ما حقيقة ما يحصل في فنزويلا؟

نشر في 01-02-2019
آخر تحديث 01-02-2019 | 00:00
خوان غوايدو , نيكولاس مادورو
خوان غوايدو , نيكولاس مادورو
كانت تحركات مادورو ضد «الجمعية الوطنية لفنزويلا» والانتخابات المزوّرة للجمعية التأسيسية التي سعى إلى تشكيلها لاحقاً كفيلة بجذب اهتمام المجتمع الدولي، ففرضت الولايات المتحدة عقوبات على النظام في عام 2017، ونتيجةً لذلك واجه البلد والنظام ككل أزمة كبرى، ولا تزال تلك الأزمة مستمرة حتى اليوم.
في إحدى ساحات «كاراكاس»، كان خوان غوايدو، مُشرّع عمره 35 عاماً من بلدة ساحلية في فنزويلا، محاطاً بمناصرين يحملون الأعلام وينادون بالديمقراطية، فتعهّد «بتولي جميع صلاحيات الرئاسة لضمان نهاية آمنة لممارسات اغتصاب السلطة». تعليقاً على هذا الحدث تمّ تداول عنوان «غوايدو يعلن نفسه رئيساً لفنزويلا»! لكن لا تعكس هذه الكلمات حقيقة ما حصل في فنزويلا يوم الأربعاء، فلم يُقدِم غوايدو على «إعلان نفسه» رئيساً لذلك البلد الواقع في أميركا الجنوبية، بل إنه تولى المهام الرئاسية كما ينص عليه الدستور.

انتُخِب غوايدو لتمثيل ولاية «فارغاس» في «الجمعية الوطنية لفنزويلا» في ديسمبر 2015، إذ كان جزءاً من مجموعة المشرّعين المعارضين الذين ألحقوا أول هزيمة انتخابية بارزة بنيكولاس مادورو الذي كان الرئيس حينها، ردّ مادورو بمحاولة تجريد المجلس التشريعي من صلاحياته، فجعل المحكمة العليا الفنزويلية، وهي هيئة قضائية غير مستقلة، تنقل جميع صلاحيات «الجمعية الوطنية» إليها، لكن عادت المحكمة وعكست قرارها لاحقاً، وبعد مرور بضعة أشهر، دعا مادورو إلى إجراء انتخابات لتشكيل جمعية تأسيسية جديدة كي تتسلم مسؤوليات السلطة التشريعية، فقاطعت المعارضة تلك الانتخابات، وطوال فترة هذه المناورات، تابعت «الجمعية الوطنية» التي تطغى عليها المعارضة الاجتماع بانتظام بحثاً عن طرق لإعادة ترسيخ النظام الديمقراطي في فنزويلا.

كانت تحركات مادورو ضد «الجمعية الوطنية» والانتخابات المزوّرة للجمعية التأسيسية لاحقاً كفيلة بجذب اهتمام المجتمع الدولي، ففرضت الولايات المتحدة عقوبات على النظام في عام 2017، ونتيجةً لذلك واجه البلد والنظام ككل أزمة كبرى، ولا تزال تلك الأزمة مستمرة حتى اليوم، ويتابع الاقتصاد المحلي تدهوره بسبب هبوط أسعار النفط وتراجع إنتاجه وسوء إدارة الموارد.

اعتبر مادورو أوائل الأشخاص الذين واجهوا العقوبات من الجانب الأميركي في يوليو 2017 بمثابة أبطال، وقد حصدوا نسخاً مطابقة من سيف «بوليفار» التكريمي، لكن سرعان ما توالت العقوبات ولا شك أن النظام بدأ يفتقر إلى السيوف! ثم تلاحقت التقارير التي تشير إلى الاستياء السائد في أوساط أعلى مراتب السلطة، ووسط هذه الأجواء بدأت الفرص تتحسن بالنسبة إلى المعارضة.

سعى مادورو إلى إعادة انتخابه لولاية ثانية تمتد على ست سنوات في مايو 2018. في تلك الفترة، كان البلد يواجه أزمة اقتصادية وإنسانية، فقد هرب ملايين الفنزويليين من بلدهم بحثاً عن الطعام والأدوية، لكن منع مادورو المرشحين المنتمين إلى معسكر المعارضة من الهرب، ثم قاطعت المعارضة الانتخابات، ومع ذلك أمر مادورو الهيئة الانتخابية غير المستقلة بإعلان فوزه بعد حصده %67 من أصوات الناخبين.

