هل تعود الأفكار التي سحقها الأميركيون لقيادة العالم؟

نشر في 05-06-2019
آخر تحديث 05-06-2019 | 00:00
No Image Caption
في أعقاب الأزمة المالية مباشرة، امتلأت الأوساط الاقتصادية فجأة بمقالات ونقاشات حول كيف ومتى سيتحد العالم للبدء في تصميم نظام مالي جديد تماما، ليحل بدلا من نظيره الحالي الذي فشل بشدة، بحسب تقرير لـ "التلغراف".

لكن بعد تفادي الانهيار التام للنظام واستيعاب الأزمة المالية عبر غطاء من التيسير الكمي، تبددت مثل هذه المناقشات، والآن بعد عقد من الزمان عادت الأفكار الراديكالية حول إدارة الاقتصاد العالمي إلى الواجهة، حيث إن العواقب الاقتصادية لعام 2008 غذت التوجهات والخطابات السياسية.

تغيرات سياسية... وانعكاسات اقتصادية

- تتبنى الأحزاب السياسية برامج جديدة تتعهد من خلالها بإحداث تغيير، وفي حين يركز اليمين بشكل رئيسي على الهوية والوطنية، يميل اليسار إلى الفكر الاقتصادي الراديكالي الجديد.

- تولي هؤلاء السياسيين اليساريين للسلطة يعني أنه من الصعب تجنب الشعور بأن العالم يتجه نحو لحظة حاسمة بالنسبة للاقتصاد، من المرجح أن يطلق عليها مناصروها اسم "بريتون وودز جديدة"، على غرار الاتفاق العالمي الذي أقِر عقب الحرب العالمية الثانية.

ADVERTISING

inRead invented by Teads

- بعد كارثة الكساد العظيم والتضخم المفرط في ألمانيا وأزمات الجنيه الإسترليني المتكررة، كان هناك إجماع واسع النطاق على أن الاقتصاد العالمي فشل، وفي خطوة غير مسبوقة، أرسلت 44 دولة وفودا للاجتماع في أحد فنادق نيوإنجلند لسن نظام مالي جديد.

- استمر النظام الذي أفرزته محادثات "بريتون وودز" حتى عام 1971، وقاد فترة من النمو المرتفع أُطلق عليها اسم "العصر الذهبي للرأسمالية"، ويحرص السياسيون على استخدام هذه الرؤية في طرح أفكار جديدة.

- سبق للسناتور الأميركي "بيرني ساندرز" التحدث عن فكرة أطلق عليها "بريتون وودز التقدمية"، وكذلك وزير المالية اليوناني السابق "يانيس فاروفاكيس"، الذي أشار على مدار سنوات إلى حاجة العالم لـ "بريتون ووزد جديدة".

أفكار يسارية الأصل

- العالم ليس في وضع بنفس السوء الذي كان عليه عند إبرام اتفاق "بريتون وودز"، حيث كان قد شهد حربين كارثيتين على مدى جيل، وتبدو الأمور الآن هادئة نسبيا، ورغم الصعود الملحوظ للحركات الشعبوية السياسية، لكن لم تكن هناك ثورات أو حروب أو انهيارات عملة.

- لكن الثقة في الاقتصاديين والمؤسسات المالية اليوم أصبحت ضعيفة، كما كانت في ذلك الوقت، ولن يستغرق الأمر وقتا طويلا لقيادة العالم نحو بيئة أكثر تطرفا.

- طرحت العضوة اليسارية في الكونغرس الأميركي "ألكسندرية أوكاسيو كورتيز"، فكرة "الاتفاق الأخضر الجديد"، والتي تُعد تطورا للنظرية النقدية الحديثة، وتدور حول أن المعتقدات الحديثة بشأن الحاجة إلى قيود مالية على الإنفاق تمثل آثارا عفا عليها الزمن منذ عصر معيار الذهب.

- تواجه الحكومات الآن تحديا متمثلا في قلة الاستثمار والحاجة إلى إنفاق تريليونات الدولارات على البنية التحتية الجديدة، لكنها فشلت في إدراك قدراتها الفائقة على التمويل وخلق الوظائف وخفض الضرائب عن طريق طباعة النقود ببساطة، حيث يُعتقد أن المخاوف من التضخم المفرط مبالغ فيها.

- هناك فكرة ثانية تدعو إلى نسخة تقدمية من "بريتون وودز" أو ما يُسمى "الاتفاق الدولي الجديد"، ويتبناها "فاروفاكيس" وغيره من الاقتصاديين اليساريين مثل "آن بيتفور"، والتي تدعو إلى معالجة الاختلالات العالمية بين البلدان المدينة والدائنة.

فرصة لطرح حلول صينية

- يتطلع "فاروفاكيس" إلى الفكرة الأصلية لـ "جون مينارد كينز" في "بريتون وودز"، والتي ضرب الأميركيون بها عرض الحائط، وهي فكرة إنشاء اتحاد مقاصة دولي، وتضمن وجود عملة دولية يتم من خلالها تسوية جميع التعاملات بالكامل.

- عندها ستوافق جميع الاقتصادات الكبرى على فرض الضرائب عليها لحمايتها من الاختلالات، وبدلا من تثبيت أسعار الصرف مقابل الدولار (وقبل ذلك أمام الذهب)، فإن "بريتون وودز" الجديدة ستسمح للعملات بأن تطفو، لكنها ستفرض ضرائب على حركات رأس المال الكبيرة لمحاولة كبح قوى السوق.

- إذا كان دعاة "الاتفاق الأخضر الجديد" من اليسار الأميركي، ويأتي مناصرو "بريتون وودز" الجديدة من أوروبا، فإن الساحة المتبقية للأفكار الأخرى الخاصة بالبلدان غير العضوة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقودها الصين بالتأكيد.

- تدير الصين بالفعل نظامها المالي الخاص بطريقة مختلفة جذريا عن الغرب، مع قيود صارمة على عملتها وتدفقات رأس المال، وتؤكد أن قواعد التجارة والمؤسسات العالمية يجب أن تصلح نظام الحوكمة الخاص بها لتعكس التحولات فائقة الأهمية الاقتصادية.

- بمعنى آخر، تطمح بكين للحصول على مزيد من القوة والنفوذ، وتدعو إلى تعديل القواعد العالمية لإضفاء الشرعية على نموذجها الاقتصادي المركزي وسياساتها التجارية.

اليمين يفقد أرضيته

- في مواجهة هذا الكم الكبير من التحديات، غالبا ما يكون الاتجاه السائد لدى اليمين السياسي هو التجاهل، لكن ما لم يأتِ اليمين بإجابته الحاسمة للمشاكل المتمثلة في انخفاض الأجور والإنتاجية والتركيبة السكانية، فسوف يخلق حالة من الفراغ تزدهر فيها مثل هذه الأفكار اليسارية.

- إنها مسألة وقت فقط قبل أن تتحول الحكومات ويعتلي أصحاب التوجهات الأخرى السلطة، ولم يكن فوز "دونالد ترامب" واختيار البريطانيين لـ "بريكست" سوى أعراض للرغبة في التغيير أكثر من أنهما خياران قائمان على برامج اقتصادية شاملة.

back to top