الكويت تودع مشاري العصيمي... أحد رجالاتها المخلصين

أسس مع الجوعان «التأمينات الاجتماعية» وحقق بها نقلة نوعية في قوانين التقاعد

نشر في 09-09-2019
آخر تحديث 09-09-2019 | 00:06
ودعت الكويت، أمس، أحد رجالاتها الوطنيين المخلصين في العمل السياسي والنيابي والقانوني، النائب السابق المحامي مشاري العصيمي عن عمر ناهز 70 عاماً.

ويعد الفقيد من جيل الرواد المخضرمين المشهود لهم بالسمعة الطيبة، ومن مؤسسي مؤسسة التأمينات الاجتماعية مع رفيق دربه النائب الراحل حمد الجوعان، وهو من الأعضاء النشيطين في مسيرة الحياة الديمقراطية بالكويت، وعُرف عنه دفاعه الشرس عن المال العام والديمقراطية وحماية الدستور، وخدم الكويت بكل أمانة في أكثر من موقع، وأجمع على سيرته العطرة وتاريخه المشرف وعطائه المتواصل كل شرائح المجتمع الكويتي... رحم الله الفقيد، الذي ما فتئ يعمل بجد واجتهاد خدمة لوطنه حتى توفاه الله بعد صراع مع المرض.

ولد الراحل في عام 1949 بمنطقة المرقاب، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة المرقاب، ثم المرحلة المتوسطة في مدرسة صلاح الدين، وخلال تلك الفترة انتقل للعيش في منطقة الفيحاء، وأكمل دراسته المتوسطة في مدرسة الشامية، وأنهى المرحلة الثانوية في مدرسة كيفان عام 1968، وخلال رحلته الدراسية، زامل الوزير أحمد الربعي في المرحلة المتوسطة، وعملا معاً لإصدار مجلة حائط، كما شارك في الإذاعة المدرسية، وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، سافر إلى مصر لاستكمال دراسته الجامعية، غير أن الأجواء لم تلائمه هناك فعاد إلى الكويت، ودرس في جامعتها ليتخرج بشهادة البكالوريوس في الحقوق عام 1972.

مسيرة العمل

عقب تخرجه عمل الراحل في عدة وظائف مرتبطة بالقانون، منها وكيل نيابة فترة من الوقت، ثم انتقل في عام 1974 للعمل في الإدارة القانونية التابعة لشركة البترول الوطنية باحثاً قانونياً، ثم تم ابتعاثه إلى فرع الشركة في بريطانيا، فالتحق بدورات تدريبية وتعلم اللغة الإنكليزية، ثم التحق بعد ذلك بفصول تعليمية في مادة القانون بجامعة برونيل بمدينة أوكسبريدج، وخلال تلك الفترة جمع بين الدراسة والعمل في مكتب التسويق العالمي التابع لشركة البترول مدة عامين ونصف العام، قبل أن يعود إلى الكويت عام 1976.

«التأمينات الاجتماعية»

عقب عودة الراحل إلى الكويت، اتصل به النائب السابق المرحوم حمد الجوعان ليعرض عليه العمل معه، حيث كُلف بتأسيس المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بعد صدور قانون متكامل للتأمينات في نفس العام، ورغم اعتذاره في البداية فإن إصرار الراحل الجوعان جعله يوافق في النهاية على تلك المهمة الصعبة، ليواصل بعدها الليل بالنهار لإنجازها. وتم تعيين كادر وظيفي من بينهم حمد الحميضي المدير السابق للمؤسسة، إضافة إلى عبدالله الطويل وأحمد الهارون وآخرين، وخلال عشرة أشهر تقريبا، تم إنشاء المؤسسة وتعيين العصيمي مديراً للإدارة القانونية فيها.

وعمل الراحل على تحسين قانون التقاعد من أجل إعطاء فرصة أكبر للشباب الكويتيين للانخراط في سوق العمل، ومع تزايد أعداد المتقاعدين، سعت المؤسسة إلى البحث عن نظام للتأمين الصحي للمتقاعدين وعائلاتهم، فوجدت أن أفضل نظام موجود في فنلندا، فسافر إليها العصيمي والجوعان ومساعدوهما عام 1979 للاستفادة من الخبرة الفنلندية في هذا المجال، ورغم حصولهم على نظام تأميني متطور، فإنه لم يُعتمد من مجلس الوزراء.

