الصين تجهل كيفية التعاطي مع ترامب وتستمر فيما اعتادت فعله

نشر في 04-08-2018
آخر تحديث 04-08-2018 | 00:00
ترامب مع جين بينغ خلال قمتهما الأخيرة في الصين
ترامب مع جين بينغ خلال قمتهما الأخيرة في الصين
تفاعلت بكين في الماضي مع التحديات الاقتصادية بفتحها صمام الائتمان والسماح للمال بالتدفق، وهذا ما بدأت تقوم به اليوم أيضاً مع أنها لم تتخلص بعد من المعمعة التي خلفتها أزمتها الأخيرة.
بفضل ترامب وسياسة «الولايات المتحدة أولاً» التي يتبعها، لم يبدُ مستقبل الاقتصاد والتجارة العالميين يوماً غامضاً إلى هذا الحد، وكانت الصين على الأرجح أكثر مَن شعر بتأثيرات هذه الهزات الاقتصادية والسياسية، وتتفاعل الصين معها بالطريقة عينها التي اعتادتها في كل مرة توقعت المشاكل: تضخ المال في نظامها.

بدأت الصين بتخصيص اقتطاعات مستهدفة في متطلبات الاحتياطي لمصارف محددة، كذلك ضخ مصرف الصين الشعبي 74 مليار دولار في النظام بغية تأمين الأموال لقطاع الأعمال الصغيرة. وأعلن أيضاً مجلس الدولة إنفاقاً بقيمة 200 مليار دولار للبنى التحتية بغية تعزيز أرقامها الضعيفة، في حين تراجعت العملة بمقدار 6.8 مقابل الدولار بغية التخفيف من وطأة الرسوم الجمركية، لكن هذا السيناريو سبق أن شهدناه من قبل.

عقب الهزة المالية العالمية عام 2008، ذُعرت بكين عندما أشارت التقارير إلى أن نحو 20 مليون عامل مهاجر خسروا عملهم أو كانوا على وشك أن يخسروه، وبعدما حاولت بكين فرض انضباط مالي على المصارف، فتحت صمام الائتمان وسمحت للمال بالتدفق، لكن هذا الحافز، الذي هُلل له آنذاك واعتُبر منقذ النمو العالمي، بات اليوم أحد الأسباب الرئيسة للاعتماد على الدين الذي تسعى بكين جاهدة إلى كبحه.

قد يرى البعض في خطوات بكين المالية والنقدية السريعة قوةً: فهي سريعة التفاعل وحاسمة وتتمتع بقدرة مالية على العمل بغية تفادي الأسوأ، لكن هذا يشكّل في الواقع إشارة إلى الضياع التام، ومن الواضح أن ترامب نجح في زعزعة توازن الصين.

خلال السنوات القليلة الماضية، فهمت بكين التهديدات التي تواجه الاقتصاد، وبدأت تحد من مخاطر القطاع المالي، وتدفق المال عبر الحدود، ومصارف الظل، فحققت النجاح في مناسبات عدة، وبدأت مؤشرات تقليدية كثيرة إلى نمو الائتمان أو توازنات نظام الظل المصرفي بالتباطؤ أو التراجع، لكن الإقراض اكتفى غالباً باتخاذ شكل واسم مختلفين.

واليوم، تبدلت الحسابات مرة أخرى، فتعامل ترامب برفق مع الصين خلال سنته الأولى، وكان الصديق المقرب من الرئيس شي جين بينغ، فمنح هذا الصين إحساساً خاطئاً بالأمان عند التعاطي مع ترامب، ونتيجة التركيز على كوريا الشمالية لا التجارة، لم تستعد بكين لما كان سيأتي.

تبنى ترامب طوال سنوات خطاباً متشدداً في المسائل المرتبطة بالصين والتجارة، ويُعتبر المؤشر الرئيس الذي يعتمد عليه لتقييم هذه العلاقة، والعجز، ضعيفاً، لكن هذه المناظرة سلطت الضوء أيضاً على الإجحاف والعقبات الكبيرة التي تصطدم بها الشركات الأجنبية في الصين.

