المحكمة أكدت في قضاء سابق استئثار مجلس الأمة بالفصل في صحة عضوية أعضائه

الحصانة البرلمانية لا تخل بسيادة القانون واحترام أحكام القضاء وتنفيذها

نشر في 23-12-2018
آخر تحديث 23-12-2018 | 00:14
يتناول المستشار شفيق، في هذه الحلقة من هذه الدراسة، استجلاء الحقائق الدستورية والقانونية حول تداعيات هذا الحكم على قرار مجلس الأمة الصادر بتاريخ 30 /10 /2018 برفض إسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش، مما دعا البعض إلى القول بعدم دستورية المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وهو ما استجابت له المحكمة الدستورية، فقضت بعدم دستوريتها، وما يترتب على ذلك من آثار، وهو ما اعتبره البعض إلغاء لصلاحيات المجلس في إسقاط عضويتهما وإلغاء لحصانة العضوية والضمانة الدستورية التي أحاطت بها المادة 16 هذه الحصانة، وهو ما حاول المستشار إلقاء الضوء عليه في إطار الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية، حيث يرى أن تعديل هذه المادة شأن خاص بالمجلس لإزالة العوار الدستوري الذي كشف عنه الحكم، مع الحفاظ على اختصاص المجلس بهذا الأمر، والحفاظ على هذه الضمانات، خاصة أن المحكمة الدستورية لها قضاء سابق باستئثار المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه.


ماذا بعد حكم المحكمة الدستورية؟

وهو الحكم الذي أصدرته المحكمة في 19 ديسمبر الجاري، بعدم دستورية المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، فيما عهدت به إلى المجلس من الفصل في إسقاط عضوية أعضائه، وما كانت تكفله حصانة العضوية من ضمانات دستورية، بعد أن ثبتت للعضو عضويته بإرادة هيئة الناخبين، وبعد أن فصلت «الدستورية» في الطعون الانتخابية المتعلقة به.

ونظراً لما يتردد الآن من فهم خاطئ للحكم سالف الذكر بأن صلاحية مجلس الأمة في إسقاط عضوية أعضائه هي العوار الدستوري في هذه المادة لتوغل مجلس الأمة على اختصاص السلطة القضائية، وأن حصانة العضوية أصبحت بعد صدور الحكم بلا ضمانات.

هذا النظر الخاطئ هو الذي تقتضي الضرورة تصحيحه، خصوصا أن البعض قد دعم هذا النظر الخاطئ بنظرة خاطئة مثله، هي ان عدم دستورية هذه المادة يرجع إلى أنها خرجت على التفويض المنصوص عليه في المادة (117) من الدستور.

أولاً: حجية الأحكام القضائية بوجه عام

تعتبر الأحكام القضائية النهائية عنواناً للحقيقة، لذلك تحوز حجية الأمر المقضي، وهي حجية من النظام العام، ومن ثم تقضي بها المحكمة من تلقاء نفسها، بل إن هذه الحجية تعلو على اعتبارات النظام العام.

لذلك نعقد هذا البحث لنتناول فيه:

أولا- حجية الأحكام القضائية بوجه عام.

ثانيا: الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية.

ثالثا: حجية الحكم بعدم دستورية المادة 16... مداها.

رابعا: أسباب الحكم تخاطب القرار وليس النص التشريعي.

خامسا: موجبات الحفاظ على الضمانات الدستورية.

وحجية الأمر المقضي لا ترد إلا على منطوق الحكم، وما يكون من الأسباب مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً، أو متصلاً بالمنطوق اتصالاً حتمياً، بحيث لا تقوم للحكم قائمة إلا به.

والأصل في حجية الأحكام بوجه عام، أن الحكم لا يحوز حجية الأمر المقضي إلا إذا اتحد الموضوع والخصوم والسبب في الدعوى التي سبق الفصل فيها، وبمناسبة دعوى مطروحة.

