مفاوضات الأزمة الأفغانية... بارقة أمل في سبتمبر

نشر في 23-08-2019
آخر تحديث 23-08-2019 | 00:00
جانب من القوات الأميركية في أفغانستان
جانب من القوات الأميركية في أفغانستان
انتهت الجولة الثامنة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان منذ أيام من دون التوصل الى اتفاق، ولكن على الرغم من ذلك كانت هناك امكانية حقيقية للتوصل الى اتفاقية في سبتمبر المقبل.

وقد يكون من المبكر جداً الاعلان عن رابحين وخاسرين قبل أن نتوصل إلى التفاصيل المتعلقة بإطار عمل اتفاقية، وربما حتى بعد ذلك أيضاً، في ضوء الشكوك الكامنة في أي اتفاق، ونقدم فيما يلي مجموعة من الحقائق المثيرة للقلق على الصعيد السياسي، والتي يمكن أن تسفر عنها مثل تلك الاتفاقية المنشودة في الشهر المقبل.

انتهاء الحرب

في الحادي عشر من هذا الشهر ومع احتفال المسلمين بعيد الأضحى المبارك أعرب المفاوض الأميركي الى المحادثات مع حركة طالبان زالماي خليل زاد عن أمله أن يكون ذلك «آخر عيد تحتفل أفغانستان فيه وهي في حالة حرب «، وسبق لي أن عملت مع خليل زاد في وزارة الخارجية الأميركية وهو مفاوض بارع حقاً.

ومن خلال العمل في هذا الصدد في النزاع العربي – الاسرائيلي أنا أعرف أهمية التمتع بالثقة والتفاؤل وهو ما ينطبق بشكل خاص على الظروف التي تشعر الحكومة الأفغانية فيها بالتهميش نتيجة شكوك الولايات المتحدة في نوايا حركة طالبان وقلق الحكومة من أن تكون الادارة الأميركية تهدف الى بلوغ مخرج وأنها ليست مهتمة حقاً بالتحول الى عامل من أجل اصلاح مستقبل أفغانستان بشكل دائم.

وعلى الرغم من ذلك، يتعين علينا التوقف عن استعمال كلمات مثل «سلام» و «أفغانستان» في الجملة ذاتها، والسلام في أفغانستان وأي شي يعود الى ذلك ولو من بعيد، وذلك نظراً لعدم اتفاق الطرفين المتفاوضين حتى على مجرد وقف دائم للنار، وقد أصبح ذلك في نطاق الأمنيات وربما أحد أشكال الخيال أيضاً.

وعلى أي حال، فإنه من غير المحتمل أن يتحقق ذلك عن طريق الولايات المتحدة، وما يقوم به الآن خليل زاد هو العمل مع قادة حركة طالبان من أجل التوصل الى ضمان بلوغ ترتيبات انتقالية للقيام بالانسحاب، لا من كل أفغانستان، وهو محور تركيز هدف السياسة الأميركية في ذلك الجزء من العالم.

انسحاب

وعلى الرغم من ذلك فقد قال خليل زاد في واحدة من المناسبات إن الولايات المتحدة تسعى الى «اتفاقية سلام لا اتفاقية انسحاب، وإلى اتفاقية سلام تمكن من الانسحاب»، وهي صيغة ذكية تترك الامكانية مفتوحة أمام جعل أي انسحاب ممكناً ولكن «بصورة مشروطة «.

ولكن الولايات المتحدة هددت في أوقات اخرى بأن عدم تحقيق تقدم في المحادثات مع حركة طالبان قد يدفع الرئيس الى سحب القوات الأميركية بصورة أسرع، وقد فقدت النخبة السياسية الاهتمام بتلك الحرب.

وتجدر الاشارة الى أن الحرب الأفغانية وهي الأطول في التاريخ الأميركي قد أسفرت حتى الآن عن مقتل 3500 من الجنود الأميركيين والدول الحليفة وكلفت أكثر من 132 مليار دولار كما أن الرئيس ترامب التزم بالانسحاب من الحروب المكلفة والتي لا يمكن كسبها.

الضمانات الأميركية

يود المسؤولون الأفغان تصديق واشنطن في أنها سوف تحتفظ بقوات محاربة الارهاب في أفغانستان لسنوات كثيرة مقبلة من أجل مساعدة قوات الأمن الأفغانية والضغط على حركة طالبان لتقديم تنازلات في المفاوضات.

وعلى أي حال، فإن أي خفض في عدد القوات الأميركية في أفغانستان – 14 ألفاً – سوف يتطلب بعض الوقت، ولكن أحد المسؤولين في ادارة الرئيس ترامب علق على ذلك قائلاً: «إذا تراجعت أفغانستان عن موقفها فإنها تستطيع القيام بذلك فهي على أي حال دولة مستقلة وليست الولاية الأميركية الـ51.

