«حان أوان النهوض» يناقش قدرة المرأة على التغيير

ميليندا غيتس دوّنت الدروس المستفادة في كتاب صدر بـ 28 لغة

نشر في 14-07-2019
آخر تحديث 14-07-2019 | 00:02
غلاف «حان أوان النهوض»
غلاف «حان أوان النهوض»
ميليندا غيتس، زوجة الملياردير بيل غيتس، إحدى أقوى نساء العالم، وجدتْ بعد خبرتها الطويلة أنّ النهوض بأي مجتمع يستدعي النهوض بنسائه، وهذا ما دفعها إلى مشاركتنا الدّروس التي تعلّمتها في أثناء عملها وأسفارها حول العالم، ودوَّنتها في كتابها «حان أوان النهوض»، الذي تُرجم فور صدوره إلى 28 لغة عالميّة، وصدر عن «الدّار العربيّة للعلوم ناشرون».
ما الذي دفع أغنى امرأة في العالم إلى إنشاء أكبر مؤسّسة خيريّة إنسانيّة تتجاوز الحدود، وتخترق أشدّ المجتمعات بؤساً، خصوصاً في إفريقيا، لتشاركهم معاناتهم، وتُبلسم جروحَهم، وتبحث عن الأطر التي تستطيع من خلالها النهوض بهم؟

حقوقٌ مهدورة

بعد عشرين عاماً من السفر في أقطار العالم، ودراسة مجتمعاته الفقيرة، تبيَّن لغيتس، أنَّ نهوض البَشَريّة لا يتمّ إلا إذا ساعَدنا المرأة على النهوض بدلًا من شدّها إلى أسفل، وفق ما جاء في كتابها «حان أوان النهوض».

لقد صادفت الكاتبة خلال رحلاتها ملايين النساء اللواتي يرغبن في اتّخاذ قرار الإنجاب وتحديد زمانه بأنفسهنَّ، لكنهنَّ عاجزات لعدم توافر وسائل منع الحمل. وثمَّة حقوق وامتيازات أُخرى حُرمتْ منها النساء والفتيات كالحقّ في اتّخاذ قرار الزواج وزمانه، والحقّ في الذهاب إلى المدرسة وكسب دخل، والعمل خارج المنزل، فضلًا عن الحقّ في إنفاق أموالهنّ، وتحديد ميزانيَّتهنّ، وممارسة نشاط تجاريّ، والحصول على قرض، والتملُّك، والانفصال عن الزوج، وزيارة الطبيب، وركوب الدرّاجة، وقيادة السيّارة، وارتياد الجامعة، ودراسة الكمبيوتر. وهذه الحقوق كلّها حُرمت منها النساء في مختلف أنحاء العالم، وفي بعض الأحيان، حُجبتْ عنهنّ هذه الحقوق بموجب القانون.

مشاهد لا تُنسى

أصبحت الكاتبة ناشطة اجتماعيّة بعدما اقتنعت أنّ كلّ امرأة ينبغي أن تتمتَّع بالقدرة على استخدام صوتها وإمكاناتها، وأنّ على النساء والرجال أن يعملوا معاً لهدم الحواجز، ووضع حدّ لأشكال التحيُّز التي لاتزال تعوّق النساء. وتذكر أنّها مرّت يوماً بإحدى البلدات، ورأت أُمًّا حاملًا، مع طفل على ظهرها، وكومة من عيدان الأغصان على رأسها. وكان واضحًا أنّها مَشَتْ مسافة طويلة حافية القَدَمَين في حين كان الرجال الذين رأتهم ينتعلون الشبشب، ويدخنون السجاير من دون أن يحملوا حطباً على رؤوسهم، ومن دون أطفال حولهم.

وأخبرها أحد الباحثين ذات مساء، أنّ عددًا هائلًا من الأطفال في البلدان الفقيرة يموتون بسبب الإسهال، وأنّه يمكن الحؤول دون وقوع هذا العدد من الوفيّات بواسطة إجراءات بتكلفة بسيطة، لكنّ لا أحد يقوم بها! فحارت ميليندا وزوجها بيل، كيف يخسر الأطفال حياتهم بلا سبب، ولا يحظى هذا الأمر باهتمام في الدّول الغنية، خصوصًا عندما علِما أن الأمراض التي تقتل الأطفال في العالم النامي، لم تكن مدرجة في جدول أعمال الباحثين في المختبرات الأميركيَّة.

مطالبة النساء

في إحدى رحلات ميليندا إلى مالاوي، رأت مئات الأُمّهات يقفنَ في طوابير طويلة، تحت حرارة الشمس اللّاهبة، للحصول على لُقاحات لأطفالهنّ، وقد أخبرنّها أنّهنّ قطعنَ 15 ميلًا سَيرًا على القدَمين، وحملنَ معهنّ طعامهنّ لهذا اليوم، ولم يحضرن الطفل الذي يحتاج إلى لُقاح فحسب، بل بقية أطفالهنّ أيضاً.

