أميركا تخسر بانتصارها في أفغانستان والعراق وسورية

نشر في 01-09-2018
آخر تحديث 01-09-2018 | 00:00
جيمس ماتيس
جيمس ماتيس
وصلت الولايات المتحدة الآن الى مرحلة تخوض فيها ثالث ادارة على التوالي حروباً تحقق فيها في أغلب الأحيان انتصارات تكتيكية مهمة وتقول انها تتقدم نحو صورة أوسع من النصر ولكنها غير قادرة على اعلان أي استراتيجية واضحة تهدف الى انهاء أي حرب أو تحقيق سلام يتسم بالاستقرار. ومن جديد يبدو أن الادارة الأميركية الجديدة تركز على المستوى التكتيكي للنزاع وتدعو ذلك استراتيجية، ولكنها أخفقت في طرح أي استراتيجية واضحة لإنهاء القتال ضمن شروط ملائمة.

والأكثر من ذلك، يبدو أن ادارة الرئيس دونالد ترامب قد قبلت ارث الادارة السابقة من خلال القبول الى حد كبير بالتخلي عن الجانب الانساني في كل حرب. وهي تتعامل مع ثورات رئيسية وحروب أهلية وكأنها حركات ارهابية محدودة. وليس لدى الولايات المتحدة أي استراتيجية مدنية عسكرية جلية أو خطط لعمليات استقرار أو خيارات لإيجاد مستوى من الحوكمة والتطور الذي يمكن أن يخلق سلاماً دائماً، وهي تخوض مجرد نصف حرب فقط.

أفغانستان

تمثل هجمات حركة طالبان الجديدة في أفغانستان تحذيراً آخر حول حقيقة أن الولايات المتحدة منخرطة في حرب استنزاف لا توفر أي ضمانة للانتصار على المستوى العسكري، وليس لديها استراتيجية واضحة تهدف الى التعامل مع النقص في الوحدة السياسية والقيادة في أفغانستان اضافة الى الفشل في اعطاء الشعب الأفغاني التقدم الاقتصادي المنشود والتحرر من الفساد.

وعلى أي حال فقد حققت حكومة أفغانستان المركزية الضعيفة والمقسمة البعض من التقدم في ظل قيادة الرئيس أشرف غني ولكن ليس من الواضح على الاطلاق ما إذا كانت الانتخابات المقبلة سوف تكون أكثر نجاحاً من الأخيرة أو أن تفضي الى مستوى من الحكومة الفعالة والموحدة والنزيهة التي تحتاج البلاد اليها بشدة من أجل منع ازدياد نفوذ حركة طالبان ورفع مستوى الدعم الشعبي الى النقطة التي تتمكن فيها من كسب عقول وقلوب السكان بصورة حقيقية.

وبعد 17 سنة ليس لدى الولايات المتحدة استراتيجية حقيقية جلية في أفغانستان باستثناء الأمل في أن تتعرض حركة طالبان الى الانهاك والاستنزاف أولاً وأن ترغب بالتالي في اجراء مفاوضات وفقاً لشروط الحكومة، أو أن تقبل باقتسام البلاد والموافقة على منحها سيطرة على جزء كبير منها على حساب حكومة كابل. والولايات المتحدة لا تستطيع ليس فقط الرد على السؤال حول «كيفية نهاية هذه الحرب»؟ بل لماذا يجب أن تنتهي في المقام الأول.

سورية

وعلى أي حال فإن أفغانستان ليست الحالة الوحيدة التي تؤكد هذا المسار، وقد تحولت الحرب في سورية الى نصر للرئيس بشار الأسد، كما أن القوات الأميركية أسهمت الى حد كبير في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، ولكنها أسهمت أيضاً في تقوية الأسد الذي حصل نظامه على حياة جديدة من خلال مزيج من ارهاب الدولة وسلاح الجو الروسي ودعم من ايران وحزب الله، وتسيطر حكومة دمشق على حوالي 75 في المئة من السكان المتبقين في البلاد وهي تحقق بصورة ثابتة المزيد من السيطرة في كل يوم.

