السودان: اعتصام «القيادة» يتسع والجيش يتجه إلى فضّه
• المؤسسة العسكرية تتمسّك بالبشير قائداً أعلى وتنفي وجود انقسامات في المنظومة الأمنية
• المهدي يدعو إلى تسليم السلطة لقيادة عسكرية
• سفارات غربية تطالب بخطة انتقالية
سودانيون يتظاهرون في الخرطوم أمس (أ ف ب)
تحولت شابة سودانية تشارك في الاحتجاجات إلى أيقونة للحراك الشعبي في السودان، بعد أن جرى تداول صور وفيديوهات لها وهي تعتلي أسطح سيارات، وتثير حماسة المتظاهرين بأغان ثورية. وعرفت الشابة في وسائل التواصل بهاشتاغ «#كنداكةـ سودانية». وكلمة كنداكة تطلق على الملكات النوبيات قديماً.
اتسع نطاق الاعتصام الذي تنظمه المعارضة السودانية أمام القيادة العامة للجيش لليوم الرابع، في حين نفى الجيش تخليه عن نظام الرئيس البشير، مؤكداً عدم وجود أي انقسامات في صفوفه أو خلافات مع أجهزة أمنية أخرى.
فشلت محاولتان، أمس، قامت بهما قوات سودانية نظامية لم تتضح هويتها لفض الاعتصام الذي تنظمه المعارضة لليوم الرابع على التوالي أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، وتقول إنها ستستمر به حتى تنحي الرئيس عمر البشير عن السلطة.إلا أن تصريحاً للمتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، اللواء أحمد الشامي، قال فيه إن قيادة المؤسسة العسكرية قررت منع التظاهر، أوحى أن الجيش يتجه لفض الاعتصام، بعد أن تردد أنه منع ذلك على مدى اليومين الماضيين.
فض الاعتصام
المحاولة الأولى لفض الاعتصامات جرت فجراً. وتحدث شهود عيان عند اندلاع اشتباكات بين عناصر من الجيش وأفراد من أجهزة أمنية حاولت بالقوة تفريق المعتصمين. وأضافوا أن الجيش سيطر على الوضع وطرد القوة المهاجمة. وقبل ذلك، أطلقت قوّات الأمن الغاز المسيّل للدّموع على آلاف المتظاهرين.وفي المرة الثانية، ذكر شهود أن أفرادا من جهاز الأمن والمخابرات الوطني أطلقوا أعيرة في الهواء، في محاولة جديدة لتفريق المعتصمين. وأضافوا أن القوات حاولت اقتحام المنطقة بشاحنات خفيفة.وأوضح شاهد لـ «رويترز» أن جنودا من الجيش يحرسون القصر الرئاسي المجاور في مركبات مدرعة، لكنهم لا يتحركون ضد المتظاهرين.وأمس الأول انتشر الجيش أمام القيادة العامة، وقام أمس بتوسيع نطاق انتشاره الى كيلومتر واحد.وأظهرت أشرطة مصورة ضباطاً في الجيش يختلطون بالمتظاهرين، ويقومون بتهدئتهم، بينما شوهد جنود بأسلحتهم وهم يهتفون الى جانب متظاهرين.
الشرطة
وأصدرت قيادة الشرطة، أمس، بياناً دعت فيه جميع عناصرها الى عدم التعرّض للمواطنين والتجمّعات السلمية.وأكد البيان: «لقد ظلت قوات الشرطة خلال الأحداث الأخيرة تؤدي واجباتها في إطار القانون، وبعد اطلاع هيئة الإدارة على تطورات الأحداث الأمنية والجنائية في البلاد، أصدرت توجيهاتها لكل قوات الشرطة بالمراكز والولايات بعدم التعرض للمواطنين والتجمعات السلمية وحفظ الأرواح والممتلكات ومنع الجريمة وتنظيم المرور وإجراءات السلامة العامة».الجيش ينفي
وفي وقت سابق، نفى الجيش السوداني نيته عزل الرئيس عمر البشير، وتمسّك به «قائداً أعلى للقوات المسلحة». ونفى اللواء الشامي والفريق أول الركن عوض بن عوف، النائب الأول للرئيس السوداني، وزير الدفاع، أن يكون البشير على وشك التنحي.وشدّد بن عوف خلال اجتماع لكبار قادة الجيش، على أن «القوات المسلحة هي صمّام أمان السودان، ولن تفرط في أمنه وسلامة مواطنيه، كما أنها لن تسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى».واتهم «جهات» لم يسمّها «بمحاولة استغلال الأوضاع الراهنة لإحداث شرخ في القوات المسلحة، وإحداث الفتنة بين مكونات المنظومة الأمنية»، مؤكدا أنه «لن يتم السماح بذلك مهما كلف من تضحيات». وأضاف «أن القوات المسلحة تقدّر أسباب الاحتجاجات، وهي ليست ضد تطلّعات وطموحات وأماني المواطنين».رئيس الأركان
