بوتين يتصرف مثل الساعي إلى الحرب

نشر في 03-05-2019
آخر تحديث 03-05-2019 | 00:00
مجموعة من أسلحة المستقبل الروسية ومنها الطائرات المسيرة تحت الماء وكرة النار الأسرع من الصوت
مجموعة من أسلحة المستقبل الروسية ومنها الطائرات المسيرة تحت الماء وكرة النار الأسرع من الصوت
كي نفهم الخطر الذي يمثله فلاديمير بوتين للولايات المتحدة وللعالم كله، علينا فحص بواعث الرئيس الروسي الذي تُملى سياساته من خلال قناعات عميقة وطموحات متجذرة بقدر أقل في الوطنية الروسية منها في الوطنية السوفياتية.
كان التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2016 بمثابة هجوم على سيادتنا لا يمكن تجاهله، ولكن يتعين علينا ألا نسمح له بأن يصرف انتباهنا عن الخطر الأكبر الذي يمثله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للولايات المتحدة وللعالم كله.

ولكي نفهم ذلك الخطر يتعين علينا فحص بواعث بوتين الذي تملى سياساته من خلال قناعات عميقة وطموحات متجذرة بقدر أقل في الوطنية الروسية منها في الوطنية السوفياتية، وفي تفكير سيد الكرملين فإن نهاية الاتحاد السوفياتي كانت ظلماً تاريخياً عميقاً لحق ببلاده على يد متآمرين من الخارج وخونة من داخل البلاد. وأصبحت مهمته الانتقام من مسببي هذه المأساة عن طريق استعادة روسيا لبعض الأصول الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية التي فقدتها عند انهيار الاتحاد السوفياتي.

وبالنسبة الى الرئيس الروسي، وكما أوضحت سياساته مراراً وتكراراً، فإن الأهم من بين تلك السياسات هو استعادة موقع الاتحاد السوفياتي على شكل بديل وجودي– من الوجهتين العسكرية والمعنوية– للولايات المتحدة، وهو يقول في دعاياته الرسمية إنه «يرفع روسيا للوقوف على قدميها» ولجعل الولايات المتحدة تدفع ثمناً غالياً في مقابل الاذلال الذي ألحقته بالاتحاد السوفياتي.

وسواء بسبب طفولته القاسية في أكواخ لينينغراد في فترة ما بعد الحرب أو تدريباته في لعبة الجودو يعتبر بوتين أن المواجهة المباشرة هي الإجراء النهائي لاختبار الرجولة، وهو يعتبر أن الفوز في هذه الأعمال يشكل برهاناً على التفوق بالنسبة الى الرجال والى الدول.

وبالنسبة الى بوتين كان النجاح الجيوسياسي الأبرز الذي حققته روسيا في السنوات القليلة الماضية هو احتلال وضم شبه جزيرة القرم، وهو يشدد على أن نجاح تلك العملية يرجع الى حد كبير الى أسلوبه في المتابعة الشخصية، وقال في مقابلة ذات مرة «هل تعلم ماذا كانت ميزتنا؟ لقد كانت تعاملي الشخصي مع تلك العملية».

يذكر أن عدوان بوتين على القرم أثمر بشكل جيد على الصعيد السياسي حيث ارتفع تأييده في أوساط المواطنين الروس الى آفاق واسعة جداً من مستويات متدنية هبطت الى 61 في المئة في نهاية عام 2013 لتصل الى ارتفاع قياسي وصل الى 86 في المئة في شهر أكتوبر من عام 2014.

وقال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف في تصريح في العام الماضي إن بلاده في حالة «مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة» وتطابق سياسات بوتين هذه التقييمات تماماً.

ويشعر الرئيس الروسي بسعادة كبيرة عندما يتحدث عن أسلحة بلاده النووية الموجهة الى الولايات المتحدة، وخصوصا الى الدفاعات الصاروخية الأميركية وهو يكرر ذلك في أكثر من مناسبة، ولم يسبق أن تباهى رئيس روسي بما تملكه بلاده من أسلحة نووية كما يفعل بوتين.

وفي الخطابين الأخيرين السنويين أمام الجمعية الفدرالية الروسية في الآونة الأخيرة عن حال روسيا اختتم كلمته بالإشادة بالترسانة النووية الروسية التي تم تحديثها في ظل رعايته والتي تشتمل على أثقل وأسرع وأطول مدى من الصواريخ، كما تطرق الى مجموعة من أسلحة المستقبل مثل الطائرات المسيرة تحت الماء وكرة النار الأسرع من الصوت التي وصفتها روسيا بأنها «تشيرنوبيل طائر» إضافة إلى السماح بإنتاج أسلحة تكلف نحو تريليون دولار (وبلغ الناتج المحلي الإجمالي الروسي في العام الماضي 1.6 تريليون دولار).