هزيمة الإرهاب

وعلى الرغم من كل ما كان يقال عن دحر الارهاب في سورية فإن أحدث الاحصائيات عن الارهاب تظهر أن تنظيم داعش كان مسؤولاً عن أقل من 30 في المئة فقط من العمليات الارهابية في سورية والعراق خلال الفترة من سنة 2012 الى 2017. ومن جديد ليس في وسع الولايات المتحدة الرد على السؤال المتعلق بسبب وضع نهاية للحرب أو تحقيق ذلك وإرساء سلام مستقر.

وفي حقيقة الأمر فإن الجانب العلني على الأقل من الاستراتيجية الأميركية يبدو أنه يتكون إلى حد كبير من تركيز على انتصارات تكتيكية على تنظيم داعش، والتظاهر بأن بقية سورية والاقليم سوف تنعم بالسلام والاستقرار بصورة سحرية نتيجة نوع من مفاوضات السلام الرسمية. وبخلاف أفغانستان لا توجد خطة لرسم مستقبل القوات العسكرية التي تدعمها الولايات المتحدة في سورية أو أمنها، ولم تكن هناك خطة استقرار أو عمليات مدنية- عسكرية ذات معنى.

العراق

حققت الولايات المتحدة أداء أفضل على الصعيد العسكري للمرة الثانية على التوالي وبشكل يتفوق على ما قامت به في الفترة ما بين سنة 2003 و2011. وكما كان الحال في أفغانستان بدأت الولايات المتحدة أخيراً بالتركيز على جهود حقيقية تهدف الى تكوين قوة برية قتالية فعالة في عام 2015، وقد قبلت بعد ذلك حقيقة عدم وجود فرصة للنجاح في محاربة حركة طالبان في أفغانستان، أو تنظيم داعش في العراق وسورية من دون مشاركة واسعة من قبل سلاح الجو الأميركي.

النجاح التكتيكي

ومن جديد كان «الفوز» على المستوى الحربي نجاحاً تكتيكياً الى حد كبير مع عدم وجود استراتيجية واضحة لكسب الجانب العسكري في سلام مستقر. وهنا، سوف يكون من المفيد مراجعة الأسلوب العسكري الأميركي في طلب الرئيس ترامب من الكونغرس اقرار ميزانية السنة المالية 2019 – وهو الطلب الذي يوفر المزيد من التفاصيل التي تتجاوز الافتقار الى أي محددات في استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة.

ويبدو أن الولايات المتحدة قامت بالقليل من العمل في محاولة مساعدة العراق على رفع مستوى الحوكمة الأدنى في العالم، أو رسم نتيجة انتخابات سنة 2018 التي سوف تكون أقل حسماً من انتخابات 2010 التي ساعدت فيها على تحويل نوري المالكي الى حاكم مطلق مقبل، وتجديد الانقسامات بين السنة والشيعة واستقطاب القوات العسكرية الفاسدة. وفي ما يتعلق بالفساد حقق حيدر العبادي وأشرف غني البعض من التقدم في بلديهما ولكن منظمة الشفافية الدولية تصنف سورية في المركز الثالث على قائمة الفساد في العالم، وأفغانستان في المركز الرابع والعراق في المركز 11.

نتائج الانتخابات

تظل نتائج الانتخابات العراقية غير واضحة وربما تظل كذلك لعدة أشهر نتيجة المشاكل المتعلقة بتشكيل ائتلاف وجعله يعمل بشكل فعلي. وعلى أي حال، فقد أظهر ذلك تمكين ايران بسهولة واعادة تقسيم العراق بين السنة والشيعة وترك الخلاف يعتمل بين الحكومة المركزية والأكراد. ومن شأن مثل هذه الحصيلة تحويل «النصر» الأميركي على تنظيم داعش الى نصر رئيسي لإيران وإلى هزيمة للولايات المتحدة، ولكن هذا يبدو جانباً آخر من المستقبل الذي لا يرغب أحد في الادارة الأميركية أن يواجهه أو يعالجه.

