بالعربي المشرمح: ورحل معلمي

نشر في 23-08-2019
آخر تحديث 23-08-2019 | 00:07
 محمد الرويحل يوم الاثنين الماضي ترجل عن صهوة الحياة رجل من الزمن الجميل، من الزمن الطاهر، زمن القيم والشيم والرجولة، إنه أبو محمد حسين الرويحل، والدي وأخي وصديقي الذي ذهب إلى جوار ربه، تاركاً لي إرثاً من الخلق والتسامح والقيم، ترك لي مدرسة من كتب الحياة الحقيقية التي لا رياء فيها ولا نفاق، ترك لي ثروة حقيقية من محبة الناس له، وكنزاً من السمعة الطيبة يحسدني عليها الكثير.

أبو محمد الذي عاش فقر الوطن ورخاءه وحصد منه محبة الناس، من الحاضرة والبادية، ومن السنة والشيعة، عشق عروبته منذ نعومة أظفاره فذهب للدفاع عن القدس عام 1948 تاركاً والده وشقيقه الأكبر يصارعان الحياة، ولم يعد إلا بعد وفاة والده عام 1950، ليترك حياة البادية ويستقر بالشامية، ثم في البدوية ليلتحق مع الشيخ جابر الأحمد رحمه الله بالأحمدي، ثم بالأمن العام، إلى أن تقاعد عام ١٩٨٢ حين عُينت في نفس المخفر الذي كان يعمل به فأحبني فيه زملاؤه من حبهم له.

كنت عندما أذهب معه إلى صديق له أو قريب يشرح لي في الطريق مناطق الكويت التي نمر بها، ومتى تكونت، وكان يوصيني بجيرانه، حتى إنه إذا تزامنت مناسبتان لدى شقيقه الوحيد وجاره كان يحرص على حضور مناسبة جاره، وعندما أسأله لماذا؟ يقول: جاري والرسول أوصاني عليه، «ولو صار لكم شي بغيابي جاري أقرب لكم من أخوي».

كان يعشق أخاه الوحيد، لدرجة أنه كان يقول لي «هذا أبوي مو أخوي»، فعلمني كيف أحب الجار والأخ والصديق وأحترم الكبير وأرحم الصغير وأعطف على الضعيف والفقير، ولا أنافق القوي الغني، علمني أن الأرزاق بيد الله، وأن البشر لن يغنوك إذا لم يرد لك الله الغنى.

علمني حب الوطن والولاء له، ورغم قوة بأسه رأيته ثالث أيام الغزو يغالب دموعه، فقال: «محمد الكويت راحت، ما خذتها إسرائيل، خذوها يهود العرب، لكن الله حافظها وراح ترد، وبينتقم لها ربنا، لأنه يعلم أن أهلها أهل خير وبركة». علمني حب العروبة الحقيقية لا «العربجية»، كان رحمه الله محباً لأسرة الصباح ويقول لي ولإخوتي إنهم من أصلح وأفضل حكام العرب لشعوبهم.

كان رحمه الله مدرسة في الحياة، صلواته الخمس في المسجد، فأحبه الله وحبب فيه خلقه، كان محباً لصحبه وأقربائه، يحرص على زيارتهم، حتى أنه حين فقد منهم الكثير بعدما ذهبوا إلى جوار ربهم، كنت أشعر من عينيه أنه يشتاق للحاق بهم، وها هو يلحق بهم، رحمه الله، كان يتحدث مع الصغير كأنه كبير دون أن يشعره بفارق السن معه، لذا كان معظم أصدقاء أبنائه يزورونه ويجلسون معه كأنه صديقهم.

كنت ابنه وصديقه وأخاه، وفي آخر أيامه كان يقول لي «انت الحين أبوي»، لذا فقدت بفقده أبي وصديقي وأخي وابني ومعلمي في لحظة واحدة، فما أشد هذا المصاب الجلل؟!

يعني بالعربي المشرمح:

رحل رجل جمع كل ما هو جميل في الدنيا، يصعب على من عرفه تقبل رحيله بسهولة دون حزن وألم، فما بالكم بمن كان ظله وابنه وأخاه وصديقه ووالده؟ لكن إيماننا بقضاء الله وسنته في الحياة جعلني أتقبل رحيله، داعياً المولى عز وجل أن يرحمه ويغفر له ويوسع منزله ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، وينزله منزلة الصالحين الطيبين الأبرار الأخيار بصحبة الأنبياء والصديقين والشهداء، ويلهمني وجميع محبيه الصبر والسلوان، ويعطر ألسنتنا بذكراه والدعاء له ما حيينا، فوداعاً ليس كأي وداع يا أبا محمد يا حبيبي.

back to top