ثانياً: الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية

إلا أن أحكام المحكمة الدستورية لها حجية مطلقة، والحجية المطلقة أو ما يعرف بالحجية العينية تعني:

1 - ألا يقتصر الاحتجاج بالحكم الدستوري على أطراف الخصومة، بل يتعداهم إلى الكافة، ولو لم يكونوا ممثلين فيها فالحكم الدستوري يلزم الكافة، وتلتزم به كل المحاكم.

2 - تعني أيضاً إلزام جميع السلطات في الدولة بالحكم الصادر في الدعوى الدستورية، بالامتناع عن اتخاذ أي قرار أو إجراء يستند إلى وجود القانون المقضي بعدم دستوريته، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مؤدى الحكم وتحقيق نتائجه القانونية، وذلك على افتراض عدم صدور هذا القانون.

3 - تلتزم السلطة التشريعية باحترام حجية الحكم الدستوري، فلا يجوز لها أن تعيد إقرار القانون -المقضي بعدم دستوريته- مرة أخرى مشتملاً على ذات العوار الدستوري، لأن ذلك سيؤدي إلى سلسلة من الأحكام بعدم الدستورية.

4 - جوهر السلطة التقديرية للمشرع في هذا السياق هو المفاضلة بين البدائل المختلفة لاختيار أنسبها لمصلحة الجماعة، وبما يصحح العوار الذي كشف عنه حكم المحكمة الدستورية، وهي مفاضلة تحكمها موازين شتى غير متاحة أمام القضاء.

5 - القضاء الدستوري لا يستطيع أن يحل إرادته محل إرادة المشرع في تعديل المادة 16 بعد الحكم بعدم دستوريتها، التزاماً بدوره القضائي، وبتكوينه القضائي البحت، والتزاماً كذلك بمبدأ الفصل بين السلطات، فضلا عن أن الرقابة القضائية الدستورية للقوانين ليست رقابة سابقة على إقرار التشريع بتعديل المادة (16)، تحدد للمشرع ما ينبغي أن يكون عليه التشريع، بل رقابة لاحقة على القانون بعد العمل به.

ثالثاً: حجية الحكم بعدم دستورية المادة (16)

ومن هنا يجب ألا يؤخذ الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية بالإطلاق الذي ورد في منطوقه بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة فيما قررته من حصانة للنائب في عضويته بمجلس الأمة ومن اختصاص المجلس بالفصل في إسقاط عضويته، إذا فقد العضو شرطاً من شروطها أثناء العضوية، بل يتعين أن يحمل هذا المنطوق على ما جاء في أسبابه من «ان عبارات نص المادة 16 المطعون عليها بصياغتها قد جاءت عامة ومطلقة بشمول حكمها لجميع حالات فقدان عضو المجلس لأحد الشروط التي ينبغي توافرها في عضو المجلس، والمنصوص عليها في المادة (82) من الدستور، والتي يترتب على فقدان إحداها فقد العضوية، وذلك بما فيها حالة فقد شرط من شروط العضوية كأثر حتمي لحكم قضائي بات، رغم انه ينعدم – أصلا- على المجلس أي تقدير في هذا الشأن، بعد أن أضحى عضو المجلس غير أهل للعضوية بقوة الدستور......، وهو ما يصم المادة المطعون عليها –والتي أعطت الحق لمجلس الأمة في تقدير أمر إسقاط العضوية من عدمه – بعيب عدم الدستورية».

فالواقعة التي بنى عليها الحكم قضاءه سالف الذكر، وهي صدور حكم قضائي نهائي بات، لها خصوصيتها، وهي القرار الذي أصدره مجلس الأمة في 30/10/2018 برفض إسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش، بالرغم من صدور حكم بعقوبة جناية في حقهما.