اعتمدت السياسة الغربية طوال السنوات الثلاثين الماضية على التفاعل والتعاون على أمل تغيير الوضع في الصين، لكن ترامب رفض هذه السياسة، فقد تكون خصماً يوم الاثنين وصديقاً عزيزاً يوم الثلاثاء، وتُعتبر الصفقات إما الأفضل أو الأسوأ على الإطلاق، وما من ثوابت بالنسبة إلى ترامب، فكل شيء مباح.

تجد القيادة الصينية نفسها في مأزق، فقد مارس شي ووسائل الإعلام الرسمية ضبط نفس مذهلاً في عملية تصديهم في حرب التجارة هذه، لكن التصريحات المؤثرة عن محاربة الحمائية تبدو فارغة عندما يتفوه بها القادة الصينيون، فقد ينجحون في سعيهم إلى تعزيز الاقتصاد محلياً، إلا أن ترامب أكثر تقلباً من أن يتمكنوا من صوغ سياسة طويلة الأمد، فلا يدرك الصينيون بوضوح ما يريده ترامب، فكيف يتمكنون من الرد؟

بدأت اليوم حرب تجارية، وقد تتصاعد خلال الأسابيع المقبلة، ولا أحد يعرف ما التأثيرات الطويلة الأمد التي قد تترتب على هذه الحرب التجارية، فلم تنشب حرب تجارية منذ عقود ولم نشهد حرباً مماثلة خلال حقبة سلاسل الإمداد العالمية، فهذه حرب لم تظن بكين البتة أنها قد تواجهها في مطلع هذه السنة.

تعمل بكين سريعاً وتسعى إلى الحد من وطأة الهزات المقبلة، ورغم ذلك يخفق القطاع المصرفي الرسمي في إيصال الأموال إلى الشركات الصغيرة، لأنه يبرع في نقلها إلى الحكومات المحلية الشركات العائدة إلى الدولة، ويُعتبر هذا أحد الأسباب التي أدت إلى تطور نظام الظل المصرفي، أما بالنسبة إلى الإنفاق في مجال البنى التحتية، سواء في الداخل أو في الخارج في ظل مبادرة الحزام والطريق، فلا شك أن بكين هدرت مبالغ طائلة من المال على مشاريع تفاخُر لن تجني منها عائدات مالية تُذكر.

إذا تفاقمت الأعداد والآلام الاقتصادية على الأرض، نتوقع المزيد من الدعم من مصرف الصين الشعبي، فلا يُعتبر هذا المصرف مستقلاً، بل تتولى القيادة السياسية إدارته، وخصوصاً في أوقات الأزمات.

ربما صُدمت بكين للمنحى الذي اتخذته التطورات في الوقت الراهن، إلا أنها لم تخسر بعد سيطرتها على مفاتيح القوة في الاقتصاد، ولن تقف بالتأكيد مكتوفة اليدين مع تفاقم الضغط، ولا شك أن سياسة مالية ونقدية منسقة تنجح في تجنيب الصين التأثيرات القصيرة الأمد، لكن هذا البلد لم ينتهِ بعد من إصلاح تداعيات عملية التحفيز عقب الأزمة المالية، وها هو اليوم ينطلق في عملية تحفيز أخرى فيما تزداد الاحتمالات للمستقبل تعقيداً.

إذاً، تواجه الصين مرة أخرى عملية توازن دقيقة جداً، ففي شهر نوفمبر ستخوض الولايات المتحدة انتخابات منتصف الولاية، ما قد يبدّل التفاعلات مجدداً، ولكن يجب ألا نلغي من حساباتنا احتمال فوز ترامب بولاية ثانية، ولا شك أن الصين ستبقى أحد أهداف ترامب. صحيح أن ضخ المال في اقتصاد منتفخ أساساً نجح في السابق، إلا أن الصينيين قد يكتشفون أن هذه المرة مختلف بكل معنى الكلمة.

الصين بدأت تخصيص اقتطاعات مستهدفة في متطلبات الاحتياطي لمصارف محددة

في نوفمبر ستخوض الولايات المتحدة انتخابات منتصف الولاية مما قد يبدّل التفاعلات مجدداً
back to top