حان وقت التشدد البريطاني مع إيران

نشر في 19-07-2019
آخر تحديث 19-07-2019 | 00:00
نازانين زاغاري راتشكليف - تيريزا ماي
نازانين زاغاري راتشكليف - تيريزا ماي
أثبتت التطورات الأخيرة فشل طريقة وجهود المصالحة البريطانية مع طهران، وبدلاً من ذلك يتعين على الحكومة البريطانية اتخاذ أسلوب عمل أكثر قوة وحزماً، ولديها وفرة من الخيارات للقيام بمثل تلك الخطوة في الوقت الراهن.
اضطرت الحكومة البريطانية أخيراً الى اللجوء الى الفرقاطة الملكية «إتش إم إس مونتروز» من أجل منع القوات الإيرانية من مطاردة ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز، وهو الممر المائي الضيق الذي يقع بين الخليج العربي وخليج سلطنة عمان، ويتم عبر هذا المضيق الحيوي تصدير القسم الأكبر من نفط الشرق الأوسط.

من جهة أخرى وعلى الرغم من تأكيد إيران أنها لم تنتهك القانون الدولي من خلال محاولة الاستيلاء على ناقلة النفط البريطانية التجارية فإن هذه المحاولة من القرصنة لم تكن مفاجئة، وتجدر الاشارة الى أن الحكومة البريطانية كانت قد اتخذت أقصى درجات الحذر والاستعداد بعد أن حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من حدوث «عواقب» في أعقاب مساعدة البحرية الملكية البريطانية في احتجاز ناقلة نفط إيرانية كانت في طريقها إلى سورية، وهو إجراء يمثل انتهاكاً للعقوبات الدولية.

ويذكر أن الحكومة البريطانية ستسعى إلى نزع فتيل التوتر، ولكن يتعين على داونينغ ستريت اتخاذ موقف حازم في وجه طهران، وكان التساهل هو ما أوصل لندن الى هذه الفوضى المربكة في المقام الأول، بحسب مصادر سياسية مطلعة على الوضع.

وكانت بريطانيا في شهر يوليو من عام 2015 واحدة من الدول التي وقعت خطة العمل الشاملة المعروفة باسم اتفاق إيران النووي الى جانب ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا، وقد وضع ذلك الاتفاق قيوداً على برنامج الطاقة الإيراني في مقابل رفع العقوبات الدولية عن طهران، وبشكل أولي على الأقل كان يتوقع أن يمهد ذلك الاتفاق السبيل أمام تعاون أوسع وأكبر بين حكومة إيران والدول الغربية.

خطوات رئيسية

في غضون ذلك عمدت الحكومة البريطانية الى اتخاذ بعض الخطوات الرئيسة في ذلك الاتجاه، وعلى سبيل المثال وفي شهر أغسطس من عام 2015 أي بعد شهر واحد فقط من توقيع الاتفاق النووي المذكور أعادت الحكومة البريطانية فتح سفارتها في طهران، وكانت تلك السفارة وقبل ثلاثة أعوام ونصف العام– أي في عام 2011– قد أغلقت بعد أن اجتاحها أكثر من ألف من المتظاهرين الإيرانيين الغاضبين ونهبوا وعبثوا بمحتوياتها.

وفي مشاهد تذكرنا بما حدث للسفارة الأميركية في طهران في عام 1979 تم الاستيلاء على وثائق ونهب الموجودات واستبدال العلم البريطاني بالعلم الإيراني، وقد أشاح الحرس الإيراني بوجوههم بعيداً عن تلك المشاهد فيما كانت معاهدة فيينا التي تضمن حرمة السفارات الدولية تنتهك بصورة صارخة.

وكانت عملية إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران بعد إغلاقها قبل ثلاث سنوات ونصف السنة بادرة بارزة ومهمة لأن المملكة المتحدة كانت تجازف بسلامة موظفي السفارة، وهي خطوة لم تقدم عليها الحكومة الكندية بعد إغلاق سفارتها في طهران في عام 2012.

