على الولايات المتحدة إعادة النظر في التزاماتها مع حلفائها!

نشر في 19-07-2019
آخر تحديث 19-07-2019 | 00:00
ترامب - كيم جونغ أون - حسن روحاني
ترامب - كيم جونغ أون - حسن روحاني
يمكن أن يتابع القادة الأميركيون الوثوق بفاعلية الردع المباشر، أما الردع الموسّع في شرق آسيا والشرق الأوسط، فيحمل مستوىً هائلاً من المخاطر الراهنة والمرتقبة، ويُفترض أن تُبلِغ واشنطن حلفاءها أنها لم تعد مستعدة لتحمّل عواقب هذه المجازفة.
ثمة نقطة مشتركة بارزة في مطالب واشنطن من كوريا الشمالية وإيران معاً، ففي الحالتين أصرّ المسؤولون الأميركيون في إدارات مختلفة على أن يتخلى خصومهم عن أي طموح بامتلاك أسلحة نووية أو إمكانات هائلة في مجال الصواريخ البالستية، حيث يتعلق افتراض كامن باحتمال أن تطرح طهران أو بيونغ يانغ تهديداً غير مقبول على السلام الإقليمي وعلى الأمن الأميركي أيضاً، حتى لو اكتسبتا ترسانة نووية صغيرة.

يبقى القلق من تهديد الأراضي الأميركية مستبعداً، إلا إذا تابعت واشنطن تعريض أمنها للمخاطر دفاعاً عن حلفاء وعملاء أمنيين ضعفاء، وهذا التحذير يكشف عن اختلاف محوري بين الردع المباشر (أي صدّ الاعتداءات على البلد) والردع الموسّع (أي صدّ الاعتداءات على طرف ثالث)، ويحمل الخيار الأول مصداقية عالية، على عكس الخيار الثاني.

وقد نجحت الولايات المتحدة في ردع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، مع أن البلد كان يمتلك آلاف الأسلحة النووية والصواريخ البالستية المتطورة، لكن القادة الأميركيين كانوا يثقون بعقيدة الدمار المتبادل المؤكد، بمعنى أنّ موسكو لن تهاجم الأراضي الأميركية مطلقاً لأنها تعرف أن الضربة الانتقامية الأميركية ستكون مدمّرة، وستهدف إلى القضاء على الاتحاد السوفياتي كمجتمع فاعل، وحذرت واشنطن الكرملين من إطلاق ضربة مماثلة إذا شنّت موسكو هجوماً على الولايات المتحدة، وإذا هاجمت القوات السوفياتية الحلفاء الأوروبيين لواشنطن أو شركاءها الأمنيين الأساسيين في شرق آسيا.

وبما أن الحرب الباردة انتهت بهدوء، استنتج القادة الأميركيون أن الردع الموسّع نهج ناجح ويمكن تطبيقه عموماً في حقبة مختلفة وفي ظروف مغايرة، لكن قد يكون هذا الافتراض خاطئاً جداً. صحيح أن المسؤولين في الكرملين مقتنعون بأن الولايات المتحدة مستعدة للمجازفة بشن حرب نووية دفاعاً عن أبرز المواقع الاستراتيجية والاقتصادية مثل أوروبا الغربية، لكنهم يشكّون في ميل واشنطن إلى تطبيق سياسة مماثلة لحماية بلدان صغيرة على الحدود الروسية، ويبدو احتمال سوء التقدير، في الحد الأدنى، أكبر من المعتاد.

كذلك يترافق الردع الموسّع مع مخاطر متزايدة على الولايات المتحدة في خضم مواجهتها لكوريا الشمالية وإيران، صحيح أن الأدلة غير جازمة في هذا المجال، لكن ربما اكتسبت بيونغ يانغ ترسانة نووية صغيرة أصلاً، وقد حرص النظام الكوري الشمالي حتماً على بناء نظام صاروخي موثوق به، ولا يُعتبر البرنامج الإيراني متقدماً بالقدر نفسه، إذ لم تنفذ طهران أي اختبارات نووية (على عكس كوريا الشمالية التي أطلقت اختبارات متعددة منذ عام 2006)، كما أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» والمتعددة الجوانب التي وقّعت عليها طهران في عام 2015 تفرض قيوداً كثيرة على برنامجها النووي، وأدى انسحاب واشنطن من ذلك الاتفاق إلى استياء الحكومة الإيرانية، لكنّ طهران لم تتجاوز الحدود المسموح بها لتخصيب اليورانيوم بموجب تلك الخطة إلا في هذه المرحلة.

