طاهر: أستخدم خلطة سرية في السرد لجذب القارئ

روايته تعبر عن قصص مؤلمة عانى أصحابها بسبب الحرب

نشر في 13-09-2019
آخر تحديث 13-09-2019 | 00:00
عبر إيقاع سريع ولغة جاذبة وأحداث مشوِّقة، يلتهم القارئ رواية "ليتني ما عُدتُ" للروائي العراقي أكرم عبدالله طاهر في أقل من ثلاث ساعات.
وتبدأ القراءة ولا تنتهي إلا بحلول السطر الأخير، ويكتب الأديب الذي لم يكمل تعليمه بسبب ظروف الحرب والحصار في حقبة التسعينيات بقلم مداده المشاعر الإنسانية، ويعكس مدى "الخراب السيكولوجي" الذي تخلفه آلة الحرب في نفوس البشر.
وفي حوار أجرته معه "الجريدة" من القاهرة قال طاهر، إنه يستخدم "خلطة سحرية" في السرد لجذب القارئ، كاشفاً أن تنظيم "داعش" حين احتل بلدته حرق مؤلفات سابقة له قبل خروجها إلى النور.
وفيما يلي نص الحوار:
● ما الظروف التي دفعتك إلى الكتابة الإبداعية، خصوصاً أنك لم تتمكن من استكمال تعليمك بسبب أجواء الحرب والحصار في العراق أوائل التسعينيات؟

- الموهبة كانت موجودة منذ البداية رغم بساطتها، ولولا ظروف الحروب والحصار لدرست وأكملت الدراسة وتخصصت في هذا المجال.

● "ليتني ما عُدت" هل تُعد سيرة جمعية لكثير من أبناء العراق، خصوصاً الذين عانوا ويلات الحرب؟

- نعم بالضبط، وإلى حد كبير يتجاوز 80 في المئة، صدقني حتى هذه اللحظة في أغلب المجالس التي أكون حاضراً فيها أستمع إلى قصص مؤلمة عانى أصحابها الاكتئاب فترة طويلة بسبب تلك الحقبة من الحرب.

● ما الرسالة الإنسانية التي قصدت توصيلها للقارئ عبر النص السردي البديع؟

- هي رسالة موجهة للعالم، وما حدث من كارثة إنسانية لم يكن لنا فيها "لا ناقة ولا جمل"، وللأسف الكثير من إخوتنا في البلدان العربية وخارجها ظنوا أننا كشعب دخلنا الحرب بمحض إرادتنا، وكثيراً ما كنت أشعر بذلك بعد أن ظهرت التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال تبادل الحوار مع شعوب أخرى، ونحن لا نلومهم لأن الإعلام المضلل لعب دوره في تكريس هذه الفكرة واستطاع أن يغيِّر مسار الحقيقة.

● إيقاع الرواية بدأ سريعاً ومتدفقاً منذ المشهد الأول، فهل قصدت ذلك لتعكس التحولات السريعة المتماشية مع حالة الحرب؟

- نعم بالتأكيد، فالحرب جاءت سريعاً وانتهت سريعاً، وما تلاها من أحداث ومخلفات كانت أسرع من البرق، كما أنني استخدمتُ خلطتي السحرية في السرد لجذب القارئ وبما يجعله يمسك بالكتاب ولا يتركه إلا مع حلول السطر الأخير، وأود التنويه إلى ملحوظة بسيطة، وهي أن الرواية كان اسمها في البداية "الأرض الخاوية" لكن الفاضلة عبير العرب القائمة على إدارة "دار شان للنشر والتوزيع" اقترحت تغيير العنوان بآخر يكون ملفتاً وجاذباً، واقترحت عنوان "ليتني ما عُدت"، فكل الشكر لها ولجميع العاملين في "الدار شان"، بالمملكة الأردنية الهاشمية.

أحرقوا الورق

● كيف كان رد فعلك حين احتل تنظيم "داعش" الإرهابي بلدتك وحرق مؤلفات سابقة لك قبل خروجها للنور؟

- احتلال "داعش" فصل لزمن أسود وجرح لن يلتئم أبداً، لأن ما جرى من أحداث وجرائم إبادة لا أستطيع تصديقه واستيعابه حتى هذه اللحظة، أما بخصوص المؤلفات فهم أحرقوا الورق فقط، لكن كل حرف وكل وكلمة كانت على تلك الأوراق لاتزال مخزونة في رأسي وستخرج إلى النور عاجلاً أم آجلاً.