وشهدت المؤسسة خلال عمل الراحل بها نقلة نوعية في استقبال المراجعين، وإقرار قوانين التقاعد وتطويرها، واستمر العصيمي في عمله بالمؤسسة حتى عام 1984، قبل أن يقدم استقالته بسبب خلافات مع الحكومة حول التعامل مع أزمة المناخ، ليعود بعد ذلك إلى عمل المحاماة، فافتتح مكتباً مشتركاً للمحاماة مع الجوعان، ثم تم انتخابه رئيساً لجمعية المحامين خلال الفترة بين عامي 1988 و1992.

العمل النيابي

بدأت مسيرة العصيمي بالعمل البرلماني عام 1981، عندما رشح لأول مرة لعضوية مجلس الأمة، ولكن لم يحالفه الحظ بعدما حاز 362 صوتا، ليحل في المركز الثالث بفارق ضئيل (92 صوتاً) عن صاحب المركز الثاني النائب حمود الرومي، ورغم تلك البداية المشجعة للترشح في الانتخابات المقبلة، فإن ذلك لم يحصل، إذ لم يرشح نفسه في انتخابات عام 1985 تقديرا منه لرفيقه النائب السابق عبدالله النيباري، وشاء الله أن يُحل هذا المجلس حلاً غير دستوري، وقوبل ذلك بمعارضة شديدة من جميع القوى السياسية في الكويت، ليخوض الفقيد معركة سياسية جنباً إلى جنب مع النواب السابقين والتيارات الوطنية المختلفة من أجل إعادة الديمقراطية للبلاد، فكان عضواً في لجنة الـ 45 الشعبية التي سُميت بذلك نسبة إلى عدد أعضائها، وكانت تمثل كل القوى الوطنية والسياسية، ومهمتها إيصال العرائض الشعبية إلى الأمير، وفي ظل إصرار الحكومة على رفض الاستماع لمطالبهم، تم الاتفاق بين القوى المعارضة في ذلك الوقت على عقد لقاءات أسبوعية في كل يوم اثنين للتشاور، فيما عُرف بدواوين الاثنين، وتحولت بعد ذلك لجنة الـ 45 إلى كيان داعم لتكتل النواب لقيادة الشارع في حملات وتظاهرات سلمية للمطالبة بعودة الحياة الديمقراطية، وأصبحت تصدر البيانات المطالبة بالعودة إلى الحياة الدستورية.

وشكل هذا الحراك السلمي والمدافع عن الديمقراطية حافزاً للراحل العصيمي ليقدم أوراق ترشحه عام 1992 في أول انتخابات تُجرى بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، والأولى بعد عودة الحياة الديمقراطية عقب حل مجلس 1985، ونجح، رحمه الله، لأول مرة في الفوز بعضوية مجلس الأمة عن الدائرة الانتخابية السادسة- الفيحاء، بعدما حصد (935) صوتاً في المركز الثاني خلف النائب مشاري العنجري، وتم انتخابه عضواً في اللجنة التشريعية والقانونية في جميع دور الانعقاد الأربعة بهذا الفصل التشريعي السابع، وعضواً في لجنة المرتهنين والمفقودين ورعاية أسر الشهداء، وعضواً في لجنة حقوق الإنسان عن دور الانعقاد الأول، وعضواً في لجنة حماية الأموال العامة عن دوري الانعقاد الثالث والرابع، ومن خلال عضويته باللجنة التشريعية، استطاع الراحل وزملاؤه أعضاء اللجنة إنجاز قانون حماية الأموال العامة وقانون الرعاية الإسكانية، وتعديل المادة 60 من قانون تنظيم القضاء، ليعطيه بعض الاستقلالية في مواجهة الحكومة، وبالتحديد استقلال النيابة العامة والنائب العام تجاه وزير العدل.

ومن مواقف الراحل في هذا المجلس، معارضة طلب طرح الثقة بوزير التربية والتعليم العالي المرحوم أحمد الربعي، كما تقدم وحمد الجوعان بقانون استقلال القضاء الذي لم يُقر بسبب مماطلة الحكومة وعدم جديتها في هذا الموضوع، كما رفض تسلم المعاش الاستثنائي الذي يُصرف للنواب، لأنه وجد فيه "شبهة وعدم جواز أخذ راتب من سلطة أنت تراقب أداءها وتحاسب المقصرين منها".