تكون المحكمة الدستورية قد قضت بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية في خصوص السبب الذي بنت عليه قضاءها، أي أنها حملت المشرع في المادة 16 وزر التطبيق الخاطئ لنص هذه المادة، ومن حق السلطة التشريعية بل ومن واجبها أن تعدل النص الدستوري بموجب ما قضى به الحكم، بتقييد سلطة مجلس الأمة في ممارسة اختصاصه سالف الذكر بوجوب احترام احكام القضاء وعدم عرقلتها أو عرقلة تنفيذها، وهو ما كان يتوجب على المجلس الالتزام به في القرار سالف الذكر، احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، واحتراما لمبدأ استقلال القضاء وجوهره تنفيذ الأحكام القضائية، لأن نصوص الدستور يجب أن تفسر باعتبارها وحدة واحدة، خصوصا أنه من المستقر عليه في قضاء المحكمة الدستورية ان النصوص الدستورية تتمتع بقرينة الدستورية، إلى أن تقضي المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها.

أي أن الحكم لم يصادر حق المشرع في تعديل المادة (16) من الدستور لإزالة ما كشف عنه الحكم من عوار دستوري في المادة سالفة الذكر، مع الابقاء على اختصاص المجلس بهذا الأمر، واستئثاره بإسقاط عضوية أعضائه، ومع الإبقاء على الضمانات الدستورية لعضوية المجلس الواردة بها، وأقام قضاءه بعدم دستورية هذه المادة على هذا السبب وعلى غيره من أسباب هي في حقيقتها نقد للتطبيق الخاطئ لأحكام هذه المادة بإساءة استخدام المجلس لسلطته المنصوص عليها في هذه المادة في القرار سالف الذكر، ونورد هذه الأسباب فيما يلي:

رابعاً: الحكم يخاطب القرار لا النص التشريعي

وهي الأسباب التي بنى عليها الحكم قضاءه ونوردها فيما يلي:

1 - من المستقر عليه، وحسب ما جرى به قضاء هذه المحكمة، أنه لا يجوز للسلطة التشريعية التدخل في اعمال اسندها الدستور إلى السلطة القضائية التي كفل استقلالها، وجعل هذا الاستقلال عاصما من التدخل في أعمالها أو التأثير على مجرياتها، أو المساس بالأحكام القضائية الصادرة عنها، وتفويض آثارها، أو إهدار حجيتها، وإلا كان ذلك افتئاتا على حقوق السلطة القضائية، واعتداءً على ولاية واستقلال القضاء، وتعطيلاً لدوره، وإخلالاً بمبدأ فصل السلطات بالمخالفة للمادة (50) من الدستور.

2 - الإخلال بما نص عليه الدستور في المادة (29) من أن الناس سواء أمام القانون، بمعنى أنه ليس للنائب من الحقوق أكثر مما لأي كويتي آخر في الخضوع للقانون، ووجوب أن يأخذ القانون مجراه الطبيعي بالنسبة للناس جميعا على السواء -بدون تمييز- ولا يجوز إضفاء حصانة على النائب تفضي إلى إخراجه من سلطة القانون، إذ إن هذا -في حد ذاته– تمييزاً غير مقبول، ومنهي عنه من الناحية الدستورية، إذ جعلت تلك المادة عضو المجلس بمنأى عن إعمال اثر الأحكام القضائية الباتة عليه، وتميزه عن غيره من المواطنين بالمخالفة للمادة (29) من الدستور، كما اضفت عليه حصانة -في غير موضعها- تعصمه من الخضوع للقانون.

3 - الأصل في الحصانة البرلمانية أنها لا تعد امتيازا لعضو البرلمان، إنما هي مقررة للمصلحة العامة، وليست لمصلحة عضو المجلس الشخصية، وانه يتعين ان تبقى في الحدود والقيود التي من شأنها كفالة استقلال البرلمان وحرية أعضائه في القيام بواجباتهم داخل المجلس، وهم في مأمن من كيد خصومهم السياسيين، وأن تكون السلطة التشريعية بمنأى عن أي احتمال لاعتداء من جانب السلطة التنفيذية.

