قرار واشنطن الانسحاب من سورية يخلط كل الأوراق

● رفض أوروبي وترحيب روسي وترامب يدافع عن قراره: حان الوقت أن يحارب الآخرون
● إردوغان وروحاني: وحدة سورية هدف مشترك
● إسرائيل تلوّح بالتصعيد ضد طهران

نشر في 21-12-2018
آخر تحديث 21-12-2018 | 00:05
وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس مستقبلاً نائب الرئيس مايك بنس في البنتاغون أمس الأول 	(إي بي إيه)
وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس مستقبلاً نائب الرئيس مايك بنس في البنتاغون أمس الأول (إي بي إيه)
وسط ترقّب لتغير موازين القوى على الأرض وإطلاق سباق بين القوى الفاعلة ميدانياً لملء الفراغ، شهدت الساعات الماضية انقساماً حاداً بشأن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب جنوده البالغ عددهم نحو 2000 عنصر من سورية.
ألقى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المفاجئ، بسحب قواته المنتشرة في سورية بظلال كثيفة على الوضع الميداني والجيوسياسي وميزان القوى على الساحة السورية وفي الإقليم، وسط مخاوف من سباق على ملء الفراغ سيكون غالباً لمصلحة روسيا وحلفائها.

وبعد يوم من قراره، الذي انتقده الجمهوريون والديمقراطيون على السواء ووضع به جميع حلفائه في موقف محرج، دافع ترامب أمس عن إعلان النصر على تنظيم "داعش" وسحب القوات الأميركية بالكامل من سورية، مؤكدا أنه يفي بتعهد قطعه خلال حملته الانتخابية.

وقال ترامب: "الخروج من سورية لم يكن مفاجئا. أطالب به منذ سنوات، وقبل ستة أشهر، عندما عبّرت علناً عن رغبتي الشديدة في فعل ذلك، وافقت على البقاء لمدة أطول"، مضيفا أن "روسيا وإيران وسورية وآخرون هم العدو المحلي لداعش ونحن نؤدي عملهم، حان الوقت أن يحارب الآخرون وأن نعود نحن الى الوطن، ونعيد البناء".

بوتين

ورغم تشكيكه في انسحاب القوات الأميركية من سورية بالكامل، وتأكيده عدم رصد أي مؤشرات لذلك على غرار ما حصل في أفغانستان، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حد بعيد مع ترامب على أن تنظيم "داعش" قد انهزم، مؤكدا انه اتخذ القرار الصائب.

وطغى الإعلان عن سحب القوات الأميركية على الاجتماع الخامس لمجلس التعاون رفيع المستوى بين الرئيسين التركي رجب إردوغان والإيراني حسن روحاني في أنقرة، ليركز على سورية أكثر.

وأكد إردوغان أن "هناك خطوات كثيرة يمكن لتركيا وإيران اتخاذها معا من أجل إنهاء الصراعات وتأسيس أجواء السلام في المنطقة"، مبينا أنه "يتعين علينا أن نزيد من جهودنا الرامية إلى احتضان الشعب السوري".

وأوضح روحاني، في مؤتمر صحافي مشترك مع إردوغان، أن طهران وأنقرة متفقتان على الحفاظ على وحدة أراضي سورية، وأنهما ستستمران في التعاون من أجل استتباب الأمن فيها واليمن.

سندفنهم في خنادقهم

وأشار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، إلى "عمل مكثف" على ملف انتشار "وحدات حماية الشعب" الكردية، خصوصا في مدينة منبج والمنطقة الواقعة شرق الفرات، متوعدا بأنه "في التوقيت والمكان المناسبين، سيتم دفنهم في الخنادق التي يحفرونها".

فرنسا باقية

وفي حين أفادت وكالة أنباء "الأناضول" التركية وصحيفة "الوطن" السورية عن مغادرة أرتال عسكرية أميركية تضم عشرات الشاحنات المحملة بالمعدات من مناطق سيطرة القوات الكردية بمدينة رأس العين باتجاه قرية العالية على طريق الحسكة- حلب، أعلنت الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية ناتالي لوازو أن فرنسا "تبقى" ملتزمة عسكريا في سورية، لأن "الحرب ضد الإرهاب حققت تقدما كبيرا صحيح، لكنها لم تنته"، مشيرة إلى أن "داعش لم يُزل من الخريطة، ولا جذوره انتُزعت. لا بد من القضاء عسكريا بشكل قاطع على آخر جيوب هذه المنظمة الإرهابية" مع تأكيدها أنها "أضعف من أي وقت مضى".

