هيمنة شركات الدولة الروسية تعرقل نمو إنتاج النفط

● 11.36 مليون برميل يومياً على الرغم من ضعف الاقتصاد والعقوبات الغربية

نشر في 27-10-2018
آخر تحديث 27-10-2018 | 00:04
No Image Caption
السؤال هل يستطيع إنتاج روسيا من النفط تحقيق النمو في السنوات المقبلة؟ مثل هذا السيناريو محتمل بكل تأكيد لكنه سوف يتحقق فقط إذا تمت معالجة العديد من الشروط الصعبة.
أعلنت روسيا أن إنتاجها اليومي من النفط سجل في المتوسط خلال شهر سبتمبر الماضي 11.36 مليون برميل. ويمثل ذلك الإنتاج ذروة تاريخية جديدة تم الوصول إليها على الرغم من ضعف الاقتصاد الروسي والتأثيرات السلبية للعقوبات الغربية، ناهيك عن قيود خفض الإنتاج التي فرضتها موسكو بموجب اتفاق عام 2016 مع منظمة «أوبك».

وفي معرض تعليقه على هذه البيانات، افترض فاجيت أليكبيروف وهو الرئيس التنفيذي لشركة ليوكاويل، أن مستويات الإنتاج الحالية لا يمكن أن تكون مستدامة، ومجادلاً في أن روسيا وصلت في الأساس إلى حدود طاقتها الإنتاجية القصوى. لكن من جهة أخرى، لم يوافق وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك على هذا الرأي.

ويتعين النظر إلى تقديرات أليكبيروف بدرجة من الشك على الأقل. وفي المقام الأول فإن مثل هذه التقييمات صدرت بصورة غير صحيحة لمرات عديدة في الماضي. وعلى أي حال فإن الإجماع في توقعات سنة 2020 وصلت حتى الآونة الأخيرة إلى 10.2 ملايين برميل في اليوم أي أقل بأكثر من 10 في المئة من المعدلات، التي سجلت في الشهر الماضي.

والسؤال هو هل يستطيع إنتاج روسيا من النفط النمو في السنوات المقبلة؟ مثل هذا السيناريو محتمل بكل تأكيد لكنه سوف يتحقق فقط إذا تمت معالجة العديد من الشروط الصعبة.

وفي المقام الأول، يتعين على المرء أن ينظر ليس إلى التطورات في روسيا فقط بل في الدول المجاورة أيضاً. وإنتاج روسيا الحالي – على الرغم من أنه قياسي – هو فوق مستويات عام 1989 بـ 1.7 في المئة فقط وهو العام الأكثر نجاحاً في صناعة النفط والغاز في روسيا. ومن قبيل المقارنة، فإن إنتاج النفط في كازاخستان كان في العام الماضي أعلى بـ 3.3 مرات من عام 1989 في حين كان إنتاج السنة الماضية في أذربيجان التي يعتبر مخزونها الأكثر نضوباً بين كل جمهوريات الاتحاد السوفياتي أكبر بـ 2.9 مرة من ذلك الذي تم تسجيله في أزيري السوفياتية سنة 1990. وتثبت هذه البيانات حقيقة بسيطة هي أن أرقام الإنتاج في الاتحاد السوفياتي السابق اعتمدت بقوة على وجود التقنية الغربية في الصناعة المحلية وعلى جهود الحكومة لاستكشاف حقول نفطية جديدة من أجل تعويض الحقول القديمة. وهذا كله يخضع طبعاً لعاملين مهمين الأول هو السعر العالمي للنفط الذي يمكن أن يجعل تطوير المكامن الأقل جدوى مربحاً، وإذا ما تجاوز سعر برميل النفط 120 دولاراً سوف تتمكن روسيا من الاستكشاف وجعل مكامنها النفطية العملاقة في المنطقة القطبية قابلة للتشغيل وتضيف بذلك ما لا يقل عن 20 إلى 30 في المئة إلى مستويات إنتاجها الحالية.

ويتمثل العامل الثاني في مستوى المنافسة الحرة بين «الأبطال» الوطنيين والشركات الكبرى متعددة الجنسية: في كازاخستان – على سبيل المثال – تجاوزت حصة الشركات الأجنبية في إنتاج النفط في مطلع 2010 نحو 65 في المئة.