ويتمثل الخطر الأكبر الذي تطرحه النزعة العسكرية لدى بوتين في تهديد الدول المجاورة لروسيا، وقد أعاد تشكيل المقاطعة الغربية العسكرية التي تأسست في عهد الفترة السوفياتية وألغاها بوريس يلتسين، وتواجه دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي مثل لاتفيا وأستونيا اليوم ما بين 350 ألف جندي و400 ألف جندي عبر الحدود مع روسيا، إضافة الى جيش من الدبابات وأكثر من 100 طائرة نفاثة مقاتلة و4 أسراب من القاذفات البعيدة المدى وصواريخ روسية تطلق من السطح الى الجو، وهي الأحدث في الترسانة الروسية حتى الآن. وتشعر هذه الدول بقلق من احتمال التعرض الى عملية على غرار ما حدث في شبه جزيرة القرم وخسارة أجزاء من أراضيها.

وأشاد بوتين بالطريقة التي اتبعها الاتحاد السوفياتي في تغذية المشاعر القومية في جيل الشباب وطرح برنامجين يحاكيان ما قامت به المديرية السياسية السوفياتية السابقة في القوات المسلحة التي كانت تضطلع بمسؤولية الدعاية والسيطرة العقائدية، واعتباراً من العام الماضي تم تسجيل 380 ألف شاب في سن الخدمة العسكرية (18 عاماً) فيما يعرف باسم جيش الشباب الذي تأسس في سنة 2016 من أجل «زرع القومية والحوافز الإيجابية إزاء الخدمة العسكرية».

ويتمتع أفراد هذا الجيش بأفضلية في دخول الجامعات، ومن المتوقع أن يرتفع عددهم الى أكثر من مليون شخص بحلول وقت الذكرى الخامسة والسبعين للانتصار في الحرب القومية الكبرى التي تعرف باسم الحرب العالمية الثانية في فصل الربيع المقبل.

استعداد بوتين للحرب

قد يكون التوقيت الذي اختاره بوتين للاستعداد للحرب هو الأسوأ، ويعتقد أن النمو الاقتصادي سوف يتراجع لسنوات عديدة مقبلة كما أن الدخل الشخصي هبط للسنة الخامسة على التوالي و68 في المئة من الروس يعتقدون أن بلادهم تعاني أزمة اقتصادية، وبحسب دراسة حديثة لوكالة الإحصاء الرسمية الروسية فإن 80 في المئة من العائلات الروسية يقل دخلها الشهري عن الحد المطلوب لشراء تشكيلة من سلع الحد الأدنى. ويعجز 35 في المئة عن شراء زوجي أحذية لكل فرد في العائلة، كما أن تصنيف بوتين هبط الى 64 في المئة، وفي حين يعتبر ذلك عالياً بالنسبة الى من يعيش في دولة ديمقراطية فهو رقم مثير للقلق لدى من يحكم بشكل مطلق.

وتجدر الإشارة الى أن الدستور الروسي يحظر على بوتين الترشح لولاية جديدة في عام 2024 ولكن إذا أراد بوتين الذي يريد أن يحكم روسيا مدى الحياة أن يحصل على دعم شعبي لهذه الغاية فسوف يتعين عليه تحسين شعبيته قبل ذلك الوقت.

والسؤال هو كيف يتمكن من تحقيق ذلك؟ لقد طرح بوتين نفسه في صورة رئيس زمن حرب يدافع عن الوطن، وهو مصمم على إعادة بلاده الى عهد انتصارات القوة العظمى، ولعل أفضل طريقة من أجل تحقيق هذه الغاية تتمثل في إنجاز كل أهدافه التي سبق أن طرحها بدلاً من أن يقاتل ويكسب نزاعاً عسكرياً جديداً.

ليون آرون

بوتين طرح نفسه في صورة رئيس زمن حرب يدافع عن الوطن وهو مصمم على إعادة بلاده الى عهد انتصارات القوة العظمى

إذا أراد بوتين الساعي لحكم روسيا مدى الحياة أن يحصل على دعم شعبي لهذه الغاية فيتعين عليه تحسين شعبيته
back to top