4 - الحصانة ليست مقررة لمواجهة الأحكام القضائية، كما انه لا ينبغي أن يذهب البرلمان في استقلاله إلى حد التغول على اختصاصات باقي السلطات الأخرى في الدولة، أو تتحول الحصانة إلى وسيلة لعضو البرلمان لخرق القانون، وهو في مأمن من المحاكمة أو الحساب أو الإفلات من العقاب، إذ تقتصر الحصانة على حماية عضو البرلمان من اتخاذ أي إجراءات جنائية تعسفية أو كيدية في مواجهته، فهي لا تعدو أن تكون مانعا إجرائيا مؤقتا، وليس المقصود بالحصانة البرلمانية أن تكون امتيازا ممنوحا لعضو البرلمان هادماً مبدأ المساواة أمام القانون.

5 - إن التدخل السافر من السلطة التشريعية في أعمال السلطة القضائية، والمساس باستقلالها، وإهدار حجية الأحكام القضائية، والنيل من مكانتها، ومن الاحترام الواجب كفالته لها، باعتبارها عنوانا للحقيقة، وتعطيلا لآثارها، يتنافى مع مبدأ فصل السلطات، ويمثل خرقا لأحكام الدستور لمخالفته المادتين (50) و(163) منه، فضلا عن أن في استمرار عضوية النائب وفقا للمادة المطعون بعدم دستوريتها، على الرغم من صدور حكم بعقوبة جناية في حقه، واستمرار تمتعه بحقوقه السياسية في حين انه قد اضحى محروما قانونا منها بموجب هذا الحكم.

6 - كما خالفت المادة المطعون عليها بعدم الدستورية صفتها، والإجراءات التي أوردتها أحكام المادة (82) من الدستور على نحو ما سلف.

7 - كما خالفت صريح المادة (84) منه، والتي تقضي أنه في حالة خلو محل أحد أعضاء مجلس الأمة قبل نهاية مدته لأي سبب من الأسباب انتخب بدله من خلال الأجل المضروب كإجراء حتمي لا خيار فيه.

خامساً: موجبات الحفاظ على الضمانات الدستورية

نورد إجمالا فيما يلي:

1 - ان هناك قضاء للمحكمة الدستورية بأن مجلس الأمة يستأثر بالفصل في إسقاط عضوية أعضائه.

2 - ان المحكمة الدستورية، ومحكمة التمييز تمارسان اختصاصهما في الفصل في الطعون المقامة امامها في مواجهة الأحكام القضائية دون تعطيلها أو عرقلة تنفيذها.

3 - ان هناك شرطا متطلبا في الوظيفة النيابية هو حمد السيرة والسمعة، وافتقاده لا يتطلب صدور حكم جزائي.

4 - ان ضمانة العضوية المقررة بالمادة (16) هي جزء لا يتجزأ من منظومة الضمانات الدستورية للنائب.

وهو ما نتناوله تفصيلا فيما يلي:

1 - قضاء سابق للمجلس باستئثاره الفصل في صحة العضوية

والواقع أن للمحكمة الدستورية قضاء سابقا، لم تعدل عنه المحكمة في قضائها الأخير الصادر بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية.

هو ما قضت به في حكمها الصادر بجلسة 28/10/2009 في الطعن رقم 20 لسنة 2009 بأن:

«مجلس الأمة لا يستأثر بشؤون أعضائه إلا بعد التثبت من سلامة إجراءات عملية الانتخاب، وصحة اسباغ صفة العضوية على من أعلن فوزه في الانتخابات».

وأكدت المحكمة الدستورية هذا القضاء، بالحكم الذي أصدرته بجلستها المعقودة بتاريخ 28/10/2009 في الطعن المقيد أمامها برقم 22 لسنة 2009.

