سمكة غريبة تؤثر في صحة القلب البشري!

نشر في 11-12-2018
آخر تحديث 11-12-2018 | 00:00
No Image Caption
يخسر المصابون بقصور القلب جزءاً من خلاياهم القلبية، مما يؤدي إلى تضرر عضلة القلب لدرجة أن يحتاج المريض إلى عملية زرع. تتمتع فصيلة من الأسماك الغريبة، تحديداً سمكة التترا، بقدرة مدهشة على إصلاح قلبها بنفسها. لكن هل يمكن استعمال هذه الآلية لمداواة قلوب البشر؟
سمكة التترا نوع من أسماك المياه العذبة التي تتحدر من أميركا الجنوبية ومن جنوب أميركا الشمالية. يعرف أصحاب أحواض السمك عدداً من أجناسها نظراً إلى ألوانها الاستثنائية وسهولة الحفاظ عليها.

تكشف دراسة جديدة أن هذه السمكة شائعة أيضاً بين الباحثين، لكن لسبب مختلف بالكامل، وهو أن غالبية أجناسها تستطيع أن تعالج قلوبها من تلقاء نفسها بعد التعرض لأي ضرر في القلب.

منذ فترة قصيرة، قادت الدكتورة ماتيلدا مومرستيغ، أستاذة مساعِدة في جامعة «أكسفورد»، بريطانيا»، فريقاً من الباحثين أرادوا أن يفهموا ما تفعله سمكة التترا لتجديد نسيج قلبها.

راقب الباحثون فصيلتَين فرعيتين مختلفتين من سمكة التترا، من بينها سمكة الأستياناكس المكسيكية التي تنشأ في الأصل في المكسيك. يعيش نوع من هاتين الفصيلتين في الأنهار ويتسم بلون جميل ويستطيع أن يعالج قلبه بنفسه.

أما السمكة التي تنتمي إلى النوع الفرعي الثاني والمعروفة بسمكة الكهف العمياء، فتعيش في مياه كهف «باشون» في المكسيك. لم تخسر هذه الأسماك لونها ونظرها فحسب، لأن أياً من هذه الخصائص لا يفيدها وسط ظلمة الكهف، بل إنها خسرت أيضاً قدرتها على تجديد نسيج قلبها.

في الدراسة الجديدة، قارن فريق البحث بين المواصفات الوراثية الخاصة بنوعَي أسماك التترا لفهم الخصائص الوراثية التي قد تكون مسؤولة عن قدرات الشفاء الذاتي.

نُشرت نتائج الدراسة التي أيّدتها «جمعية القلب البريطانية» في مجلة «تقارير الخلية».

الجينة المسؤولة

حلل الباحثون المواصفات الوراثية التي يحملها نوعا السمك وقارنوا بينها، فتمكنوا من تحديد ثلاث مناطق على الجينوم تؤثر بالقدرة على تجديد نسيج القلب المتضرر.

من خلال تحليل هذه المناطق الجينية بدرجة إضافية، رصد الباحثون أيضاً أهم الجينات بالنسبة إلى تجدد القلب.

عند مقارنة نشاط تلك الجينات لدى سمك التترا النهري وسمكة الكهف العمياء غداة تضرر قلوبها، لاحظ العلماء زيادة نشاط جينتَين («اللوسين غني المحتوى 10» و«الكافيولين») لدى سمك التترا النهري حصراً.

توضح مومرستيغ: «تعلّق التحدي الحقيقي حتى هذه الفترة بمقارنة تضرر القلب وطريقة إصلاحه لدى الأسماك بما نشاهده لدى البشر. لكن من خلال مراقبة السمك النهري وسمكة الكهف العمياء جنباً إلى جنب، تمكنا من رصد الجينات المسؤولة عن تجديد القلب بشكل منفصل».

كان بحث سابق على الفئران كشف أن جينة «اللوسين غني المحتوى 10» ترتبط بمرض قلبي اسمه اعتلال عضلة القلب التوسعي، إذ يتضخم القلب بدرجة فائقة ويصبح عاجزاً عن ضخ الدم بالشكل المناسب. كشفت نتائج دراسات أخرى أن هذه الجينة تؤدي دوراً أساسياً في انقباض خلية القلب وتوسعها.

للتأكد من أثر هذه الجينة في تجدد نسيج القلب المتضرر، لجأ الباحثون المسؤولون عن الدراسة الراهنة إلى سمك الزرد: إنه نوع آخر من أسماك المياه العذبة وهو معروف بالنسبة إلى أصحاب الأحواض أيضاً، إذ بإمكانه مثل سمك التترا، أن يُجدد نسيج القلب عند الحاجة.

آمال جديدة

في الجزء الثاني من الدراسة، كبح الباحثون التعبير الجيني الخاص ببروتين «اللوسين غني المحتوى 10» لدى سمك الزرد، فأصبحت هذه الكائنات عاجزة عن إصلاح ضرر القلب بفاعلية. يقول الباحثون إن هذه النتيجة تكشف أن جينة «اللوسين غني المحتوى 10» مسؤولة فعلاً عن تجدد القلب.

تقول مومرستيغ: «لا يزال الوقت مبكراً لطرح نتائج جازمة، لكننا نشعر بحماسة شديدة تجاه هذا النوع اللافت من الأسماك واحتمال أن نتمكن من تغيير حياة الناس المصابين بمشاكل في القلب».

يأمل فريق البحث مستقبلاً أن يكتشف معلومات إضافية عن الآليات الكامنة وراء القدرة على معالجة نسيج القلب المتضرر، لاستعمالها لإصلاح نسيج القلب لدى الأشخاص الذين يواجهون مشاكل مثل قصور القلب.

ينشأ قصور القلب غالباً نتيجة نوبة قلبية، إذ تتضرر عضلة القلب خلال النوبة وتخسر خلاياها تدريجاً وتحلّ مكانها أنسجة ندبية. نتيجةً لذلك، قد يعجز القلب عن العمل بشكلٍ سليم، لذا يحتاج عدد كبير من المصابين بقصور حاد إلى زراعة قلب جديد.

لكن إذا كانت أسماك التترا تستطيع تعليمنا طريقة مداواة القلب، فربما تتراجع الحاجة إلى زراعة القلب مستقبلاً.

يقول الأستاذ ميتين أفكيران، مدير طبي مساعِد في «مؤسسة القلب البريطانية»: «تكشف هذه النتائج اللافتة حجم المعلومات التي لم نكتشفها بعد عن عالم الطبيعة الغني بالألغاز. من اللافت مثلاً أن تشتق قدرة السمك النهري على تجديد قلبه من قدرته على قمع تشكّل الندوب. يجب أن نعرف الآن مدى قدرتنا على استعمال آليات مشابهة لإصلاح قلوب البشر المتضررة. بالكاد تغيرت معدلات النجاة من قصور القلب في آخر 20 سنة، وقد تدهور متوسط العمر المتوقع بسبب أشكال كثيرة من السرطان. لذا ثمة حاجة ماسة إلى تحقيق الإنجازات في هذا المجال لتقليص المضار الناجمة عن هذه الحالة المريعة».

قصور القلب ينشأ غالباً نتيجة نوبة قلبية إذ تتضرر عضلة القلب وتخسر خلاياها تدريجياً
back to top