وفي أحسن الأحوال وبغض النظر عن مدى صدق ونزاهة المفاوضين الأميركيين في التزامهم بتحقيق السلام في أفغانستان فإن الحقيقة هي أن عنصر السلام يتوقف على الحوار الداخلي في ذلك البلد وليس على دور المفاوض الأميركي وضمانات واشنطن.

بناء الدولة يتجه نحو الجنوب

في حال الافتراض بأن القضيتين الرئيسيتين المطروحتين على الطاولة بين المفاوضين من الولايات المتحدة وحركة طالبان ونجاح تلك الجهود فإن جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأميركية وضمانات أمنية للتعامل مع تنظيم القاعدة والمجموعات الارهابية الاخرى سوف يفتح الباب أمام مصاعب عالمية وتحديات ومشاكل يصعب حلها بين أطراف النزاع كما أن حركة طالبان لن تعترف في الأساس بالحكومة المركزية.

الجديد في الأسلوب الأميركي هو أن واشنطن تبدو قد تحررت أخيراً من قضية انسحابها من تحديات بناء الدولة، اضافة الى أن جدول المشاكل الذي يشتمل على نقل القوات الأميركية ودور اندماج المرأة في القوات الأمنية الأفغانية وتشاطر السلطة الحكومية ودرجة المركزية السياسية للنظام السياسي تظل كلها قضايا تعز على الحل في بيئة من الشك العميق والافتقار الى الالتزام بوقف شامل للنار.

التوقيت السيئ

مكاسب حركة طالبان الأخيرة ونفوذها المتزايد وضعف القوات الأمنية الأفغانية ما كانت لتحدث في توقيت أسوأ من الفترة الحالية، ويضاف الى ذلك دور باكستان مع أجندتها في أفغانستان وهي عوامل تمهد لإبقاء الغليان والفوضى في أفغانستان سنوات كثيرة مقبلة.

وإذا استبعدنا ما يعرف باسم الحروب الهندية فإن أفغانستان تعتبر الحرب الأطول التي خاضتها الولايات المتحدة وهي بالتالي تهدف الى ضمان عدم تحول أفغانستان الى قاعدة لعمليات ارهابية ضد الولايات المتحدة. ومهما كانت أهمية محنة المرأة في أفغانستان وتوسع الديمقراطية وحقوق الانسان في ذلك البلد فإن ذلك كله لا يستحق عدد القتلى من الرعايا الأميركيين والأموال التي استثمرت هناك. وثمة من يقول بوجود طرق أخرى فعالة للقيام بعمليات مكافحة الارهاب لا تشمل بالضرورة نشر أعداد كبيرة من القوات البرية الأميركية في بلد ما. وفي حقيقة الأمر ربما يقول محلل ان هجمات 11 سبتمبر لم تكن ناجمة عن أن أفغانستان محطة للإرهابيين بل نتيجة انهيار تام في الأمن الداخلي في الولايات المتحدة والذي سمح للجماعات الإرهابية بدخول أميركا وعبور حدودها عدة مرات والتدرب في مدارس تعليم الطيران في مدارس أميركية.

وعلى الرغم من ذلك، وبعد 18 سنة لا تزال المجادلات تؤيد بقاء القوات الأميركية في أفغانستان، وتوجد أصوات قوية في أوساط الجيش تجادل ليس فقط في أنه لا يمكن الوثوق بحركة طالبان من أجل ضمان عدم عودة تنظيم القاعدة الى نشاطه الارهابي، بل في أن قوات الأمن الأفغانية ببساطة غير قادرة على مواجهة خطر الجماعات الارهابية، بينما يتوقع البعض نشوب حرب أهلية ونهاية مشاركة الدول الأوروبية في الائتلاف، اضافة الى انهيار حكومة كابل وزيادة النفوذ الايراني والروسي والباكستاني في أعقاب انسحاب عسكري أميركي كبير. ويوجد القليل من الشك في أن الولايات المتحدة سوف تحتفظ بقدر ما من الوجود في أفغانستان من أجل محاربة الجماعات الارهابية هناك.

إعلان ترامب

في ديسسمبر الماضي وعد الرئيس ترامب بسحب نصف عدد القوات الأميركية من أفغانستان، وثمة درجة من الشك في أنه يريد رؤية خفض كبير قبل انتخابات عام 2020، ولكن لم يحدث أي شيء حتى الآن، وفي قناعتي أن الشهور سوف تمضي ولن يتغير أي وضع.

back to top