الجزائر: المجلس الدستوري يثبّت شغور الرئاسة والحراك يتواصل

ترحيب محلي ودولي باستقالة بوتفليقة... وجدل حول تولي رئيس البرلمان السلطة

نشر في 04-04-2019
آخر تحديث 04-04-2019 | 00:05
جزائريون يحتلفون بإعلان بوتفليقة الاستقالة أمس الأول (رويترز)
جزائريون يحتلفون بإعلان بوتفليقة الاستقالة أمس الأول (رويترز)
استيقظ الجزائريون، للمرة الأولى، منذ 20 عاما من دون أن يكون عبدالعزيز بوتفليقة على رأس السلطة، بعد استقالته مساء أمس الأول، بينما أثبت "المجلس الدستوري" شغور منصب رئيس الجمهورية، وأبلغ البرلمان، تمهيداً لتفعيل المادة 102 من الدستور التي تنظم إعلان مرحلة انتقالية للتحضير لإجراء انتخابات رئاسية.
غداة تقديم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة استقالته من منصبه، عقد "المجلس الدستوري" أمس اجتماعا ثبت فيه شغور منصب رئيس الجمهورية، وابلغ البرلمان بقراره، تمهيدا لتصويت النواب على تفعيل المادة 102 من الدستور التي تنظم دخول البلاد في مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية.

ووفق المادة 102 من الدستور الجزائري، يتولى رئيس مجلس الأمة "البرلمان"، عبدالقادر بن صالح، مهام رئيس الدولة لمدّة أقصاها 90 يوما، تنظّم خلالها انتخابات رئاسية، ولا يحق لرئيس الدولة المعيّن بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

وأخطر بوتفلیقة رسمیاً، مساء أمس الأول، رئیس "المجلس الدستوري"، الطيب بلعيز بقراره إنهاء عهدته بصفته رئیساً للجمهورية.

وجاء ذلك بعد وقت قصير من إعلان نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، أنه لا مجال للمزيد من تضييع الوقت، ويجب التطبيق الفوري للحل الدستوري.

وذكر بيان للجيش أن الأخير أمر فورا بمباشرة إجراءات إعفاء الرئيس بوتفليقة، بتطبيق المواد 7، 8 و102 من الدستور، للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد في ظل الحراك الشعبي الذي انطلق 22 فبراير الماضي.

استقالة تلفزيونية

وكان بوتفليقة ينوي الترشح لولاية رئاسية خامسة. غير أنّه قدّم رسالة استقالته إلى المجلس الدستوري، بحسب مشاهد بثها التلفزيون الوطني.

وبدا بوتفليقة متعباً، وقد ارتدى عباءة وجلس على كرسي متحرك. وقدّم رسالة استقالته إلى بلعيز.

وكان موجودا في القاعة نفسها إلى جانب الرئيس الجزائري، رئيس مجلس الأمة الذي يدور حالياً جدل حول صلاحيته لتولي إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية، وسط دعوات لاستقالته.

وحاول بوتفليقة، 82 عاما، الذي اختفى تقريبا عن الإعلام منذ 2013، إثر إصابته بجلطة دماغية، التشبث بالسلطة، مقدّماً الاقتراح تلو الاقتراح لتهدئة الشارع، من دون جدوى قبل أن يضطر إلى تقديم استقالته.

استمرار الحراك

ورغم فرحة الجزائريين بانتهاء حكم بوتفليقة، الذي استمر 20 عاما، فإنهم لا ينوون وقف حراكهم حتى رحيل "النظام كله".

وسُمعت أصوات أبواق السيارات في شوارع العاصمة ترحيبا باستقالة بوتفليقة، وسُجل ظهور بعض التجمعات خصوصا في ساحة البريد في العاصمة التي تتركز فيها التظاهرات الاحتجاجية مساء أمس الأول. وأطلِقت الأسهم النارية، بينما حمل المتظاهرون أعلام الجزائر. وخرجت احتفالات ظهر أمس في عدة مدن.

وأكد المتظاهرون عزمهم الاستمرار في الاحتجاج رغم الاستقالة التي "تترك القرار في أيدي أطراف النظام".

ترحيب ومطالبة

وتراوحت ردود فعل الطبقة السياسية، بين مرحب بتقديم بوتفليقة استقالته، وبين من اعتبرها خطوة مهمة يجب أن تتبع بتحقيق مطالب الشعب ببناء ديمقراطي حقيقي.

وهنأ رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس الجزائريين بالاستقالة، وبوقوف الجيش إلى جانب الشعب في المسيرات المليونية، مضيفاً أن "بوتفليقة عطل الجزائر طوال عشرين سنة، وعطل الجزائر أيضا في آخر أيامه".

كما أكد رئيس الحكومة السابق أن بيان الجيش الأخير كان "عظيما لقد تحدث عن العصابة وعن القوى غير الدستورية. لقد كان عظيما بدفاعه عن الوحدة الوطنية، والجدار الثاني الذي حافظ عليه الجيش الوطني هو إبقاء وحماية المسيرات والمظاهرات السلمية".

