الركود القادم قد يحدث بصورة أسرع مما نتوقع

إذعان الصين وإيران مستبعد وربما تسببان هزة في الاقتصاد الأميركي

نشر في 13-10-2018
آخر تحديث 13-10-2018 | 00:04
No Image Caption
المستثمرون لا يبالون حاليا باحتمال حدوث اضطرابات تجارية وبخطر ارتفاع سعر النفط. ورغم الأخطار الجيوسياسية المتمثلة في التعرفات الجمركية الإضافية التي أعلنها الرئيس ترامب في الآونة الأخيرة على بضائع صينية تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار، فإن مؤشر ستاندرد آند بورز اكتفى بتجاهل الأنباء.
نحن نشهد أطول تحسن لسوق أسهم ستاندرد آند بورز تم تسجيله حتى الآن، وتشير مؤشرات الركود الرئيسية الى ما لا يقل عن عامين آخرين من النمو الاقتصادي. ولكن الخطر الجيوسياسي يشهد ارتفاعاً. وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي مستشهداً بتوترات تجارية. والسؤال هو هل الركود التالي يمكن أن يحدث في وقت أقرب مما نظن؟

المستثمرون لا يبالون في الوقت الراهن باحتمال حدوث اضطرابات تجارية وبخطر ارتفاع سعر النفط. وعلى الرغم من الأخطار الجيوسياسية المتمثلة في التعرفات الجمركية الإضافية التي أعلنها الرئيس ترامب في الآونة الأخيرة على بضائع صينية تصل قيمتها الى 200 مليار دولار، وحذر من أنه قد يوسعها لتشمل كل شيء، فإن مؤشر ستاندرد آند بورز اكتفى بتجاهل الأنباء.

ونحن نتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في زيادة الضغط على الصين وايران وجعل 2019 سنة قاسية. واذا استمر المستثمرون في تجاهل هذه الأخطار الجيوسياسية، فإن ذلك قد يفضي الى سوء حسابات أساسية إزاء تنبؤ الانكماش التالي في الأسعار.

كيفية التنبؤ بالركود التالي

جهدت أسواق الأسهم تاريخياً لإعطاء اشارات موثوقة على الركود. وخلال الثمانين سنة الماضية، وفي آخر عامين من ارتفاع السوق طرح "ستاندرد آند بورز" عوائد سنوية متوسطة من 21 في المئة أو تراكمية من 45 في المئة. وفي حقيقة الأمر، كانت العوائد التراكمية الأدنى 30 في المئة. وكانت عوائد العام الماضي 11 في المئة مع عائد متوسط من 21 في المئة. ويفسر هذا الزخم في الدورة الأخيرة سبب تمسك معظم المستثمرين بالأسهم، حتى مع بداية ضعف الأساسيات الاقتصادية.

وهكذا وبدلاً من الاعتماد على اشارات سوق الأسهم نحن نستخدم ثلاثة مؤشرات اخرى أظهرت قوة مؤكدة في التنبؤ بالركود. وأظهرت هذه المؤشرات عند تسجيلها في آن معاً قدرتها في آخر 7 حالات من الركود وهي تسبق الركود ما بين 5 الى 6 أشهر. وهي تسعى الى دمج دورة الأعمال وديناميكية السوق والسياسة النقدية. والمؤشرات هي:

أولاً: التغيرات في مؤشر الكونفرانس بورد (Conference Board’s Leading Economic Index) الذي يقيس نبض دورة الأعمال ويعد دليلا قوياً على درجة سلامة الاقتصاد.

ثانياً: تقلص الفروقات بين معدل العائد على سندات الخزانة مدة 10 سنوات والمعدل على أذونات الأشهر الثلاثة، خصوصا عندما تتحرك هذه المعدلات بطريقة معاكسة، وهذه مثلت دليلا قاطعا ازاء توقع الركود.

وأخيراً، رصد مدى ابتعاد معدلات الفائدة على عمليات الاقراض بين البنوك Fed Funds rate عن المعدلات المحايدة (أي المعدلات اللازمة للمحافظة على الاقتصاد عند أقصى درجات نموه)، وهذا يمثل مؤشرا مهما على سياسة مجلس الاحتياط الفدرالي. فإذا تجاوزت هذه الفائدة المعدل الحيادي فإن هذا وضع سيؤدي على الأرجح على ابطاء النمو ويسبب الركود في نهاية المطاف. وعندما تكون المعدلات أقل من المعدل الحيادي تكون لدى الاقتصاد فرصة للتوسع.

