يستطيع الفلسطينيون اليوم استعمال أو زراعة غور الأردن، أهم أرض خصبة لديهم، حيث تمتد هذه الأرض على 160 ألف هكتار وتشمل حوالي 30% من الضفة الغربية، وفي المقابل تستفيد منها إسرائيل لتلبية حاجاتها وتمنع الفلسطينيين من دخول أو استعمال 85% من المنطقة لتشييد المباني أو البنى التحتية، أو رعي المواشي، أو القيام بزيارات عائلية، وفي عام 2016، أقام هناك 65 ألف فلسطيني و11 ألف مستوطن، مما يعني أن أقلية من السكان يُسمَح لها بالتجول في 85% من الأرض.

ولا تحتاج إسرائيل إلى ضم غور الأردن إذاً، فقد ضمّتها إليها أصلاً، وفي ظل انهيار القيادة الفلسطينية، من المتوقع أن تشاهد الأجيال الفلسطينية المقبلة مشهداً مختلفاً بالكامل، إذ سيضطر هؤلاء الفلسطينيون لإعادة النظر بالاستراتيجية القائمة، وتصحيح أخطاء الماضي، واعتبار أنفسهم مجدداً جزءاً من شعبٍ تهجّر من أرض واحدة.

باختصار، تعني سياسة ضم الأراضي زوال إسرائيل بالوضع الذي كانت عليه في عام 1948، أي الدولة ذات الأغلبية اليهودية. نحن نشهد ولادة دولة ذات أقلية يهودية، ولا يمكن أن تصمد إلا عبر قمع الأغلبية الفلسطينية والسيطرة عليها. لكنّ تطبيق هذه المقاربة في قارة يطغى عليها العرب والمسلمون يعني الحكم على الذات بموت بطيء وحتمي.

مهما اشترت إسرائيل ولاء القادة العرب، فإنها لا تزال تثير غضب العرب والمسلمين في كل مكان، وعلى المدى الطويل لن تستطيع دولة الأقلية اليهودية أن تحمي نفسها، لا بالجدران، ولا الجيوش، ولا أساطيل الطائرات بلا طيار، ولا الترسانات النووية، ولا حتى الرئيس الأميركي!

الفلسطينيون لا يستطيعون اليوم استعمال أو زراعة غور الأردن، أهم أرض خصبة لديهم

إسرائيل مهما اشترت ولاء القادة العرب فإنها لا تزال تثير غضب العرب والمسلمين في كل مكان
back to top