من الواضح أن واشنطن قلقة من الطموحات النووية التي يحملها خصماها، لكنّ احتمال أن تطلق بيونغ يانغ هجوماً متعمداً على الولايات المتحدة مستبعد جداً، وسيبقى الوضع على حاله حتى لو توسّعت ترسانتها النووية. اعتبر عدد من الخبراء أن الأسلحة النووية قد تشكّل أقوى أداة ردع، لكنها ليست مفيدة بالقدر نفسه للتخويف، وبدرجة أقل لخوض الحرب، فلا يمكن اللجوء إلى هذا الخيار الأخير إلا إذا قررت القيادة السياسية في أي بلد الانتحار شخصياً ووطنياً.

لا شيء يثبت أن قادة كوريا الشمالية، ولا حتى قادة إيران، يحملون هذه المواصفات، وحتى لو بنت إيران في نهاية المطاف ترسانة نووية صغيرة، فهي ستستخدمها على الأرجح لكبح أي طموحات تدعمها واشنطن لتغيير النظام بدل شن حرب انتحارية عبر مهاجمة الأراضي الأميركية.

لكن لا مفر من أن تزداد عوامل الخطر إذا أصرّت الولايات المتحدة على حماية حلفائها وعملائها في شرق آسيا والشرق الأوسط، ونظراً إلى الانقسام السياسي في شبه الجزيرة الكورية والتوتر الذي خلّفه في آخر سبعة عقود، يبقى احتمال اندلاع صراع مسلّح بين كوريا الشمالية والدول المجاورة لها قائماً أكثر من أي وقت مضى. كذلك، يرتفع احتمال أن تتورط الولايات المتحدة في صراع مماثل بسبب التزاماتها الأمنية مع سيول وطوكيو، ويمكن أن يتأجج الوضع حينها وتُقدِم كوريا الشمالية على شنّ اعتداء نووي ضد الولايات المتحدة.

تتراكم مخاطر مشابهة في الشرق الأوسط، حيث تدخلت الولايات المتحدة بكل غباء في خلافات إيران مع إسرائيل وقوى عربية أساسية، على غرار المملكة العربية السعودية. مجدداً يبقى احتمال أن تطلق إيران هجوماً مفاجئاً على الأراضي الأميركية مستبعداً جداً، حتى لو تسلّحت نووياً، وفي المقابل يتعلق احتمال وارد باندلاع الحرب بين طهران وأحد خصومها وخروج الصراع عن السيطرة وجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقعه، نظراً إلى التزاماتها الأمنية الضمنية مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

يمكن أن يتابع القادة الأميركيون الوثوق بفاعلية الردع المباشر، أما الردع الموسّع في شرق آسيا والشرق الأوسط، فيحمل مستوىً هائلاً من المخاطر الراهنة والمرتقبة، ويُفترض أن تُبلِغ واشنطن حلفاءها بأنها لم تعد مستعدة لتحمّل عواقب هذه المجازفة، ثم يجب أن يقرر هؤلاء الحلفاء مدى حاجتهم إلى بناء أنظمة ردع نووية متواضعة وخاصة بهم كسياسة أمنية جديرة بالثقة.

باختصار يجب أن تترك الولايات المتحدة المخاطر المطروحة على عاتق البلدان التي تستفيد مباشرةً من ردع كوريا الشمالية وإيران.

تيد غالن كاربنتر*

احتمال أن تطلق إيران هجوماً مفاجئاً على الأراضي الأميركية يبقى مستبعداً جداً حتى لو تسلّحت نووياً

على الولايات المتحدة أن تترك المخاطر المطروحة على عاتق البلدان التي تستفيد مباشرةً من ردع كوريا الشمالية وإيران
back to top