الشرط التالي الذي سيحكم ما إذا كانت مستويات إنتاج روسيا من النفط تستطيع الاستمرار في النمو هو درجة الفعالية المتأصلة في صناعة الاستخراج المحلية. إذ حتى بعد حوالي عقدين من الزمن من زيادة الاستثمار لا تزال شركات النفط الروسية تنتج 28-33 في المئة فقط من النفط من آبارها وبلغ الرقم المتوسط للمنتجين البريطانيين 42-43 في المئة.

ونجم ذلك عن سياسة الحكومة التي لا تفرض أي أنظمة مشددة على التعويض من المكامن القائمة. ولو ارتفعت معدلات التعويض إلى المستوى المتوسط على الأقل لدى الشركات الأوروبية فسوف تتمكن روسيا من إضافة (نظرياً على الأقل) ما يصل إلى 800 ألف برميل إلى إنتاجها اليومي.

وفي حقيقة الأمر، فإن ذلك سوف يفضي أيضاً الى حياة خدمة أطول في حقول النفط القائمة. وكانت الحكومة الروسية أظهرت عدم قدرة على الضغط على شركات الطاقة المحلية من أجل تبني تقنيات جديدة وقد فشلت محاولات وضع مقاييس متشددة عدة مرات.

ولعل المثل الأكثر دراماتيكية للجانب الأخير حدث في مطلع سنة 2011 عندما اندلعت أزمة وقود واسعة في روسيا بعد حظر البنزين المتدني النوعية من السوق بسبب عدم قدرة شركة «روسنفت» وهي الأكبر الخاضعة لسيطرة الدولة على الاستجابة للشروط الحكومية الجديدة.

وثالثاً، تعثر إنتاج روسيا من النفط طوال سنوات بسبب ضعف المنافسة في أسواق الطاقة المحلية. وفي الكثير من الحالات منعت الشركات الخاصة من استكشاف مكامن جديدة ولم يسمح إلا للشركات التي تخضع لسيطرة الدولة بالحفر في المناطق البحرية - أوفشور أو في المناطق الواقعة في أقصى الشمال. وإضافة إلى ذلك، يمكن للحقول العملاقة – التي توصف بالاستراتيجية – الحصول على تراخيص لشركات مملوكة للدولة وأولها غازبروم وروسنفت من دون مزادات. وكانت حصيلة هذه السياسات غير التنافسية إبقاء مستويات الإنتاج الاجمالية أدنى، كما أن الاتجاه المهم الآخر الذي يستحق الاهتمام يتمثل في حقيقة أن الكثير من الشركات المملوكة للدولة تحاول الآن ضمان ليس الهيمنة فقط بل احتكار قطاع استخراج النفط والغاز مما يسهم في معدلات نمو أقل. وعلى سبيل المثال، تمكنت «روسنفت» العام الماضي من تحدي السيطرة على «باشنفت» وهي شركة إقليمية كانت قد تمت خصخصتها «بشكل غير قانوني» قبل عدة سنوات. وعندما عملت على شكل كيان خاص زادت «باشنفت» الإنتاج من 230 ألف برميل يومياً إلى 432 ألف برميل ما بين 2007 و 2016. وعلى أي حال، هبط إنتاجها في سنة 2017 بنسبة 3.6 في المئة بسبب عدم فعالية إدارة «روسنفت» بشكل أولي.

وإذا أخذ المرء في الحسبان وجود أقل من 300 شركة نفط وغاز تعمل في روسيا ووجود 12 شركة فقط تنتج أكثر من 90 في المئة من إجمالي النفط (للمقارنة: في الولايات المتحدة توجد أكثر من 9000 شركة، ويأتي 54 في المئة من النفط و85 في المئة من الغاز الطبيعي من شركات صغيرة مستقلة من بينها)، فإن نجاح صناعة النفط الروسية يبدو متواضعاً تماماً في أحسن الأحوال.

ويأتي إنتاج النفط الروسي ليس نتيجة السياسات الحكومية بل على الرغم منها في الواقع. ولذلك فإن روسيا اذا اختارت تبني مبادئ عصرية للنظم الحكومية وفتح صناعة النفط والغاز أمام المنافسة الأجنبية، فإن مستويات الإنتاج المحلية سوف تكون مهيأة بشكل شبه مؤكد للاستمرار في النمو وبصورة مؤثرة تماماً.

تعثر إنتاج روسيا من النفط طوال سنوات بسبب ضعف المنافسة في أسواق الطاقة المحلية
back to top