وفي بيان منفصل، شدّد رئيس الأركان المشتركة كمال عبدالمعروف على «وحدة وتماسك المنظومة الأمنية (القوات المسلحة، قوات الشرطة، جهاز الأمن والدعم السريع)، وقيامها بواجباتها في حفظ الأمن وحماية المواطنين في تكامل وتنسيق للأدوار».وكان وزير الإعلام والاتصالات، الناطق الرسمي باسم الحكومة، حسن إسماعيل، قد نفى التقارير التي أشارت الى أن البشير بات أقرب الى تسليم السلطة للجيش.البشير من جانبه، قال في اجتماع المكتب القيادي لحزب «المؤتمر الوطني» الحاكم أمس الأول، إن «حفظ الأمن والاستقرار أولوية، وإن الشعب السوداني يستحق الطمأنينة، وإنهم سيعبرون الأزمة أكثر قوة وتماسكا»، داعيا إلى «استخلاص العبر والدروس من هذا الابتلاء».في المقابل، دعا «تجمع المهنيين السودانيين» المعارض السودانيين في الخرطوم إلى الخروج والالتحاق باعتصام القيادة العامة، وإلى استخدام مكبرات الصوت في المساجد لحضّ الجميع على الخروج ومساندة المعتصمين.بدوره، اعتبر رئيس «حزب الأمة» الإسلامي القومي المعارض الصادق المهدي أن «الاعتصام المليوني أمام مقر القيادة العامة يمثّل استفتاء حول رغبة الشعب في تنحي النظام».وطالب المهدي بتحقيق دولي لكشف حقيقة محاولة ملثمين مجهولين فض الاعتصام فجر أمس، مشيراً الى سقوط 20 قتيلا بينهم عسكريون في أثناء الهجوم.وخيّر المهدي في مؤتمر صحافي، نظام البشير «بين الاستمرار في المواجهة الخاسرة وسفك مزيد من الدماء دون جدوى، أو تسليم السلطة الى قيادة عسكرية مؤهلة تتفاوض مع ممثلي الشعب لبناء نظام جديد ومؤهل لتحقيق السلام والديمقراطية». وأشار إلى احتمال إقدام البشير على التفاوض بنفسه مع القوى الشعبية لإقامة نظام جديد قومي.السفارات
واعتبرت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، أمس، أنه آن الأوان للسلطات السودانية لكي تعرض «خطة انتقال سياسي تحظى بمصداقية» في مواجهة التظاهرات ضد النظام التي تشهدها البلاد منذ أشهر.وأكدت سفارات الدول الثلاث، في بيان مشترك نشر في الخرطوم: «لقد آن الأوان للسلطات السودانية لكي ترد على هذه المطالب الشعبية بطريقة جدية، وتحظى بمصداقية». وأضافت أنه يجب على السلطة أن تضع «خطة انتقال سياسي تحظى بمصداقية».وفي وقت سابق، حذرت وزارة الخارجية الأميركية السلطات السودانية من عواقب استخدام العنف ضد المحتجين.وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية تيبور ناجي: «ندعو حكومة السودان إلى إيقاف استخدام كل أنواع القوة ضد المتظاهرين، بما في ذلك الاعتصام القائم حالياً».كما دعا الاتحاد الأوروبي، أمس، السلطات السودانية إلى السماح بتنظيم التظاهرات السلمية.سودانيات في الشارع... وبالسجون
نددت نساء يتصدرن الصفوف الأولى للتظاهرات المعارضة للحكومة في السودان، بالنظام القائم في الخرطوم، وذلك خلال مؤتمر جمع في لندن نحو 100 طبيبة سودانية أو عاملة في المجال الطبي.وتؤكد الطبيبة إحسان فجري (65 عاما) مؤسسة حركة «لا لقمع النساء»، أن عددا كبيرا من النساء في عداد المتظاهرين الذين يطالبون منذ 19 ديسمبر برحيل الرئيس عمر البشير. وأضافت الأستاذة في «جامعة بحري» بالخرطوم، «أقرت هذه الحكومة منذ اليوم الأول قوانين ضد النساء. لا ترتدين بنطلونات، غطوا رؤوسكن، لا تتحدثن بصوت عال».وتقول سارة عبدالجليل (44 عاما) رئيسة الفرع البريطاني لنقابة الأطباء السودانيين، عضوة هيئة المهنيين السودانيين، التي تتصدر حركة الاحتجاج، إن النساء اليوم «في كل مكان، في الشارع، في السجون». وأوضحت الممرضة نعمت مالك (80 عاما) أن النساء في اطار نظام البشير، الذي حكم بالجلد على 15 ألف امرأة في 2016، كما تقول منظمات سودانية غير حكومية، «يُعاملن معاملة مواطنات من الدرجة الثانية».وأعربت مالك، الاستاذة في «جامعة أحفاد للنساء» في العاصمة السودانية، عن سرورها لمشاركة الشابات اللواتي تشكل الطالبات عددا كبيرا منهن، في التظاهرات، رغم عدائية قوى الأمن السودانية حيالهن.وتؤكد فجري أن الشابات اللواتي تتجرأن على التظاهر يتلقين تهديدات بالاغتصاب أو أعمال عنف جسدية. وتقول: «نحن، الأكبر سنا، يهددوننا بحرماننا من رؤية عائلاتنا». وهي شخصيا، احتُجزت طوال شهرين ونصف الشهر، كما تؤكد.