وكان ذلك رداً من المحكمة على الدفع بعدم اختصاصها، لأن هذا الطعن يتمخض عن طلب اسقاط العضوية في مجلس الأمة، مما ينحسر الأمر فيه عن اختصاص المحكمة وينعقد لمجلس الأمة طبقا للمادة 16 من اللائحة الداخلية للمجلس، والمحكمة الدستورية في ردها على هذا الدفع ورفضه أكدت بما لا يدع مجالا للشك بأن المجلس يستأثر وحده بالفصل في صحة اسقاط عضوية أعضائه، بعد أن تكون «الدستورية» قال كلمتها الحاسمة في صحة إجراءات العملية الانتخابية.

2 - المحكمة الدستورية تحاكم أحكام الإدانة

فيما أرسته من مبادئ وهي بصدد الفصل في الطعون الانتخابية في احكامها الصادرة في الطعون الآتية:

أ- الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بجلسة 28/10/2008 في الطعن رقم 22 لسنة 2009

(طعن انتخابي) الذي أقيم أمامها بعدم صحة عضوية من اعلن فوزه في الانتخابات، عندما قضت بأن الحكم الصادر بعقوبة الغرامة المالية، ولو في جناية، ليس مانعا من الترشح لعضوية المجلس، وقضت بصحة عضوية النائب.

ب- الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بجلسة 23/12/2013 في الطعن المقيد برقم 42 لسنة 2013، بأن امتناع المحكمة عن النطق بالعقاب في حكمها الصادر بإدانة المواطن في جناية لا يحرمه من حق الترشح لعضوية مجلس الأمة.

وهو ما أكدته كذلك في حكمها الصادر بجلسة 26/11/2014 في الطعن رقم 5 لسنة 2014.

وكان مجلس الأمة في تطبيق المادة (16) من اللائحة الداخلية للمجلس في الفصل التشريعي الثالث عشر قد أرسى هذا المبدأ عندما فصل في صحة عضوية أحد أعضائه، أدانته المحكمة في الجناية رقم 1775 لسنة 2004 في جريمة تزوير، إلا أنها امتنعت عن النطق بالعقاب، وأيدتها محكمة التمييز في ذلك بحكمها الصادر في جلسة 6 /2 / 2011، فقرر المجلس الموافقة على تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية برفض إسقاط عضويته.

3 - محكمة التمييز تحاكم أحكام الإدانة

فضلا عن الجرائم المخلة بالشرف والأمانة التي يترتب عليها سقوط العضوية كذلك، في ظل غياب تعريف لها في كافة القوانين المعمول بها في الكويت، فقد قضت محكمة التمييز في حكمها الصادر بجلستها المعقودة بتاريخ 24/11/2016 في الطعن رقم 1230 لسنة 2011 «بأن المشرع –على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- لم يورد تحديداً أو حصراً للجريمة المخلة بالشرف والأمانة، بما مفاده انه ترك تقدير ذلك لمحكمة الموضوع، في ضوء معيار عام مقتضاه أن يكون الجرم من الأفعال التي ترجع إلى ضعف في الخلق أو انحراف في الطبع تُفقد مرتكبها الثقة أو الاعتبار أو الكرامة، وفقاً للمتعارف عليه في مجتمعه من قيم وآداب، وبما لا يكون معه الشخص أهلا لتولي المناصب العامة بمراعاة ظروف كل حالة على حدة، بحسب الظروف والملابسات التي تحيط بارتكاب الجريمة والباعث على ارتكابها».

4 - تقدير شرط حمد السيرة وحسن السمعة

قضت المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلسة 16/7/2008 في الطعن رقم 8 لسنة 2008 بأن شرط حمد السيرة وحسن السمعة تفرضه طبيعة الوظيفة النيابية، وان المقصود بحسن السمعة ألا يكون قد اشتهر عن الشخص مقولة سوء أو التردي فيما يشين، ولا يلزم لسوء السمعة صدور أحكام في جرائم مخلة بالشرف أو الأمانة ضد المرشح، كما لا يصح الاستدلال على سوء السمعة بمحض اتهام يقوم على مظنة الإدانة.