اعتُبرت تلك الانتخابات مزيفة على نطاق واسع وأدت إلى فرض عقوبات إضافية على النظام الحاكم، فمنذ الأيام التي سبقت ظهور غوايدو بين مناصريه في تلك الساحة، كان واضحاً أن فنزويلا ليست دولة ديمقراطية، حتى أن منظمة «فريدوم هاوس» غير الحكومية المرموقة صنّفت فنزويلا كبلدٍ «غير حرّ» منذ عام 2017. في تلك الفترة انضمت فنزويلا إلى كوبا كي تصبحا البلدين الوحيدين المصنّفَين في خانة البلدان التي تفتقر إلى الحرية في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

كانت فنزويلا عبارة عن بلد فقير لكنه غنيّ بالنفط وخاضع لحكم دكتاتوري، لكنها تميزت عن البلدان الفقيرة الأخرى التي تكثر مواردها النفطية وتخضع لحكم دكتاتوري بوقوعها في منطقة يعمّها السلام وبقربها من الولايات المتحدة والتزام شعبها بإعادة ترسيخ النظام الديمقراطي بالسبل الديمقراطية.

أصبحت الظروف مؤاتية لتحقيق ذلك الهدف في شهر يناير، وبعدما أعلن مادورو نفسه الفائز بالانتخابات الرئاسية لعام 2018، نُظّم حفل تنصيبه للولاية الثانية في 10 يناير 2019. رفضت معظم البلدان الديمقراطية في المنطقة الاعتراف بمادورو رئيساً لفنزويلا في ذلك التاريخ، مع أنها كانت قد اعترفت به سابقاً، وتكشف هوية البلدان الصديقة القليلة التي دعمته في ذلك اليوم عن طبيعة النظام القائم، فقد أرسلت كل من بيلاروسيا، وبوليفيا، والسلفادور، ونيكاراغوا، وتركيا وروسيا ممثلين عنها إلى حفل تنصيب مادورو.

يدعو دستور فنزويلا جميع المواطنين إلى الحفاظ على النظام الدستوري (المادة 333) ويطلب من جميع الفنزويليين عدم الاعتراف بأي نظام يتعارض مع «قيمهم ومبادئهم والضمانات الديمقراطية أو ينتهك حقوق الإنسان» (المادة 350). كان نظام مادورو ينتهك بكل وضوح المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحسب ما ورد في تقارير منظمة «فريدوم هاوس» و«منظمة الدول الأميركية».

كان حكم مادورو الدكتاتوري كفيلاً بتجديد المسؤولية التي تقع على عاتق المواطنين وحثّهم على الدفاع عن الدستور. لقد أثبتت طبيعة الانتخابات التي أعلن مادورو الفوز فيها غياب الديمقراطية في نظامه، وحين ظهر خوان غوايدو على تلك المنصة يوم الأربعاء، لم يعمد إلى «إعلان نفسه» رئيساً للبلاد، بل بصفته أعلى مسؤول مُنتخَب ديمقراطياً في فنزويلا، أخذ على عاتقه مسؤولية إعادة توجيه البلد نحو الديمقراطية الحقيقية.

سارعت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بغوايدو رئيساً لفنزويلا، ثم حذا حذوها عدد كبير من البلدان الديمقراطية الأخرى، بما في ذلك معظم الدول المجاورة لفنزويلا. يواجه الرئيس غوايدو الآن معركة صعبة في خضم محاولاته الرامية إلى إرجاع بلده إلى أجواء السلام والازدهار التي كان يتّسم بها منذ عقدين، كما أنه مضطر لتنفيذ هذه المهمة الشاقة تزامناً مع التصدي للتهديدات التي تُعرّض أمنه الشخصي للخطر. يحتاج غوايدو وشعب فنزويلا كله إلى دعم كامل من المدافعين عن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان في كل مكان في العالم.

تجازف الفكرة القائلة إن غوايدو توجّه إلى إحدى الساحات و»أعلن نفسه» رئيساً للبلاد بإفشال مرحلة مفصلية من الحياة السياسية في فنزويلا، وتعكس هذه الفكرة صوراً غير مناسبة عن فنزويلا، باعتبارها أرضاً قاحلة حيث يستطيع الشعب أن يحقق أقصى أوهامه. على أرض الواقع، تُعتبر فنزويلا بلداً فيه نحو 30 مليون شخص يكافحون للعيش بحرية، وكان غوايدو بكل بساطة الشخص الذي جاء دوره كي ينتفض ويخوض هذا التحدي!

* فابيانا صوفيا بيريرا عاشت ودرست في فنزويلا. تحمل شهادة ماجستير في دراسة شؤون أميركا اللاتينية من جامعة «جورج تاون»، وشهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة «جورج واشنطن». تعمل كباحثة مساعِدة في «مركز ويليام بيري لدراسات الدفاع عن نصف الكرة الغربي»، كما أنها خبيرة في شؤون البلدان المُنتِجة للنفط في أميركا اللاتينية.

* ● فابيانا صوفيا بيريرا

back to top