وأضاف أن الجزائريين ينتظرون تطبيق المادتين 7 و8 من الدستور اللتين تنصان على أن كل سلطة تستمد من الشعب.

من جهته، قال رئيس جبهة العدالة والتنمية عبدالله جاب الله، إنه يتعين وضع آليات انتقالية تبدأ بتشكيل مجلس رئاسي بمساعدة المؤسسة العسكرية، وتشكيلِ حكومة كفاءات وتنصيب لجنة وطنية لمراجعة قوانين الانتخابات.

ثمرة وتهافت

واعتبر القيادي بحزب العدالة والتنمية لخضر بن خلاف أن "استقالة الرئيس ثمرة أولى من ثمرات الهبة الشعبية يجب أن تتبعها خطوات أخرى ومنها ذهاب الحكومة الحالية".

ورأى بن خلاف أن الهبة الشعبية التي يقرر فيها الشعب من يحكم ليست قابلة للخطف أو القفز عليها مهما كان الوضع.

ووصف حزب تجمع أمل الجزائر استقالة بوتفليقة بـ"الخطوة المهمة والمخرج الدستوري السليم".

وقال رئيس حزب حركة مجتمع السلم، عبدالرزاق مقري، إن ما تداولته وسائل الإعلام للحظة تقديم الرئيس استقالته يظهر تهافت الحديث عن أنه كان غائباً عن الوعي في الفترة الماضية.

وأشار زعيم الحزب الإسلامي الأكبر في الجزائر عبر "فيسبوك" إلى أن ما يهمه هو نهاية "العهد البوتفليقي".

في السياق، أفادت تقارير بتحويل رجل الأعمال علي حداد المقرب من الرئيس المستقيل إلى سجن الحراش، بعد سماع أقواله أمام قاضي التحقيق.

وذكرت أن حداد مثل أمام قاضي التحقيق لدى محكمة بئر مراد رايس، حيث دامت جلسة الاستماع لساعات في التهم الموجهة إليه، لافتة إلى أن حداد سيخضع لتحقيق ثان مع فصيلة أبحاث الدرك الوطني التي ستحقق معه في اتهامات بالفساد.

وأشارت إلى أن حداد ورد اسمه ضمن قائمة الممنوعين من السفر احترازيا، بعد فتح تحقيق ابتدائي.

ردود دولية

في ردود الفعل الخارجيّة، وصف وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، أمس، استقالة بوتفليقة بـ"اللحظة المهمة في تاريخ الجزائر".

وقال لودريان، في بيان، إن الشعب الجزائري اظهر في الأسابيع الأخيرة إصراره على ايصال صوته للعالم من خلال التعبئة السلمية المستمرة. وأكد ثقة فرنسا بأن الجزائريين سيواصلون السعي إلى انتقال ديمقراطي بنفس روح الهدوء والمسؤولية.

واعتبرت الولايات المتحدة أن مستقبل الجزائر يقرّره شعبها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بالادينو، إن "الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة الفترة الانتقالية".

ودعا الكرملين إلى انتقال السلطة في الجزائر دون أي تدخل أجنبي.

وأشار المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي، ديميتري بيسكوف، إلى أن موسكو "تتابع بدقة الوضع الذي يعتبر من الشؤون الداخلية الجزائرية".

نص رسالة الاستقالة

فيما يلي نص رسالة استقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة:

"يشرفني أن أنهي رسمياً إلى علمكم، أني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيسا للجمهورية، وذلك اعتباراً من تاريخ اليوم، الثلاثاء 26 رجب 1440 هجري، الموافق لـ 2 أبريل 2019.

إن قصدي من اتخاذي هذا القرار إيماناً واحتساباً، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطني وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعياً بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحاً مشروعاً.

لقد أقدمت على هذا القرار حرصاً مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، للأسف، الوضع الراهن، واجتنابا (تجنبا) لأن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، والذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة.

إن قراري هذا يأتي تعبيراً عن إيماني بجزائر عزيزة كريمة تتبوأ منزلتها وتضطلع بكل مسؤولياتها في حظيرة الأمم.

لقد اتخذت، في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملا بصلاحياتي الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.

يشهد الله جل جلاله على ما صدر مني من مبادرات وأعمال وجهود وتضحيات بذلتها لكي أكون في مستوى الثقة التي حباني بها أبناء وطني وبناته، إذ سعيت ما وسعني السعي من أجل تعزيز دعائم الوحدة الوطنية واستقلال وطننا المفدى وتنميته، وتحقيق المصالحة فيما بيننا ومع هويتنا وتاريخنا.

أتمنى الخير، كل الخير، للشعب الجزائري الأبي".

تحويل رجل أعمال مقرب من بوتفليقة إلى السجن
back to top