هل تعود هونغ كونغ من حافة الهاوية؟

نشر في 06-09-2019
آخر تحديث 06-09-2019 | 00:00
ثمة مخرج لمأزق هونغ كونغ قبل أن تسقط في الهاوية بسبب أعمال العنف، وهذا المخرج يتطلب سلسلة من التسويات من الحكومة والمحتجين، منها تنازلات مؤلمة يصعب أن يتقبلها الطرفان على المدى القصير والطويل، لكنها قد تنجح في إرجاع هونغ كونغ من حافة الهاوية.
بعد 13 أسبوعاً من الاحتجاجات المتواصلة وتصاعد ردود الشرطة العدائية، يبدو أن أسوأ أزمة سياسية تشهدها هونغ كونغ منذ عودتها إلى السيادة الصينية في عام 1997 وصلت إلى طريق مسدود.

رفضت رئيسة هونغ كونغ التنفيذية والمدعومة من بكين، كاري لام، جميع مطالب المحتجين صراحةً، بما في ذلك سحب قانون تسليم المطلوبين إلى الصين الذي قوبل بانتقادات واسعة، وكان السبب في بدء الاضطرابات السائدة، وإجراء تحقيق مستقل حول أعمال العنف التي ارتكبتها الشرطة، والعفو عن المتظاهرين المعتقلين، وإسقاط صفة "مثيري الشغب" عن المحتجين، وإعادة إطلاق مسار الإصلاح السياسي المؤجّل في هونغ كونغ، ويبدو أن لام مقتنعة بقدرتها على قمع الاحتجاجات عن طريق إضعاف الدعم الشعبي واستعمال قوة الشرطة الوحشية، وحتى الاعتقالات الجماعية.

لم يتأثر المحتجون من جهتهم بتصعيد تحركات الشرطة، ففي عطلة نهاية الأسبوع، داهمت شرطة مكافحة الشغب محطات المترو والقطارات، وراحت تضرب المتظاهرين المشبوهين بالهراوات عشوائياً، وأطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والصبغة الكيماوية من مدفع مائي، ومع ذلك لا يزال دعم الرأي العام قوياً وبات الغضب الشعبي موجَّهاً ضد الشرطة بدل المتظاهرين المتطرفين.

لكن ثمة مخرج لهذا المأزق، قبل أن تسقط هونغ كونغ في الهاوية بسبب أعمال العنف، وهذا الحل يتطلب سلسلة من التسويات من الجهتَين، منها تنازلات مؤلمة يصعب أن يتقبلها الطرفان على المدى القصير والطويل، لكنها قد تنجح في إرجاع هونغ كونغ من حافة الهاوية.

الخطوة الأولى هي الأسهل: يتعين على لام أن تسحب قانون تسليم المطلوبين رسمياً، فقد سبق أن أعلنت أن القانون مُعلّق، أو "ميت" كما قالت، لكنها تلعب بالكلام. "ميت" ليس مصطلحاً قانونياً، ويخشى الرأي العام، ما لم تسحب القانون رسمياً، أن تعيد طرحه خلال جلسة ثانية وحاسمة قبل انتهاء ولاية المجلس التشريعي الراهن في الصيف المقبل.

من خلال الامتناع عن سحب القانون رسمياً، تحاول لام بكل وضوح حفظ ماء وجهها أو وجه قادة الحزب الشيوعي الصيني في بكين، علماً أنهم يعارضون أي شكل من التنازل للمحتجين، وسيكون سحب القانون اعترافاً علنياً بأنه كان قراراً خاطئاً وغير ضروري، ولكن الآن فات الأوان على حفظ ماء الوجه. وفي ظل انتشار مشاعر انعدام الثقة راهناً، سيكون الامتناع عن سحب القانون كفيلاً بتأجيج الشكوك القائلة إن لام تطبّق أجندة خفيّة لإعادة إقرار القانون حين تهدأ الأوضاع.

أما التنازل الثاني، فهو أصعب بكثير! على الحكومة أن تشكّل لجنة مستقلة للتحقيق بأعمال العنف من جميع الجهات (المحتجون والشرطة)، ثم تعفو عن كل من شارك في أعمال غير قانونية.

من المتوقع أن ينتقد المعنيون في المعسكرَين هذا التدبير، إذ يريد المواطنون العاديون محاكمة عناصر الشرطة بعدما أخفوا أرقام التعريف عنهم، وضربوا المتظاهرين السلميين بالهراوات، واستعملوا الغاز المسيل للدموع داخل محطات المترو والمراكز التجارية، وتآمروا على ما يبدو مع العصابات عبر تأخير ردّهم عمداً حتى تاريخ 21 يوليو الذي شهد هجوماً ثلاثياً على الركاب في مقاطعة "يوين لونغ".