● هل فكرت في الاستسلام والتوقف عن الكتابة؟

- طبعاً لا، وأكبر دليل على ذلك مطبوعاتي التي تشارك في معارض الكتاب في مصر وسلطنة عُمان والأردن والعراق ودول عربية أخرى قريباً، نعم واجهت الكثير من الصعوبات بعد احتلال داعش والنزوح، لكنني لم أستسلم وواصلت الكتابة، لأن الإرادة كانت أقوى من رفع راية الاستسلام وأيضاً إيماني بأن وراء كل تأخير يأتي الخير.

«نتاليا» من مصر

● لمَ اخترت مصر لإصدار أولى رواياتك "نتاليا"، وماذا عن أجوائها؟

- مصر بلد الأدب والثقافة والفن، وكل شخص يتمنى ويتشرف أن يترك لنفسه بصمة في أرض الكنانة مصر أم الدنيا، أما بخصوص رواية "نتاليا" فسأروي لك قصة حدثت معي قبل نحو عقدين من الزمن، والتي كانت دافعاً لكتابة "نتاليا": ذات يوم كنت عائداً إلى البيت وكان الوقت قد تجاوز غروب الشمس، لمحت فتاةً واقفة على ناصية الطريق وبالقرب منها حقيبة سفر كبيرة، وما أن صرت على مقربة منها حتى تقدمت نحوي وقالت: مساء الخير، أنا طالبة جامعية من مدينة كركوك، أدرس في جامعة الموصل وكنت في إجازة نهاية الأسبوع واليوم عدتُ وأنوي الذهاب إلى سكن الطالبات وبصراحة أخاف ركوب سيارة تاكسي لوحدي في مثل هذا الوقت، وسيكون لطفاً منك إن رافقتني إلى هناك، وتفضل هذه أجرة سيارة التاكسي التي ستوصلنا... رفضت أخذ المال وقلت لها لا يجوز أنتِ ضيفتنا، واستوقفت سيارة تاكسي وعند وصولنا ونزولنا أمام باب سكن الطالبات، قالت لي "اسمي نتاليا، شاكرة جداً للطفك ومعروفك لن أنساه أبداً، أتمنى أن نصبح أصدقاء وتأتي لزيارتي هنا كلما سنحت لك فرصة". هذه كانت آخر كلماتها ثم دخلت البناية وهي تلتفت وتلوح بيدها حتى اختفت، بعدها بيومين أو ثلاثة أيام ذهبت لزيارتها وإذا بهم في إدارة سكن الطالبات يقولون لي إنه لا توجد طالبة بهذا الاسم وبالمواصفات التي ذكرتها في هذه البناية! كانت بمنزلة صدمة لكنني شككت في الأمر وبقيت أتردد على كل مساكن الطالبات في المدينة وحتى الجامعات والمعاهد عدة أشهر لكن دون جدوى، اختفت نتاليا ولم تظهر حتى يومنا هذا، لكن سؤالاً واحداً ظل يجول في رأسي لأكثر من عشرين عاماً.. لماذا فعلت ذلك؟ في النهاية قررت كتابة رواية عنها وإعطاءها دور الضحية والمظلومة، لكي تبقى صورتها جميلة أمامي، لأنني لا أريد يوماً إساءة الظن بها.

خطوة مبكرة

● يكتب المبدعون مذكراتهم في نهاية رحلة طويلة مع الكتابة، بينما تعكف حالياً على كتابة سيرتك في شكل رواية بعنوان "مذكرات بهلول"، ألا تعد خطوة مبكرة؟

- نعم هي بالفعل خطوة مبكرة، لكنني أكتبها وسأنشرها لكي لا أنسى الأحداث مع تقدم العمر، ومن المؤكد أنه ستتبعها أجزاء أخرى مستقبلاً إن أطال الله في عمري.

أكتب سيرتي الذاتية مبكراً كي لا أنسى الأحداث مع تقدم العمر

أعطيت " نتاليا" دور الضحية والمظلومة لتبقى جميلة أمامي
back to top