وجهة نظر : السعودية... على مسار التحول عن النفط

نشر في 21-09-2018
آخر تحديث 21-09-2018 | 00:25
 د. عباس المجرن الاتفاق الذي أبرمه الصندوق السيادي السعودي، هذا الأسبوع، مع شركة لوسيد الأميركية، التي تعمل في مجال إنتاج وتطوير السيارة الكهربائية، والذي يستثمر الصندوق بموجبه مليار دولار أميركي في هذه الشركة هو اتفاق جدير بالاهتمام، ولكنه لا يمثل مفاجأة من العيار الثقيل رغم المفارقة اللافتة التي ينطوي عليها.

القرار السعودي ليس مفاجئاً، لأن هذا التحول الاستراتيجي في سياسة الصندوق السعودي ليس جديدا، إذ كان الصندوق قد شرع، منذ صيف العام الماضي، بالاستثمار في مشاريع الطاقات البديلة والمتجددة، وتطوير كفاءة استهلاك الطاقة ودعم برامج مكافحة التغير المناخي، وهذه استثمارات تدعم، إن بشكل أو بآخر، مسار التحول العالمي عن النفط.

أما المفارقة في الاتفاق فتكمن في قيام السعودية، وهي أهم بلد منتج للنفط في العالم، بتوفير السيولة اللازمة لشركة لوسيد، لتمكينها من الإطلاق التجاري لأول سيارة كهربائية لها بحلول عام 2020، وهي السيارة التي يعد انتشارها مصدر خطر متزايد على مستقبل البلدان النفطية ذاتها، خصوصاً عند معرفتنا لأهمية سيارة البنزين التقليدية في الخريطة الحالية للطلب العالمي على النفط.

الأهمية الاستراتيجية للسيارة التقليدية

أن أكثر من 60 في المئة من انتاج النفط العالمي يتم استهلاكه حاليا في قطاع النقل والمواصلات. وتذهب حصة الأسد من هذا الاستهلاك الى نشاط النقل البري منفردا، أي الى السيارات والشاحنات التي تستهلك نحو 50 في المئة من انتاج النفط، وتذهب نسبة 15 في المئة فقط الى صناعة البتروكيماويات، في حين تتجه النسبة المتبقية الى الاستهلاك التجاري والسكني ونشاط توليد الكهرباء والاستخدامات الأخرى.

بيد أن قرار الصندوق السعودي بالاستثمار في ميدان تطوير السيارة الكهربائية لن يزيد من سرعة التداعيات السلبية على الدول النفطية، التي سيتسبب بها الاحلال التدريجي للسيارة الكهربائية محل سيارة البنزين، فهذه التداعيات السلبية آتية لا محالة، سواء استثمر الصندوق السعودي في صناعة السيارة الكهربائية أم لم يستثمر.

انطلاقة قوية

لقد حظيت السيارة الكهربائية بانطلاقة قوية، عبر النماذج الثلاثة التي طرحتها شركة تسلا الرائدة في صنع هذه السيارة، كما حظيت بدفعة قوية إثر الاتفاق الدولي الذي أقرته قمة المناخ العالمي بباريس في عام 2015، والذي تعهدت العديد من البلدان، وخاصة المتقدمة بعد ابرامه (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا والسويد على سبيل المثال) بالالتزام ببرامج زمنية محددة لوقف انتاج سيارات البنزين في غضون العقدين المقبلين من الزمن.

ولم يتوقف تحفيز السيارة الكهربائية عند حدود الدول الأوروبية، بل تعداها الى البلدان النامية الرئيسية مثل الصين والهند، التي كانت الدول النفطية تعول عليها في نمو الطلب على البنزين والديزل، إذ طرحت الصين حوافز ومزايا ضريبية مذهلة لإنتاج وتسويق السيارة الكهربائية، وأعلنت عن بلورة خطط تهدف الى التوقف التام عن انتاج وبيع السيارة التقليدية، وباتت تسابق الزمن في توسعة شبكة محطات شحن السيارات الكهربائية لتتمكن من توفير احتياجات ملايين السيارات الكهربائية، التي بدأت تعج بها طرقاتها، بينما قررت الهند التخلي عن سيارات الديزل وحظر بيعها بحلول عام 2030.

انتشار النار في الهشيم

مع كل هذا التحول الدولي، لم يعد هناك مناص من التقلص التدريجي في معدل نمو الطلب العالمي على النفط في قطاع النقل عامة، وقطاع النقل البري على وجه الخصوص. وتؤكد المتغيرات المتسارعة التي نشهدها أن لا محيص من تراجع أعداد السيارات الخاصة المستخدمة على طرقات البلدان المتقدمة، في ضوء تعدد وتطور وسائل النقل العام وسياسات الحد من استخدام السيارات في مواقع متزايدة من المدن الرئيسية، كما لا مفر من انكفاء الطلب على الوقود في ظل التحسن المتواصل في كفاءة استهلاك الوقود في سيارة البنزين التقليدية.

وإذا ما تسارع انتشار نقاط الشحن الكهربائية في محطات الوقود، وصحت التقديرات الراهنة باقتراب تكلفة انتاج السيارة الكهربائية من السيارة التقليدية بحلول سنة 2025، بفعل انخفاض تكلفة بطاريات الليثيوم – أيون، وهي أهم مكونات السيارة الكهربائية وأعلاها كلفة، فان ذلك سيفسح الطريق أمام انتشار هذه السيارة بسرعة، انتشار النار في الهشيم.

*أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top