وفي ضوء المستويات الحالية لمؤشر "لي" يبدو أن الركود التالي لن يحدث قبل سنة 2020. ولكن التنبؤ بالركود صعب ويتعين على المستثمرين عدم تجاهل أن التوترات الجيوسياسية يمكن أن تحرف النمو الاقتصادي في وقت أسرع من المتوقع.

لا تتجاهل الأخطار الجيوسياسية

تتعرض الدول لهزات سلبية خارجية، لأنها تميل الى تضخيم أي ضعف داخلي يحدث. وفي الوقت الراهن تشكل الاضطرابات التجارية المحتملة وخطر ارتفاع سعر النفط أخطاراً جيوسياسية بارزة لا تبالي الأسواق بها.

وسيستمر تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وقد يجبر هذا الصين على التحرك الى ما هو أبعد من اجراءات التعرفة الانتقامية، لأن لديها مستوردات أقل تستهدفها. ومن أجل مساواة الضربات التجارية الأميركية قد تختار فرض غرامات على الشركات الأميركية العاملة في الصين ومقاطعة البضائع الأميركية أو حجب منتجات أساسية مثل معادن الأرض النادرة التي يمكن أن تعرقل انتاج طائفة واسعة من المنتجات المصنوعة. ومع ازدياد التعرفات يرتفع خطر التضخم الذي قد يجبر مجلس الاحتياط الفدرالي على رفع معدلات الفائدة في وقت أسرع من المتوقع بهدف تخفيف تأثيراته.

المواجهة مع إيران

وتشكل المواجهة مع إيران حول برنامجها النووي خطراً جيوسياسياً محتملاً آخر. وإذا نجحت الولايات المتحدة في حجب النفط الايراني عن السوق فقد ترد إيران بعرقلة الإمدادات العراقية أو التدخل في خطوط الملاحة الإقليمية. وسيرفع ذلك من أسعار النفط، ويعاقب بدوره الولايات المتحدة والعالم بأسعار وقود أعلى. ومزيج من خطوات سياسات متشددة من جانب مجلس الاحتياط الفدرالي مع ارتفاع أسعار النفط سيعني الاتجاه بسرعة الى الركود.

قلق الأسواق

تشعر الأسواق بقلق من الركود ولأسباب وجيهة. ومع تعثر النمو في نهاية التوسع الاقتصادي يتطور الصدع ويرتفع ضغط السوق. وعند حدوث الركود سيتراجع أداء معظم الأصول الخطرة خصوصا الأسهم بصورة كبيرة.

ويتمثل التحدي ازاء توقع توقيت وشدة التأثيرات الجيوسياسية في أنها، بخلاف المعلومات الاقتصادية التي لها مسار معقول، تكون مدفوعة بقدر أكبر بديناميكية القوة. وقد يؤدي ذلك الى سوء حسابات خطير، حيث يمكن أن يصبح كل طرف متخندقاً في موقع لا يمكنه معه التنازل من أجل الحفاظ على الكرامة القومية.

اتفاقية النافتا

وعلى سبيل المثال تستطيع الولايات المتحدة بسهولة التعويل على قوتها وهي واثقة من نجاح "الضغط الأقصى" في اعادة التفاوض حول اتفاقية النافتا وتخفيف النزعة القتالية لدى كوريا الشمالية. ولكن الصين ليست النافتا وايران ليست كوريا الشمالية. وليس من المحتمل اذعان أي من الدولتين الى مطالب الولايات المتحدة ولديهما من النفوذ ما يكفي للرد استراتيجياً واحداث هزة في النمو الأميركي.

إن صعود الشعبوية وتراجع الدعم للتجارة الحرة والمطالبة بإغلاق الحدود تسهم في زوال بنية ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومع صعود القومية يتصاعد القلق الجيوسياسي، وقد ينجم الركود التالي عن هذا الصدام الجديد، وربما في وقت أبكر مما نظن.

back to top