الغرب استخدم الفضاء عسكرياً والصين تخطط لتسليحه

نشر في 03-01-2019
آخر تحديث 03-01-2019 | 00:00
 ميامي هيرالد حمل نيل أرمسترونغ العالم إلى القمر، ذكّرنا بصفته أول رجل مشى على ذلك السطح الصخري بأن هذا لم يشكّل إنجازاً أميركياً فحسب بل حلقة جديدة في سلسلة طموحات البشرية. حدث هذا قبل خمسين سنة.

عاد النزول إلى سطح القمر اليوم ليتصدر عناوين الأخبار لأن الفخر الوطني يدفع منافسي الولايات المتحدة الاستراتيجيين إلى الهرب من الجاذبية، فتعمل كل من الصين وإيران بدأب لإطلاق وتوجيه الصواريخ في الفضاء بغية التأكيد أن الولايات المتحدة ما عادت تحتكر القيادة التكنولوجية، كذلك تستخدمان عمليات الإطلاق والهبوط هذه لتحذيرنا من قدرتهما على مضاهاة المهارات العلمية الأميركية أو حتى تخطيها، ولأسباب وجيهة تسعيان أيضاً إلى تذكيرنا بأنهما تستطيعان بسهولة إنزال صاروخ نووي على أراضي الولايات المتحدة.

إذا شكّل برنامج أبولو ذروة الأمور الصائبة، يبدو برنامج بكين الصاروخي خير مثال لما هو سيئ، فتشبه مركبة "تشانغ إي-3" كثيراً مركبة ناسا للهبوط على القمر، لكن تشانغ إي-3 هبطت بسلاسة على سطح القمر من دون أن تحمل داخلها أي إنسان أو كبسولة عودة إلى الأرض، فأظهرت الصين أنها تملك المعدات، والقدرة على الاستهداف، والمهارات الضرورية لإنزال مركبة على سطح القمر.

شكّلت المنافسة العسكرية القوة المحفزة وراء الرحلات الأولى إلى الفضاء خلال الحرب الباردة، فقد أطلقت روسيا سبوتنك، أول قمر اصطناعي سابح في الفضاء، والكلبة لايكا، ويوري غاغارين إلى خارج عالمنا، صحيح أن الولايات المتحدة كانت متخلفة عنها، إلا أنها سرعان ما تفاخرت بأنها ستنزل أول رجل على سطح القمر نحو نهاية ستينيات القرن الماضي. وبعدما انهار الاتحاد السوفياتي، تراجع معه سباق التسلح المكلف هذا، وبات الفضاء مفتوحاً أمام الجميع حول العالم، وأصبح التعاون بين الناس والأمم في الفضاء الخارجي مسألة عادية، وظل الوضع على هذه الحال حتى عندما ازدادت العلاقات الأميركية-الروسية توتراً. لكن المعادلة تبدلت مجدداً أخيراً، ويشكّل إطلاق الصين صاروخها الأخير تحدياً جديداً، فبعدما عانت بكين "قرناً من الذل"، تخبر بجرأة شعبها والعالم اليوم: "عدنا!". وقد تفوقت الصين هذه السنة على الولايات المتحدة في عدد عمليات الإطلاق إلى المدار.

في يوم ذكرى بيرل هابور قبل بضعة أسابيع، أطلقت الصين صاروخها "لونغ مارش 3 ب" الذي حمل مركبة تشانغ إي-4 إلى وجهة بينك فلويد المفضلة: الجانب المظلم من القمر، ولا شك أن هذا إنجاز مهم، لا يقتصر طموح الصين العالمي كقوة ناشئة على توسيع قدراتها على الأرض، بل تسعى أيضاً إلى نشر هيمنتها في الأعالي، وراء الأفق، وبعيداً في الفضاء.

ونجحت الصين في تطوير واختبار صواريخ مضادة للأقمار الاصطناعية، مسقِطة أحد أقمارها الخاصة بالأرصاد الجوية ومخلفة سحابة من الحطام في الفضاء تهدد المركبات الأخرى السابحة في المدار، ورغم صيحات التنديد والشجب العالمية الكثيرة، جاءت رسالة الصين واضحة: تتمتع جمهورية الصين الشعبية بالمهارات التقنية، والقدرات المادية، والإرادة الوطنية لإسقاط الأقمار الاصطناعية والأنظمة التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي.

ربما يقلل البعض من شأن قوة الفضاء معتبرين إياها مجرد إعلان آخر من إعلانات الرئيس ترامب الواهمة، غير أن هذا المفهوم ليس جديداً. خلال عهد الرئيس رونالد ريغان، أيّد الدكتور إدوارد تيلر نظاماً يستند إلى الفضاء ويبدّل معادلة سباق التسلح الأميركي-السوفياتي، فقد اعتبر ريغان وتيلر أن مبادرة الدفاع الاستراتيجي، التي تُعرف عموماً بـ"حروب النجوم"، تشكّل في آن واحد تقدماً عسكرياً تكنولوجياً وورقة مقايضة لإرغام السوفيات على الجلوس إلى طاول التفاوض بشأن الأسلحة النووية.

كان خوف ريغان من الأسلحة النووية حقيقياً جداً، واعتقد أن الأنظمة التي تستند إلى الفضاء قد تكبح أو حتى تلغي عقيدة الدفاع النووي السائدة، التي تُدعى التدمير المؤكد التبادل، وهي عقيدة اعتبرها عمل انتحار عالمياً، ولكن ماذا حفز دولة الحزب الواحد الصينية على السعي إلى النجوم؟

خلال الأيام القليلة المقبلة، ستحاول مركبة تشانغ إي-4 النزول على الجانب البعيد من القمر وهدفها ربما النجاح في استعمار الفضاء، ولكن هل يتيح برنامج الصين الفضائي المتسارع جداً اليوم للسلام أن يعم الكواكب في النهاية وللمحبة أن تنتشر بين النجوم؟ يمثل هذا فجر عصر فضاء جديد.

* ماركوس كونالاكيس

* «ميامي هيرالد»

back to top