واعتبرت لوازو أن القرار الأميركي المنفرد "يجعلنا نفكر أكثر في الحاجة إلى الاستقلالية في صنع القرار والاستقلال الاستراتيجي في أوروبا. هذا يدل على أنه يمكن أن يكون لدينا أولويات مختلفة" عن الولايات المتحدة.

وخلافا لتبريرات ترامب، أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن "داعش لم يُهزم بعد ولا يزال هناك الكثير من العمل، ويجب ألا نغفل عن التهديد الذي يشكله. حتى بدون السيطرة على أرض"، مبينة أن المملكة المتحدة ستبقى "منخرطة في التحالف الدولي وحملته لحرمانه من السيطرة على أراض وضمان هزيمته القاطعة".

وفي ظل استمرار مباحثات رئيسة الحكومة تيريزا ماي منذ عدة أيام مع واشنطن على الانسحاب، عبر وزير الدفاع توبياس الوود عن معارضته لقرار ترامب، الذي لم تبلغ لندن به مسبقا، قائلا: "لا أتفق البتة مع ذلك. الأمر تحول الى أشكال أخرى من التطرف والتهديد لازال ماثلا بقوة".

وإذ عبر عن دهشته من التغير المفاجئ للمسار بشأن سورية، حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس من خطورة تقويض قرار ترامب نجاحات تحققت بالفعل ضد "داعش".

خطوط إسرائيلية

بدوره، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصعيد المعركة ضد إيران وحلفائها، مشددا على أن "التحرك سيتواصل بنشاط قوي ضد مساعيها لترسيخ وجودها في سورية، بتأييد ودعم واشنطن".

وبينما قال وزير التعليم نفتالي بينيت: "داعش هزمت بالفعل. لكن إيران تتحرك في الداخل بالفعل، وهي خطر على كل العالم الحر"، أكد وزير المالية موشي كحلون أن "القرار الأميركي ليس جيدا. لكن إسرائيل تعلم أن ضمان سلامتها يدخل ضمن مصالح أمريكا في المنطقة".

وشدد وزير الاستخبارات إسرائيل كاتس على أن "إسرائيل قوة عظمى إقليمية ولن تتراجع عن خطوطها الحمر بسورية حتى بعد الانسحاب الأميركي، وستعمل بصورة عملياتية لمنع اقتراب إيران من حدودها"، محذرا من محاولات "خلق ممر شيعي بين طهران ودمشق".

واعتبر كاتس أن الأمر الأهم من الانتشار العسكري هو الغطاء الدبلوماسي الذي توفره واشنطن لإسرائيل، ومواصلة العقوبات المفروضة على طهران.

حملة معاكسة

وحذرت قوات سورية الديمقراطية، التي تعد وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، أمس من أن قرار الولايات المتحدة "سيؤثر سلبا على حملة مكافحة الإرهاب وسيعطي للإرهاب وداعميه ومؤيديه زخما سياسيا وميدانيا وعسكريا للانتعاش مجددا والقيام بحملة إرهابية معاكسة في المنطقة".

وأكدت قيادة "قسد" أن "معركة مكافحة الإرهاب لم تنته، ولم يتم بعد إلحاق الهزيمة النهائية به، بل هي في مرحلة حاسمة ومصيرية تتطلب تضافر الجهود من قِبل الجميع ودعما أكبر من التحالف الدولي". وشددت في بيانها على أن "قرار الانسحاب سيؤدي بشكل مباشر إلى ضرب مساعي القضاء النهائي على التنظيم الإرهابي».

سحب قوات

وإذ هددت "قسد" بوقف العملية ضد "داعش" وسحب قواتها إلى الشريط الحدودي في حال انطلاق عملية تركيا العسكرية، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القيادتين السياسية والعسكرية لمنطقة شرق الفرات عقدت اجتماعا مطولا ناقشت فيه بجدية إطلاق سراح الآلاف من عناصر التنظيم وعوائلهم من أطفال ونساء، ممن كانوا في سجون ومخيمات تابعة لقوات سورية الديمقراطية وتحت حراسة مشددة منهم.

وأكدت المصادر أن قيادة "قسد" تعتزم في حال بدء العملية العسكرية التركية، التي يجري التلويح بها في الشريط الحدودي ما بين نهري دجلة والفرات ومنطقة منبج، سحب جميع مقاتليها من الجبهات مع "داعش" ونقلهم إلى خطوط المواجهة مع القوات التركية والفصائل الموالية لها.

وزير الدفاع التركي يهدد بدفن الأكراد في خنادقهم و«قسد» تلوّح بالانسحاب من الجبهات مع «داعش»
back to top