الحرب التجارية تعزز مركز سنغافورة وجهة مفضلة لشركات التقنية

نشر في 29-09-2018
آخر تحديث 29-09-2018 | 00:00
No Image Caption
برزت سنغافورة وجهة آسيوية مفضلة لشركات التقنية على المستوى الدولي، وأصبحت الوجهة المرغوبة كمقر للشركات الساعية إلى الانطلاق نحو الأسواق المتنامية في ذلك الجزء من العالم. وبحسب مجلس التنمية الاقتصادية في سنغافورة، فإن نحو 80 من أصل أكبر 100 شركة تقنية في العالم لديها عمليات في تلك المدينة، وهي تزيد من استثماراتها فيها. وصنف مؤشر بلومبرغ للابتكار لعام 2017 سنغافورة في المركز السادس في العالم متقدمة على اليابان والولايات المتحدة، في حين حلّت الصين في المركز 21.

واعتبرت دراسة أجرتها شركة "جونز لانغ لا سال" الاستشارية العقارية سنغافورة الوجهة الأكثر طلباً من جانب الاستثمارات الأجنبية لعملاقي التقنية الصينية الشهيرين علي بابا وبيدو وتنسنت. وبالمثل فإن لدى شركات غوغل وأمازون وفيسبوك عمليات إقليمية ثابتة في سنغافورة.

وتؤدي الحروب التجارية دوراً متزايداً في تحسين جاذبية سنغافورة، والأسبوع الماضي أعلنت إدارة الرئيس ترامب فرض تعرفات بقيمة 200 مليار دولار على منتجات صينية وردت بكين بفرض تعرفات انتقامية بقيمة 60 مليار دولار. وتبحث شركات ذات تدفقات تجارية جوهرية بين البلدين عن طرق لتفادي هذه التعرفات وسوف تكون الوسيلة المنطقية بقدر أكبر هي نقل عمليات التجميع والإنتاج إلى خارج الصين والولايات المتحدة أي الى مناطق ذات أنظمة وبيئات تجارية أكثر أمناً، ويرحب صناع السياسة في سنغافورة بقدوم مثل هذه الشركات. وأسهمت خمسة عوامل في جاذبية سنغافورة على شكل مركز ابتكار ووجهة لعمليات إقليمية.

1- الموقع الجغرافي والارتباط الجيد

تقع سنغافورة في وسط آسيا وترتبط بنيتها التحتية مع كل زاوية في العالم في الشرق والغرب. وعلى سبيل المثال، فقد أظهرت دراسة شركة جونز لانغ لا سال أن المدن الصينية كانت الأكثر ارتباطاً بسنغافورة وتعقبها نيويورك وسيدني. وتمكنت سنغافورة من البروز في سلاسل القيمة المعقدة في العالم من خلال تطوير مؤسساتها للشفافية وحكم القانون، كما نجح صناع السياسة فيها في كسب ثقة الشركات متعددة الجنسية والمنظمات غير الحكومية والحكومات. وأصبحت هذه دورة فعالة وخصوصاً مع استمرار مؤسسات سنغافورة الحكومية في الانخراط بشراكات مفتوحة ومصلحة متبادلة عامة وخاصة. ويدعو صناع السياسة في سنغافورة بشكل روتيني الشركات الأجنبية إلى المشاركة في حل المشاكل وممارسات بناء السعة.

2- اتفاقيات التجارة الحرة

على الرغم من صغر الحجم السوقي لسنغافورة وعدد السكان الذي يتجاوز قليلاً الخمسة ملايين نسمة فقد نفذت 22 اتفاقية تجارة حرة ثنائية وإقليمية، كما أبرمت ووقعت في الآونة الأخيرة اتفاقيتين كبيرتين للتجارة الحرة شملتا اتفاقية الاتحاد الأوروبي – سنغافورة للتجارة الحرة والشراكة الشاملة عبر المحيط الهادئ. ولهاتين الاتفاقيتين مستويات عالية لتطوير التجارة الرقمية والاقتصاد المخطط.