تجاهل المبادرة البريطانية

وعلى أي حال فقد تم تجاهل هذه البادرة البريطانية– وبعد أشهر قليلة فقط عثرت قوات الأمن البريطانية– إم آي 5– على ثلاثة أطنان من المتفجرات في منزل في شمال غرب لندن كان جهاز الموساد الإسرائيلي أبلغ السلطات البريطانية عنه، وتبين في وقت لاحق أن حزب الله المرتبط بإيران كان يخطط للقيام بهجوم واسع على المصالح الإسرائيلية على الشواطئ البريطانية، ولم يقتصر رد الحكومة البريطانية على الإشاحة ببصرها بل إنها مضت الى حد التغطية على تلك التطورات والتزمت الصمت حيالها بصورة واضحة.

وفي شهر أبريل من عام 2016 تم اعتقال المواطنة البريطانية من أصل إيراني نازانين زاغاري راتشكليف ومحاكمتها بتهمة التجسس، وهي تهمة نفتها الحكومة البريطانية بشدة، كما أن المنظمات الدولية تعتقد أنها مفبركة، وتم احتجاز راتشكليف في سجن إيفين السيئ السمعة في إيران المخصص للسجناء السياسيين وقد فشلت حتى الآن جهود وزارة الخارجية البريطانية الدبلوماسية في إطلاق سراح راتشكليف وعودتها الى عائلتها.

وقد ضاعفت التهم ضد راتشكليف الاشتباه في أن الجواسيس الإيرانيين ينشرون الرعب في أوساط المنفيين الذين يعيشون في بريطانيا، وتردد في الآونة الأخيرة أن الجواسيس الإيرانيين يحملون السلاح ويعمدون الى توجيه تهديدات علنية الى المنشقين الإيرانيين في شوارع أسكتلندا وهي خطوة تثير قلق الحكومة البريطانية الى حد كبير.

وفي شهر مايو من عام 2018 وبدلاً من الوقوف الى جانب شريكتها الأطلسية بعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، فقد اختارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التعبير عن التزام بلادها بذلك الاتفاق، كما أن المملكة المتحدة وقعت مع الاتحاد الأوروبي بياناً مشتركاً يقضي بالعمل نحو آلية تهدف الى حجب تأثير إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية.

فشل طريق المصالحة

وعلى أي حال فقد أثبتت التطورات الأخيرة فشل طريقة وجهود المصالحة البريطانية– وبدلاً من ذلك يتعين على الحكومة البريطانية اتخاذ أسلوب عمل أكثر قوة وحزماً ولديها وفرة من الخيارات للقيام بمثل تلك الخطوة في الوقت الراهن.

وعلى المملكة المتحدة السعي الى إصدار بيان دعم وإدانة لإيران من جانب اللجنة الأوروبية والبرلمان الأوروبي، وفي غضون ذلك، يتعين على بريطانيا أيضاً تحسين حضورها البحري في مضيق هرمز الى أن تتأكد من ضمان سلامة مصالحها تماماً.

وتجدر الاشارة الى أن الولايات المتحدة اعتبرت في الآونة الأخيرة الحرس الثوري الإيراني كياناً إرهابياً ويتعين على بريطانيا القيام بخطوة مماثلة، واذا لم تشمل تلك الخطوة الحرس الثوري كله فيجب أن تشمل على الأقل وحدة القدس فيه، والتي ترتبط بعدد من المجموعات الإرهابية في شتى أنحاء العالم.

الخطوات اللازمة

وفي غضون ذلك يتعين على بريطانيا استدعاء سفيرها في طهران للتشاور وإعطاء رجل طهران في لندن نصيحة قاسية حول السلوك الدبلوماسي على الأقل، كما يتعين على الحكومة أيضاً إعادة النظر في طبيعة العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وما إذا كانت راغبة في استمرار دعم الاتفاق النووي الإيراني، خصوصا أن الانتقال الى الجانب الأميركي يمكن أن يعطي بريطانيا بعض النقاط الجيدة لدى البيت الأبيض.

وبغض النظر عن الخطوة التي قد تقرر إيران اتخاذها يتعين على لندن التخلي عن أسلوبها التصالحي ليس لأنه فشل فقط، بل لأنه يعرض المصالح البريطانية للخطر، كما أن عليها توجيه رسالة شديدة اللهجة الى حكومة طهران في هذا الصدد.

سايمون والدمان*

back to top