وكان بين هؤلاء أُمٌّ شابّة مع أطفال صغار، فسألتها ميليندا: هل أحضرتِ هؤلاء الأطفال الجميلين لإعطائهم الحقنة؟ فأجابت الأُمُّ: وماذا عن حقنتي أنا؟ لماذا يجب عليّ المشي مسافة عشرين كيلومترًا في هذا الحرّ الشديد لأحصل على حقنة لتنظيم نسلي؟

كان لهذه المرأة من الأطفال أكثر مما تستطيع إطعامهم، وكانت تخشى إنجاب المزيد. لكنّ قضاء يوم في المسير مع صغارها لتصلَ إلى عيادة نائية، واحتمال أن تضيع رحلتها سدًى لعدم توافر مخزون كافٍ من الدواء، كان محبطًا بالنسبة إليها. ولم تكن سوى واحدة من مئات الأُمهات العاجزات عن إطعام أطفالهنّ، واللّواتي يتوسَّلن للحصول على حقنة منع الحمل.

استبعاد الآخرين

في المجتمعات التي يسودها الفقر المدقع، يتمّ دفع النساء إلى الهامش إذ يُعتبرنَ غريبات. وعندما يعزل أي مجتمع كان، مجموعة من المجموعات، خصوصًا النساء، فإنّه يُنتج أزمة لا يمكن حلّها إلّا من خلال إعادة دمج المجموعة المعزولة. وهذا هو العلاج الأساسيّ للفقر، ولأيّ مَرضٍ اجتماعيّ تقريبًا: دمج المستبعدين المهمّشين وإعادتهم إلى أحضان المجتمع، وهذا يُعتبر التّحدّي الأكبر الذي يواجه البشر، وهو المفتاح لإنهاء انعدام المساواة المتجذِّر في العالم.

وتقول ميليندا: «يبدأ إنقاذ الأرواح بإعادة الجميع إلى داخل المجتمع، إذ تكون مجتمعاتنا أكثر ازدهاراً عندما تخلو من المستَبعدين، وهذا ما علينا أن نسعى لتحقيقه. علينا أن نواصل العمل للحدّ من الفقر والمَرض، وأن نساعد المستبعَدين على مقاومة مَن يبقيهم على الهامش... ولا تكفي مساعدة المستَبعَدين على شقّ طريقهم إلى الدّاخل، بل يأتي الانتصار الحقيقي عندما نكفّ عن طرد أحد إلى الهوامش».

تنظيم الأُسرة وأدوات التنمية

تملك غيتس هاجسَ تنظيم الأُسرة، بعدما قابَلتْ مينا التي أنجبت طفلًا قبل أسبوعَين. كان زوج مينا يعمل مقابل أجر يوميّ زهيد، لا يكفي لسدّ جوع أطفاله، وسبَّب إنجاب الطفل مشكلة إضافية للعائلة، وأُمّه لا تعلم كيف ستطعمه ولا أمل لديها في تعليمه. وفي لحظة حزن ويأس قالت مينا لها: «الأمل الوحيد الذي أملكه لمستقبل هذا الطفل، هو أن تأخذيه معك!»، ثمّ وضعت يدها على رأس شقيقه البالغ من العمر عامَين، وتابعت: «من فضلك، خذيه هو الآخر أيضًا!».

كانت هذه الأُمّ الشابّة تشعر بفشل تامّ، وتعيش معاناة شديدة، لدرجة أنّ ألم التّخلّي عن طفلَيها، كان أقلّ وطأة مِن ألم الاحتفاظ بهما. والسبب الرئيسيّ هو عدم توافر وسائل منع الحمل لتخفيف معاناة العائلة.

تريد النساء في البلدان ذات الدّخل المحدود، أن ينعم أطفالهنّ بالأمن والصّحة والتعليم، وأن ينجحوا في دراستهم ويكبروا ويكوّنوا أُسَرًا. وتنظيم الأُسرة هو الأهمّ لتلبية هذه الاحتياجات كلّها. وهذا ما جعل ميليندا تُبدي اهتماماً أكبر لتمكين المرأة من مساعدة زوجها عمليًا في المصانع والمزارع والبيوت.

من الأمور التي شغلت بال غيتس محاولة منح فرص التعليم إلى البلدات والقُرى، وترغيب الفتيات في الحصول على العِلم والمعرفة. ويعدّ التّعليم الخطوة الحيويَّة المطلوبة في مسار تمكين المرأة، ويؤهّلها للكسب والإدارة والقيادة، ويستمرّ مفعوله على المصلحة العامّة لأجيال مستقبليَّة.

لم تدع ميليندا حقلًا تربويًّا أو صحيًّا أو اجتماعيًّا إلّا خاضته من أجل إنهاض المرأة من كبوتها، وقد أثبتت الوقائع في مختلف الدّول التي عملت فيها مؤسَّسة بيل وميليندا غيتس، أنّها أدَّت دورًا رياديًا كبيرًا في نشر المساواة، وتحقيق الأهداف الإنسانيَّة تحت شعار: «الحُبّ هو الذي يوحّد قلوبنا وينهض بنا».

كلّ امرأة ينبغي أن تتمتَّع بالقدرة على استخدام صوتها وإمكاناتها

في المجتمعات الفقيرة تُدفَع النساء إلى الهامش إذ يُعتبرنَ غريبات
back to top