ويفتح هذا بشكل فعال كل الأسواق العالمية الرئيسية أمام المشاريع التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، وخصوصاً بعد أن أظهرت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أنها مستمرة من دون هوادة. وبغية التأهل لاتفاقيات التجارة الحرة هذه يمكن إعادة توجيه سلاسل القيمة الإقليمية إلى سنغافورة حيث توجد شبكات توريد قوية وشركاء مهمين ومزودي خدمات.

3- التجارة الرقمية والمعلومات الصديقة

يطلب قانون الأمن السبراني الصيني الذي دخل حيز التنفيذ في العام الماضي من الشركات الأجنبية تخزين المعلومات على خوادم محلية وهو ما يفضي الى التخلي التام عن إمكانية الوصول إلى المعلومات لمصلحة البيروقراطيين الصينيين. ومن جهة أخرى ليس لدى سنغافورة مثل هذه القيود. وضمن آسيان – وفيما تعمل دول أخرى على وضع مزيد من الحواجز أمام تدفق المعلومات العابرة للحدود – أصبحت سنغافورة قوة دافعة وراء مبادرة إطارات عمل التجارة الرقمية بين آسيان وأستراليا التي تهدف إلى إقامة اطارات عمل قانونية رسمية ومقاييس للتجارة الإلكترونية والأموال الرقمية وحماية بروتوكول الإنترنت وإدارة المعلومات. وتوفر منصة التجارة الوطنية الراهنة في سنغافورة نموذجاً أولياً من مستوى دولي للشركات المرتبطة من خلال ربط المستوردين والمصدرين والبنوك والشركات اللوجيستية والجمارك ووكلاء الشحن والمساهمين الآخرين – في بيئة مفتوحة من الشفافية.

4- وفرة رأس المال البشري الكفء والمواهب

يعمل صناع السياسة النقدية في سنغافورة على تحويل مجمع العمل فيها إلى واحد من أكثر قوى العمل ذكاء وبراعة في مجال التقنية. وخصصت الحكومة 19 مليار دولار ضمن خطة البحث والابتكار والمشاريع لسنة 2020 التي تهدف إلى تطوير التركيز على الميادين المتقدمة في التصنيع والهندسة والاقتصاد الرقمي والخدمات، والصحة وعلوم الطب الحيوي والحضري والحلول المستدامة.

وتشمل هذه الجهود الحسنة التمويل شبكات التعاون القوية التي تضم جامعات سنغافورة ذات المستوى العالمي والشركات الرائدة متعددة الجنسية وشركات النظام البيئي الناشئة المتنامية بسرعة، وحاضنات الأعمال ورأسماليي المشاريع.

وتشمل هذه الشبكات أيضاً الشركات الأكبر في العالم في المشورة والقانون والمحاسبة وتقنية المعلومات والتي تشكل مجتمع سنغافورة المزدهر في الأعمال الدولية والتي لا يمكن الاستغناء عنها في بناء السعة والقدرات.

5- الملاذ الجيوسياسي الآمن

تكمن وراء أخطار حروب التعرفات التجارية حقيقة أكبر تتمثل في المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين. ومع تصعيد واشنطن لجهودها الرامية الى مواجهة بناء توسع بكين في قطاعات التقنية الرئيسية تواجه شركات التقنية الأميركية والأجنبية قيوداً جديدة. وعلى سبيل المثال فإن التشارك مع كيان مدرج على القائمة السوداء يمكن أن يعرض شركة الى حجب اتفاقيات أعمال ويزيد من الرقابة على الصادرات وتراخيص التقنية وتعريضها الى عقوبات أخرى – ويلحق هذا كله دماراً في أنشطة سلسلة الامداد اليومية.

ولذا يتعين على الشركات متعددة الجنسية وضع سياج استراتيجي متزايد حول تقنية النظام البيئي من أجل التقيد بالعقوبات وأنظمة الأمن القومي. وسنغافورة التي تطبق اطار عملها الخاص من الرقابة على الصادرات وبروتوكولات التراخيص مبني على قوانين اطار العمل الغربي توفر وسيلة جيدة للشركات الأجنبية لادارة الرقابة على التصدير.

ويشجع كل ما أوردناه سابقاً على التدفق المتزايد لشركات التقنية الى سنغافورة.

back to top