في المقابل، لا مفر من أن يغضب عناصر الشرطة ومؤيدو الحكومة نتيجة العفو عن المحتجين الشباب بعدما شوّهوا الشعار الصيني ورموا العلم الصيني في الميناء، ورشقوا الشرطة بقطع قرميد ومقذوفات أخرى، وتحدّوا قرار الشرطة بمنع تنظيم مسيرات واسعة النطاق.

ثمة سابقة لهذه الأحداث: خلال التسعينيات، تشكّلت في جنوب إفريقيا، بعد انتهاء عصر الفصل العنصري، "لجنة الحقيقة والمصالحة" لمداواة جروح البلد المنقسم، وسمحت اللجنة بعرض جميع الجرائم المرتكبة علناً، لكن ما كان يمكن أن يمضي البلد المفكك قدماً من دون العفو عن الطرفَين.

في تلك الفترة، سخر البعض من لجنة جنوب إفريقيا باعتبارها "لجنة كلينيكس"، بمعنى أنها لا تكاد تستطيع محو الخطايا الكثيرة التي طبعت حقبة الفصل العنصري العنيفة. شعر كل من عاصر أحداث جنوب إفريقيا في المرحلة التمهيدية لأول انتخابات ديمقراطية بأن الحرب حتمية، لكن سرعان ما تبيّن أن "لجنة الحقيقة والمصالحة" كانت طريقة لامعة لحل الاضطرابات العالقة ومداواة البلد.

ربما تقضي أصعب خطوة أخيرة في هونغ كونغ بإعادة إطلاق مسار الإصلاح السياسي، وعلى الطرفين معاً أن يوافقا على تقديم تنازلات مؤلمة في هذا المجال أيضاً، ويتعين على المحتجين أن يعترفوا بأن بكين لن تسمح بنشوء نظام انتخابي مستقبلي تبقى نتائجه مجهولة. وعلى القادة الشيوعيين في بكين أن يقتنعوا بأن الاضطرابات في هونغ كونغ لن تنتهي ما لم يشارك الشعب، ولو بدرجة معيّنة، في تحديد طريقة حكم البلد.

ستكون التنازلات شبيهة بالإصلاحات التي تم رفضها في عام 2014، وهي التي أطلقت "حركة المظلات" في مثل هذا الشهر منذ خمس سنوات. تستطيع بكين أن تشكّل لجنة خاصة للتدقيق بجميع المرشحين لمنصب رئيس هونغ كونغ التنفيذي، وعلى المرشحين أن يقسموا يمين الولاء للدستور الصيني وأن يمتنعوا عن المطالبة بالاستقلال: إنه أهم "خط أحمر" بنظر بكين! ثم يجب أن يحصل الشعب في هونغ كونغ على حق التصويت للاختيار بين المرشحين المعتمدين بكل حرية.

لا يمكن اعتبار هذه العملية ديمقراطية بمعنى الكلمة طبعاً، لكنها تبقى أفضل من النظام القائم راهناً، حيث يتم اختيار الرئيس من جانب 1200 مسؤول، معظمهم شخصيات موالية للصين تنشط ضمن "هيئة انتخابية" مزعومة.

تنجم الأزمة الراهنة في هونغ كونغ عن غياب السياسة. لم يتم انتخاب الرئيس التنفيذي والحكومة يوماً، وبالتالي لا يمثّل المسؤولون الشعب وليسوا مضطرين للتجاوب مع سكان هونغ كونغ. كذلك، يشعر المواطنون العاديون بأنهم غير معنيّين بقيادة تتجاهل حاجاتهم، وتكتفي بخدمة مصالح النخبة الغنية وتنفيذ أوامر بكين، حتى النظام الديمقراطي الجزئي الذي يسمح للشعب بالاختيار بين مرشحين معتمدين يبقى أفضل من غياب الانتخابات، ويسمح هذا النظام لرئيس هونغ كونغ أيضاً بأخذ تفويض لحكم البلد.

تتطلب هذه الخطوات كلها تسوية شاملة وعقلية متّزنة، وقد تنجح في إعادة هونغ كونغ من حافة الهاوية... إذا لم يفت الأوان أصلاً!

* كيث ريتشبورغ – ذي ستراتيجست

على المحتجين أن يعترفوا بأن بكين لن تسمح بنشوء نظام انتخابي مستقبلي تبقى نتائجه مجهولة

على لام أن تسحب قانون تسليم المطلوبين رسمياً لا سيما أنها أعلنت أن القانون مُعلّق أو «ميت»

اختيار الرئيس يتم من جانب 1200 مسؤول معظمهم موالون للصين وينشطون ضمن «هيئة انتخابية» مزعومة
back to top