الحقائق الكئيبة

وعلى أي حال يتعين أخذ الأهمية الاستراتيجية لكل حرب ولكل دولة أيضاً في الحسبان بشكل تام. وعلى سبيل المثال فإن أفغانستان ليست مركزاً للأنشطة الارهابية الدولية الرئيسية وهي مجرد دولة من أصل الكثير من الدول التي يمكن أن تتحول الى مركز للارهاب الدولي. ثم إن انسحاب الولايات المتحدة قد يحول ببساطة المشاكل المتعلقة بأفغانستان واستقرارها الى باكستان وروسيا وإيران وجاراتها في آسيا الوسطى.

ويمكن لشكل ما من السلام مع مشاركة حركة طالبان في حكومة أفغانية أو تقسيم البلاد أن يتحول الى خيار أيضاً. وعلى أي حال فإن هذا خيار يرجح الى حد كبير أن يفضي الى تقسيم ذلك البلد الى أجنحة عرقية وطائفية وتحول طالبان الى عنصر مهيمن، أو خلق شكل جديد من الحرب الأهلية. وتجدر الاشارة الى أن مفاوضات السلام أصبحت في أغلب الأحيان شكلاً من الحرب بوسائل اخرى أو تمهيداً لصور اخرى من صراع السلطة.

وتعتبر سورية الأسوأ بين الخيارات السيئة، وقد تم فقدها بشكل فعلي باستثناء المناطق الكردية التي تدعم الولايات المتحدة. ودعم ائتلاف من الأكراد والبعض من العرب في الشمال الشرقي من البلاد على أسس طارئة قد يستحق الاهتمام، وخاصة اذا قدر العراق المساعدة الأميركية في اقامة منطقة عازلة استراتيجية. وعلى أي حال، يتعين على الولايات المتحدة عدم توفير دعم غير محدود اذا كان ذلك يعني الانخراط في صراع كردي أوسع مع تركيا أو دعماً لحركة كردية سورية ذات أهداف عقائدية غير ناجحة.

المساعدات الإنسانية

ومن غير الواضح أيضاً ما اذا كان على الولايات المتحدة وحلفائها الاستمرار في تقديم حتى المساعدات الانسانية الى سورية التي يهيمن عليها الأسد وروسيا وإيران، فضلاً عن توفير أي مساعدات تنمية، ويتعين على الولايات المتحدة أن تبدأ الآن بتقييم نوع المساعدة التي قد توفرها الى الأجنحة السنية أو الثوار سواء الآن في مدينة ادلب أو في وقت لاحق.

ويشكل العراق الخطر الأكبر الذي سوف يواجه الانتصارات التكتيكية الأميركية عبر خسائر الاستراتيجية الرئيسية التي تهم الولايات المتحدة. وموقع العراق كجسر تستطيع ايران استخدامه من أجل توسيع نفوذها الاستراتيجي ووضعها كقوة نفطية رئيسية ودورها في رسم أمن الخليج وضمان تدفق صادرات النفط العالمية يشكل أهمية استراتيجية أكبر مما تمثله أفغانستان أو سورية.

وينطوي تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية الى العراق على أهمية أكبر إلى جانب خلق جهود مدنية مقابلة لتوفير المساعدة الى حكومته إذا ثبت أن الحكومة التي سوف تنبثق عن الانتخابات الأخيرة تمثل شريكاً استراتيجيا محتملاً. وفي الوقت نفسه يتعين على الولايات المتحدة أن تدرس بصورة جدية ماذا سوف يحدث اذا مال العراق نحو ايران وأن تجري مشاورات مع الشركاء العرب حول الخيارات المتاحة.

القوات الأميركية أسهمت في تقوية الأسد الذي حصل نظامه على حياة جديدة من خلال مزيج من إرهاب الدولة وسلاح الجو الروسي ودعم إيران وحزب الله

ليس لدى الولايات المتحدة أي استراتيجية مدنية عسكرية جلية أو خطط لعمليات استقرار أو خيارات لإيجاد مستوى من الحوكمة والتطور الذي يمكن أن يخلق سلاماً دائماً وهي تخوض نصف حرب فقط
back to top