هل يجب أن تتنازل فرنسا عن مقعدها في مجلس الأمن للاتحاد الأوروبي؟

نشر في 28-03-2019
آخر تحديث 28-03-2019 | 00:00
فرنسا من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في الأمم المتحدة وتتمتع بكل الامتيازات التي تحملها مكانة مماثلة، أما ألمانيا فقد انتُخبت أخيراً لتشغل مقعداً غير دائم في المجلس مدة سنتين، وهي ترغب في تحويل مكانة فرنسا كعضو دائم إلى مكانة أوروبية.
 معهد لوي للسياسة الدولية قررت فرنسا وألمانيا أخيراً التشارك في رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتعاون معاً في وضع الأجندة وإنجاز مهام الاتصالات العامة التي يشملها خلال الشهرين المقبلين، لكن ما يبدو رمزاً مهماً هو في الواقع مجرد قناع لإخفاء الخلافات بين الشريكين بشأن مقعد كل منهما في الأمم المتحدة.

فرنسا واحد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في الأمم المتحدة وتتمتع بكل الامتيازات التي تحملها مكانة مماثلة، بما فيها حق نقض (فيتو) أي قرار تعارضه، أما ألمانيا فقد انتُخبت أخيراً لتشغل مقعداً غير دائم في المجلس مدة سنتين، علماً أن هذا المنصب لا يحمل لها أي امتيازات خاصة، إلا أن ألمانيا ترغب في تحويل مكانة فرنسا كعضو دائم إلى مكانة أوروبية.

بكلمات أخرى تريد منحها للاتحاد الأوروبي ككل، إذ تواصل باريس رفض هذه الاقتراحات رفضاً قاطعاً، وقد يبدو هذا الخلاف للوهلة الأولى كما لو أن "الكبرياء" الوطنية الفرنسية تعوق طموحات ألمانيا المذهلة لأوروبا، ولكن عندما نتأمل هذه المسألة عن كثب ندرك أن العكس هو الصحيح.

بالونات اختبار ورفض قاطع

مع اقتراب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستصبح فرنسا العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي يملك مقعداً دائماً في هيئة صنع القرارات الرئيسة في الأمم المتحدة، ويظهر جلياً أن هذه تركيبة لا تروق لألمانيا، ولا عجب أن تمارس برلين ضغوطاً متزايدة على فرنسا منذ أشهر.

حرصت أنغريت كرامب كارينباور، خلف المستشارة أنجيلا ميركل في رئاسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، على الترويج لفكرة مقعد أوروبي في مجلس الأمن في الأمم المتحدة في مقال تحليلي نشرته أخيراً عن أوروبا، وأيدتها المستشارة الألمانية في هذه الفكرة، قائلةً إن مقعداً أوروبياً مماثلاً يشكّل "مفهوماً جيداً جداً للمستقبل" بما أنه "يساهم في جمع الأصوات الأوروبية في مجلس الأمن"، بما فيها صوت فرنسا.

وفي شهر نوفمبر عام 2018 أكّد نائب المستشارة الألمانية والديمقراطي الاجتماعي أولاف شولتس: "إذا أردنا أن نأخذ الاتحاد الأوروبي على محمل الجد، يجب أن يتكلم هذا الاتحاد بصوت واحد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فمن الممكن على المدى المتوسط تحويل مقعد فرنسا إلى مقعد للاتحاد الأوروبي"، وقبل ذلك بشهر أشار سفير برلين إلى الأمم المتحدة إلى محادثات متواصلة بشأن تشاطر المقعد الفرنسي (ليواجَه برفض فوري من السفير الفرنسي في واشنطن)، وقبل ذلك في شهر يونيو عام 2018، أصرت المستشارة الألمانية ميركل على ضرورة أن "يتكلم الأوروبيون بصوت واحد" في مجلس الأمن.