وإذا كان القضاء الدستوري والقضاء الإداري يبسطان رقابتهما على استيفاء المرشح لهذا الشرط عند الترشح للانتخابات، فهناك فراغ دستوري وتشريعي في السلطة المختصة بذلك عندما يفقد النائب هذا الشرط أثناء عضويته إذا تم إلغاء المادة 16 سالفة الذكر.

5 - حصانة العضوية... ضماناتها الدستورية

كانت المادة (16) من اللائحة الداخلية ولاتزال تحفل بالضمانات الدستورية لعضو مجلس الأمة في أداء دوره التشريعي والرقابي، حر فيما يبديه من آراء داخل مجلس الأمة ولجانه، وفي التصويت على قرارات المجلس بما يمليه عليه ضميره وفي ممارسة دوره الرقابي، بعيداً وبمنأى عن إقصائه من عضوية المجلس، لادعاء أو زعم قد يكون باطلا، بأنه أصبح فاقدا لشرط من شروط العضوية.

فهذه المادة تقصر إسقاط العضوية على حالات محددة على سبيل الحصر، لا يداخلها الهوى أو الغرض، وهي تضمن للعضو، قبل إسقاط عضويته، حق الدفاع في محاكمة قانونية أمام لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس ثم أمامه، ولا يكون إسقاط العضوية الا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وان يكون التصويت بالنداء بالاسم لا يشارك فيه العضو محل الاتهام مع جواز جعل التصويت سرياً.

فهي ضمانات تؤسس على الفطرة التي ولد عليها الإنسان بريئا من أي اتهام إلى أن تثبت صحته، حتى لو كان إسقاط العضوية عقوبة تبعية تلحق بالعقوبة الأصلية، التي نطق بها القاضي في حكمه الصادر بالإدانة، لاختلاف المجالين، فالمحاكمة الجزائية مجالها اقتراف فعل يخالف أوامر القانون ونواهيه، والمحاكمة السياسية تقوم على فقده الثقة والاعتبار الذي يؤهله لاستمرار عضويته، وكلاهما يخضع لما تنص عليه المادة (34) من الدستور من ان «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية. تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع».

فهذه المادة قد جاء حكمها عاما ومطلقا فيما وصفت به المحاكمة بأنها «محاكمة قانونية»، فهي لا تقتصر على المحاكمات التي يمثل فيها المتهم أمام القضاء، بل تجاوزها إلى المحاكمات السياسية والمحاكات التأديبية، لأن الأصل في الحكم العام أن يسري على عمومه، وفي الحكم المطلق أن يجري على إطلاقه، إلا إذا خصص من العام أو قيد من اطلاقه بنص في الدستور ذاته الذي قرر هذا الحكم العام.

وللحديث بقية يوم الثلاثاء القادم

إن كان في العمر بقية.

مؤدى تنفيذ الحكم إسقاط عضوية الطبطبائي والحربش من تاريخ صدور حكم «التمييز» بإدانتهما

ضرورة تعديل المادة (16) لإزالة العوار الدستوري الذي كشف عنه الحكم

وجوب الحفاظ على اختصاص المجلس وعلى الضمانات الدستورية لحصانة العضوية

الحكم يُحمّل المادة 16 وزر التطبيق الخاطئ لقرار المجلس برفض إسقاط عضوية النائبين

ضمانة العضوية المقررة بالمادة (16) هي جزء لا يتجزأ من منظومة الضمانات الدستورية للنائب

القضاء الدستوري لا يستطيع أن يحل بإرادته محل إرادة المشرع في تعديل المادة 16 بعد الحكم بعدم دستوريتها
back to top