«رقصة واحدة لا تكفي» يتتبَّع تحوُّلات ياسمين

قصة صبية من أب عراقي وأم هولندية تحطم قيود مجتمعها

نشر في 07-08-2019
آخر تحديث 07-08-2019 | 00:01
غلاف رواية «رقصة واحدة لاتكفي»
غلاف رواية «رقصة واحدة لاتكفي»
كتاب «رقصة واحدة لا تكفي»... جديد رشا الصيدلي، عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، وتدور أحداثه حول صَبية لأب عراقي وأم هولندية، عانت فروقاً اجتماعية في بلد الوالد، وواجهت مصيراً قاسياً كاد أن يحطمها، فهل تستسلم خانعة حياله؟ أم تناضل بحزم لكسر أنيابه وتهزمه؟
في «رقصة واحدة لا تكفي» لرشا الصيدلي، يقرأ المطالع صنوف العذاب الذي عاشته البطلة في مواجهة قدر شرس رماها أمام واقع مرير محفوف بمخاطر الحياة وتقلُّباتها، وأمام غدر أقرب المقربين منها، وكيف اجتازت

«ياسمين» دروب القهر والحرمان والبعد القسري عن أهلها.

خسارة الوالدين

ولدت ياسمين في بيئة هولندية، وعاشت بين والدين يفرّقهما خصامٌ دائم فطَر قلبها وشتّت عزمها. وبعد موت والدها انصرفت أُمها عنها باحثة عن حياة جديدة وزواج للمرة الثانية، فأبعدتها إلى العراق حيث أهل الوالد المتوفي، ليعتنوا بياسمين.

وتغيرت حياة ياسمين كُلياً بانتقالها من بلد الحُريات إلى بلد فرضت فيها القيود والمحرمات، ومن مجتمع منفتح واسع الأُفق، لا تمييز فيه بين أي إنسان وسواه، إلى محيط مغلق تسوده معتقدات وعادات غريبة، وقد ضيق عمها وعمتها الخناق عليها، ومزقوا جوازها الهولندي، ولم يمنحاها جوازاً عراقياً.

الكُلية والرقصة

وبعد زمن مرير أمضته ياسمين عند عمتها، اختطفت عصابةٌ زوجَ عمتها بسبب امتناعه عن دفع الفوائد العالية لمبلغ استدانه من رئيس العصابة «غزوان»، وليتحرر من قبضة العصابة فُرض عليه وَهْب إحدى كليتيه.

وتملك الرعب أوصال عدنان زوج عمتها، التي جعلت تجهش بالبكاء، فنظر غزوان إلى ياسمين، وقال وابتسامة خبيثة تعلو محياه: أرى حلاً آخر قد يرضي عدنان، بشرط أن ترقص ياسمين في المقهى الذي أملكه!

ولم يظهر على وجه ياسمين أي تعبير يدل على استيائها، وفي الموعد المحدد صعدت المسرح حافية القدمين، بملابس تظهر مفاتن جسدها الممشوق، فأخذت ترقص على أنغام حماسية بتناغم شديد، بينما الكاميرا في أعلى السقف تصور مجريات الحدث، وغزوان يتطلع إليها بنهم والى جانبه صديقه نور.

طفولة غزوان

ولم تكن طفولة غزوان طبيعية، بل كانت مثخنة بالعنف؛ فقد نشأ مع زوجة أبيه التي كانت تعاقبه بقسوة، وتتجاهل وجوده وهو طفل لم يتجاوز العاشرة بعد، فنما الحقد في قلبه، ومالت تصرفاته الى العدوانية، واعتبر أن من يملك المال يمتلك السلطة.

وقاموس غزوان لا يعرف غير أمرين: إما أن تكون سيداً، وإما خادماً، فياسمين بالنسبة اليه غدت جارية اشتراها يوم وافقت على عرضه، فإن شاء أطلق سراحها، وإن شاء أبادها بشريط مصور ينسف حياتها، لكن حلمه لم يتحقق عندما أراد مواعدتها فأبت وانصرفت.

غريم جديد

ويرافق ياسمين في صف النحت في الجامعة زميل يدعى نور، وهو صديق أيضاً لغزوان، وقد شدت ياسمين أنظار نور وغدت شمساً تشرق في حياته، وغزت الفوضى حواس ياسمين بعد اقتحام غزوان ونور عالمها، فنظرات نور الدافئة شوهت عقلها وأغرتها بترك حلم الحرية الذي تتطلع إليه، وإصرار غزوان العجيب على رقصة ثانية وضعها أمام خيارين: إما أن تصبح خليلته أو تغادر أرض العراق نهائياً.

هذا أمرٌ جعلها في توتر شديد، لكن بوصلة قلبها توجهت نحو نور، ورأت من خلاله الضوء الذي سوف تسير على هديه، فإن تخلى عنها كما فعل بعضهم، فستفقد رغبة العيش تماماً في بلد أبيها، ولم تدر ياسمين أن غزوان كان يراقبهما، وأن أحد أزلامه كان يصور كل تحركاتهما.

الحل الوحيد

لم تأبه ياسمين لتهديدات غزوان، ووجدت في نور الحل الوحيد الذي يحقق حلمها، فتحصل على جواز سفرها بواسطة رجل تحبه، وفكرت من جهة أُخرى أن نور وغزوان بمثابة شقيقين، وبالتالي لن يتجرأ غزوان على طعن زوجة صديقه المستقبلية، وإن فعل فسيكون نور درعاً يحميها.

ودعا نور صديقه غزوان الى حفل خطوبته مع ياسمين، فاعتذر هذا الأخير بحجة السفر، وقد كان قلبه يهتاج غيرةً وحسداً، وتمت الخطوبة في قاعة مزينة بالأزهار، وحرص نور على أن يعطر الأجواء بعبق الياسمين.

الخديعة تنكشف

من لا يعتقد أن للقدر مخالب تحول السعادة الى شقاء؟ ومن يحسب أن الحقيقة لن تظهر يوماً ولو طال الزمن؟

فعندما كانت ياسمين ترقص في الملهى أمام الحاضرين، لم يتمكن أحد من رؤية تفاصيل وجهها المغطى بشعرها الطويل. وعندما حاول نور التعرف إليها، احتال غزوان عليه بالاتفاق مع صبية ادعت أنها هي التي ترقص في تلك الليلة.

واليوم، دعا نور خطيبته ياسمين لمشاهدة بيتهما الجديد حيث لاحظت تمثالاً بلون الصلصال لجسد فتاة راقصة سترت وجهها بمظلة متموجة، وانسدل شعرها على رقبتها وكتفيها، فسألته عنها، فأجاب بأنها فتاة الملهى الراقصة، وأخرج من جيبه هاتفه المحمول الذي سجل فيديو الرقصة التي أدتها.

وتجمدت عينا ياسمين على الشاشة، واعترتها الدهشة، هل تعترف له بأنها هي تلك الفتاة الراقصة، أم تخفي الحقيقة بصمت يشعرها بخزي يهدد حياتها!

واعترفت ياسمين بصوت متوجس أنها هي تلك الفتاة التي رقصت مرغمة بدافع حصولها على جواز سفر، لكن الخبر وقع كالصاعقة على رأس نور فصفعها بقوة وطردها شر طردة، وهو يحطم كل ما وقع تحت يديه.

ويشعر القارئ في هذه الرواية بأن الكاتبة متقمصة دور البطلة، وقد تكون البطلة نفسها التي عاشت هذه المعاناة.

ياسمين ولدت في بيئة هولندية وعاشت بين والدين يفرّقهما خصامٌ دائم
back to top