لا يُعتبر هذا المفهوم جديداً، فقبل نحو ربع قرن طُرحت فكرة مقعد أوروبي واحد إلا أنها لم تنل قبولاً كبيراً لاعتبار أنها "غير منطقية" و"سابقة لأوانها"، ومنذ ذلك الحين، تردد الدبلوماسية الألمانية باستمرار، بدعم من بعض الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي، أنها "تؤيد بقوة المقعد الأوروبي" مع أنها شككت في إمكان تحقيق ذلك في المستقبل القريب.

يجب ألا تتخلى عن شكها هذا، فكما أقرت المستشارة الألمانية ميركل بحد ذاتها، "ندرك جميعنا أن فرنسا تنظر بعين الريبة إلى فكرة مقعد أوروبي في الأمم المتحدة". وهذا مؤكد، فقد جاء رد فرنسا على المناورات الأخيرة فورياً وحازماً.

سيؤدي تخلي فرنسا عن مقعدها الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى خلل لا مفر منه في "المحرك" الألماني-الفرنسي في الاتحاد الأوروبي، فلطالما استند التوازن داخل هذا الثنائي المزعوم إلى فكرة ضمنية تعتبر أن قوة فرنسا الدبلوماسية-العسكرية توازن تفوّق ألمانيا الاقتصادي، ولا عجب أن يكون هدف جهود برلين، في حالة المقعد الدائم في مجلس الأمن كما في مسائل شتى ترتبط بالدفاع، إضعاف أو حتى تبديد ما تتمتع به فرنسا من مزايا نسبية بغية تغيير ميزان القوى في علاقتهما. فبإضفاء طابع أوروبي على أوراق فرنسا الرابحة (أي تغليفها بإطار جماعي)، تميل كفة الميزان لمصلحة ألمانيا، وقد يبدو هذا لبرلين هدفاً يستحق العناء، لكن المشكلة تكمن في أن هذا التوازن الفرنسي-الألماني الدقيق يمثل أيضاً أسس الاندماج الأوروبي ككل. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الهدف، كما يزعم القادة الألمان ويعتقد آخرون، تمثيل مواقف أوروبا بشكل أكثر فاعلية، فلا شك أن دمج مقاعد عدة في واحد لا يشكّل الطريقة الصحيحة للقيام بذلك، وما دامت الدول الأعضاء تدافع عن موقف واحد، فلا حاجة إلى مقعد موحد، بل العكس.

ولكن هنا يكمن التحدي، حيث يعجز الأوروبيون، كقاعدة ثابتة، عن الدفاع عن الموقف عينه في المسائل الجيو-سياسية الكبرى، فمن حرب العراق إلى روسيا، والقدس، وصفقات الأسلحة، لم نشهد مطلقاً أي موقف موحد إما لأنهم لا يعتمدون جميعاً التحليل ذاته أو لأنهم لا يتفقون جميعاً على الدفاع عن تحليلهم المشترك في حال اختلف عن موقف الولايات المتحدة.

وفي كلتا الحالتين يصبح الاتحاد الأوروبي نتيجة ذلك مشلولاً أو يلجأ إلى صيغ طنانة تستند إلى الحد الأدنى من القاسم المشترك، ونظراً إلى عدم الكفاءة هذا الذي يكبّل به الاتحاد الأوروبي نفسه، تتولى فرنسا غالباً الدفاع عن فكرة أوروبا المستقلة والقوية استراتيجياً والمواقف التي تترتب عليها. رسم ديغول الدرب، قائلاً: "بينما ننتظر إلى أن تنقشع الغيوم، تطبق فرنسا بما أوتيت من سبل ما يمكن أو يجب أن يكون سياسة أوروبية مستقلة".

وعندما نتأمل المسائل من هذا المنظار ندرك أن ما من خطوة أكثر إخفاقاً من التضحية بأحد هذه السبل، ألا وهو مقعد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على مذبح حركة الترويج للأوروبية الزائفة التي بنتها ألمانيا.

* هاينالكا فينتشي

* معهد أبحاث السياسة الخارجية

back to top