ثم شارك، رحمه الله، في انتخابات مجلس الأمة 1996، وفاز بعضويته بعدما نال 1112 صوتاً بالمركز الثاني عن نفس الدائرة السادسة- الفيحاء خلف النائب فهد الخنة، وتم انتخابه لعضوية اللجنة التشريعية والقانونية لدور الانعقاد الأول، وفي هذا الفصل التشريعي الثامن، تقدم مع النائبين سامي المنيس وأحمد المليفي باستجواب لوزير المالية ناصر الروضان بشأن تنظيم استغلال الأراضي الفضاء وأملاك الدولة، وبعد جلسة استجواب طويلة استمرت 15 ساعة، تم الاكتفاء بالمناقشة بعدما لمس المستجوبون جدية الوزير في تحقيق الإصلاح المنشود.

وفاز العصيمي بعضوية مجلس الأمة لآخر مرة في انتخابات 1999 بحصوله على المركز الثاني عن الدائرة السادسة - الفيحاء، ونال 1059 صوتاً خلف صاحب المركز الأول النائب مشاري العنجري. وفي انتخابات 2003 لم يحالفه الحظ بعدما حل في المركز الخامس عن الدائرة نفسها بحصوله على 679 صوتا، ثم غاب عن الترشح لانتخابات المجلس تسع سنوات، عاد بعدها في انتخابات فبراير 2012 التي تم إبطالها فيما بعد، وما دفعه لخوض هذه الانتخابات بعد مقاطعة طويلة، هو ما رآه في الحراك الشبابي المطالب بالإصلاح، مما حرّك في داخله الحماس للمشاركة بعد سنين طويلة، ولكنه لم يفز بعضوية المجلس بعد حصوله على 4553 صوتاً عن الدائرة الثانية وحل بالمركز الحادي عشر، وكانت هذه الانتخابات هي الأخيرة التي شارك فيها.

وخلال مسيرته الطويلة داخل المجلس وخارجه، كان العصيمي من أشد المدافعين عن الدستور، ومطالباً بصونه وحمايته، فكان من المعارضين لرفع الاستجواب أو شطبه من المناقشة، والرافضين لفكرة تسلم النواب معاشات استثنائية من الحكومة، ومن المؤيدين لإقرار الأحزاب السياسية، ومن أشد المطالبن بإشراك الشباب وإتاحة الفرصة لهم وإعطائهم دوراً أكبر في جميع القطاعات الحيوية بالكويت.

و"الجريدة" التي آلمها هذا المصاب، تتقدم إلى أهل الفقيد بخالص العزاء، سائلة المولى تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، و"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".

السيرة الذاتية

• من مواليد المرقاب عام 1949.

• حصل على شهادة الثانوية العامة من ثانوية كيفان عام 1968.

• حصل على الشهادة الجامعية في الحقوق من جامعة الكويت 1972.

• وكيل نيابة في مكتب النيابة العامة 1972.

• باحث قانوني في شركة البترول الوطنية الكويتية في مكتب لندن 1974.

• مدير إدارة الشؤون القانونية في مؤسسة التأمينات (1976 -1984).

• شريك مؤسس لمكتب مشاري العصيمي للمحاماة والاستشارات القانونية.

• رئيس جمعية المحامين الكويتية خلال الفترة من (1988 – 1992).

• عضو مجلس الأمة ثلاث دورات متتالية: 1992، 1996، 1999.

• عضو اتحاد المحامين العرب.

كان عضواً في لجنة الـ 45 الشعبية التي جمعت القوى الوطنية لإيصال العرائض الشعبية إلى الأمير

قدم قانون استقلال القضاء ورفض تسلم المعاش الاستثنائي الذي يُصرف للنواب

سافر إلى مصر لاستكمال دراسته الجامعية غير أن الأجواء لم تلائمه هناك فعاد إلى الكويت ودرس في جامعتها

دافع عن الدستور بشراسة وأيّد إقرار الأحزاب السياسية وطالب بإعطاء الشباب دوراً أكبر في القطاعات الحيوية بالكويت

قدّم استقالته من العمل بـ «التأمينات» بعد خلاف مع الحكومة حول التعامل مع أزمة المناخ
back to top