ما الذي تخشونه؟!

قضية مصادرة الكتاب والسعي المحموم لتدجين العقل في الدولة، وكأن هذا ما ينقصنا، ليست قضية هامشية كما يتصور الكثيرون، فما جدوى بشر يتحركون ويسيرون مثل "الزومبي" الذين لا هم أحياء ولا أموات، كما نراهم في الأفلام الأجنبية، لهم أجساد بشر لكن لا يملكون الوعي بذواتهم ككائنات إنسانية تعي الزمن وتتفاعل مع الآخر وتتقدم وترتقي بالفكر الإنساني؟!حق الإنسان في الإلمام بالفكر الأدبي والتفاعل معه ليس "كماليات" غير ضرورية، الفكر الذي يمارس حريته ووجوده دون "الأخ الكبير" الرقيب هو بداية الطريق للعقل النقدي الجدلي، الذي لا يأخذ الأمور كمسلمات يقينية محسوم أمرها مسبقاً بوصايات ثقافية تاريخية، أحالت البشر في عالمنا العربي الإسلامي إلى كائنات تدور في مكانها، مثلما تدور الأنعام حول الساقية، والنتيجة هو هذا الانعزال والتخلف الحضاري والعلمي عن التراث الإنساني، والبقاء في زماننا المتحجر منذ عقود ممتدة، تومض فيه لحظات نور ثقافية بين كل فترة وأخرى، وسرعان ما يقوم سدنة وحراس السلطة التراثية – السياسية بطمسها، كي تدوم لهم السلطة، رواد مثل الأفغاني ومحمد عبده وطه حسين وعلي عبدالرازق وأحمد أمين وشبلي شميل، حتى محمد أركون ونصر حامد أبوزيد، وغيرهم، رحلوا بعدما تم اغتيال حرياتهم أو مصادرة ومنع كتبهم.ما الذي تخشونه من رواية أو عمل أدبي؟! النص الأدبي الرفيع ليس مؤامرة لقلب نظام الحكم، وليس تحريضاً عليه، هو محاولة الإنسان ليدرك ذاته الحرة ويمارس وجوده، فلماذا تخيفكم هذه الحرية، ولديكم الشرطة والجيش والحرس والأعوان وكل أجهزة الضبط والربط القمعية؟ لماذا هذه الوساوس والقلق من حرية العقل؟!الثقافة والحضارة ليستا مباني أسمنتية عالية، ومقصات تقطع أشرطة افتتاح ملونة، كي ندخل قلاع الأسمنت ولا نجد داخلها غير الخواء، ويتردد بين جدرانها خطابات الرسميين النمطية المملة، الحضارة هي كلمة حرة وجدت طريقها في وعي الناس.