وجهة نظر : الحالة الفنزويلية ومسوغات ضبط المالية العامة

نشر في 14-09-2018
آخر تحديث 14-09-2018 | 00:25
 د. عباس المجرن تستدعي الحالة الفنزويلية الاهتمام والتبصر من جانب مختلف البلدان، التي ترهن مستقبلها بمورد طبيعي واحد، مهما بلغت أهمية هذا المورد، خصوصا أن فنزويلا، وفق البيانات الرسمية لمنظمة أوبك، هي أغنى دول المنظمة من حيث حجم الاحتياطات النفطية، بيد أن سنوات طويلة من عدم الانضباط المالي، والمبالغة في إصدار النقود، وتفشي الفساد الاداري والمالي أدت إلى أن تؤول أمورها الى ما آلت إليه من أزمة طاحنة. وتشكل تداعيات هذه الحالة عظة وعبرة لجميع الدول المفرطة في اعتمادها على النفط، وهي دول لا أعتقد أن أيا منها بمنأى عن مثل هذه التداعيات، إذا لم تحسن ادارة مواردها وضبط إيقاع ماليتها العامة.

فنزويلا، هذا البلد الغني بالنفط، وأحد أكبر أعضاء منظمة أوبك، والذي شغل على مدى سنوات عدة، المركز الخامس بين مصدري النفط على مستوى العالم، وتشكل عائدات النفط نحو 95 في المئة من إجمالي إيراداته العامة، قد أصابه اعتماده الشديد هذا على النفط في مقتل، منذ أن بدأت أسعار النفط بالتدهور في منتصف عام 2014.

أزمة طاحنة

وأدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط، بعد سنوات من ضعف انضباط المالية العامة، إلى تدهور متسارع في قيمة العملة الفنزويلية القوية (البوليفار)، وزيادات هائلة في معدلات التضخم وانهيار القوة الشرائية للأجور.

وشبّه صندوق النقد الدولي أزمة فنزويلا بأعتى الأزمات الاقتصادية في العالم، أي أزمة ألمانيا في سنة 1923، وأزمة زمبابوي في أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة. وفي أحدث تقديراته يرى الصندوق أن فنزويلا قد لا تستفيد من التحسن الراهن في أسعار النفط، وأن ناتجها المحلي قد يواصل الانكماش في السنة الحالية، مع ارتفاع معدل التضخم بنحو14000 في المئة حتى الآن.

وكانت الضائقة الاقتصادية دفعت نحو مليوني فنزويلي للهجرة الى بلدان مجاورة، وخصوصا كولومبيا والإكوادور، وأيضاً البرازيل وبيرو وكوستاريكا. ويشكل عجز الموازنة العامة نحو %20 من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بينما تبلغ فاتورة الدين الخارجي أكثر من 150 مليار دولار.

وزادت تداعيات الأزمة الاقتصادية الفنزويلية حدة مع الحصار الاقتصادي، الذي فرضته الولايات المتحدة عليها في أغسطس من عام 2017، ومع تراجع مستوى إنتاج النفط الفنزويلي من أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم إلى أقل من نصف ذلك في الوقت الحاضر. وكان الانخفاض المتسارع في إنتاج فنزويلا من النفط قد ساعد دول أوبك وحلفائها في اتفاق خفض الانتاج على الالتزام القياسي بهذا الاتفاق، بل وبمعدل تجاوز المستوى المستهدف.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

وفي حزمة معالجات سريعة تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من دعائم الاقتصاد الفنزويلي، اضطرت حكومة مادورو، الذي خلف تشافيز في الحكم منذ عام 2013، والذي يواجه معارضة سياسية قوية في الداخل، إلى إلغاء خمسة أصفار من قيمة البوليفار واستبداله بما يعرف بالبوليفار السيادي، وإلى رفع الحد الأدنى للأجور بأكثر من 30 ضعفا. وفي الشهر الماضي، قالت الحكومة إنها بصدد اتخاذ خطوات حاسمة من أجل إصلاح بنية الصناعة النفطية.

العودة إلى الخصخصة

وقد كشف النقاب مؤخرا عن نية العودة الى خصخصة هذه الصناعة، وإن جزئيا، ويبدو أن هذا التوجه هو أحد الخطوات الموعودة على هذا الطريق. فبعد عقود من هيمنة شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة على صناعة النفط والغاز، قررت الحكومة الفنزويلية التراجع عن حق الاحتكار المطلق الذي تمتعت به هذه الشركة، والعودة الى خصخصة الصناعة النفطية وتفعيل المنافسة عبر الترخيص لشركات خاصة فنزويلية وأجنبية بالعمل على تطوير حقول الإنتاج، وفق عقود تصل مدتها الى ست سنوات قابلة للتجديد. وتشكل هذه الخطوة استدارة بنحو 180 درجة في السياسة الفنزويلية، وقد تحمل في طياتها طوق نجاة لها من مصير مروع.

- أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top