هل تساعد روسيا الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة؟

نشر في 28-07-2018
آخر تحديث 28-07-2018 | 00:00
No Image Caption
أكد مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية دان كوتس تعرض الولايات المتحدة إلى هجمات سيبرانية مستمرة من جانب دول معادية مثل روسيا، وقال إن الأضواء الحمراء قد عاودت الظهور، وأضاف في تعليقات تعكس ما قاله مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جورج تينت في صيف عام 2001 «إشارات التحذير انطلقت ولهذا السبب أنا أظن أننا في مرحلة صعبة للغاية».

وقد عززت ملاحظات كوتس تحذيرات سابقة من قبل مسؤولين أمنيين حاليين وسابقين خلال العام الماضي من أن روسيا تتقدم بمزيد من الهجمات نحو انتخابات منتصف الفترة في الولايات المتحدة.

والسؤال هو: لماذا لا تفعل روسيا ما هو أكثر من ذلك؟ والجواب أن هجومها الذي وقع في سنة 2016– والذي أوجزه المحقق الخاص روبرت مولر في اتهامات متكررة– حقق نجاحاً كبيراً، كما أن الولايات المتحدة وخلال نحو عامين منذ ذلك الهجوم لم تتخذ أي خطوات ذات معنى من أجل تغيير حسابات روسيا في مجال الهجمات السيبرانية.

والمذهل في عدم اتخاذ الحكومة الأميركية أي إجراء هو أن الجمهوريين المسؤولين عن ميادين التشريع والتنفيذ في البلاد يجب أن يتملكهم الرعب من احتمال استهدافهم في الهجمات التالية، وكانت الهجمات السيبرانية الروسية في عام 2016 قد عززت موقف الرئيس ترامب وقوضت حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، ولكن لا توجد ضمانة في أن البلاد ستدعم الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة.

وفي حقيقة الأمر فإن العكس هو الصحيح تماماً، إضافة إلى وجود دليل جيوسياسي راسخ على أن دعم الديمقراطيين يشكل استراتيجية بارعة بالنسبة الى لاعب أجنبي في الخريف المقبل.

هدف بوتين

لم يكن هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الإطلاق مساعدة الحزب الجمهوري الأميركي في الأجل الطويل على الأقل، وكانت مساعدة حملة ترامب الانتخابية وسيلة من أجل تحقيق غاية بوتين: إضعاف الغرب، واستغلال الانقسامات في ديمقراطيات الغرب من أجل تقويض شرعيتنا ومواقفنا الأخلاقية.

ويتضح ذلك من خلال إلقاء نظرة على ما شهده ميدان السياسة الخارجية في الآونة الأخيرة عندما حمل ترامب بشدة على حلف شمال الأطلسي، ووجه إهانة إلى مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، وانتقد بقسوة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي وحكومتها واعتبر أوروبا «عدوة»، وألمح إلى احتمال عدم احترام مبادئ الدفاع المشترك مع حلف الناتو.

وكما أوضح مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي فإن المسألة «لا تتعلق بالحزب الجمهوري أو الديمقراطي لأن الخصوم يستهدفون الولايات المتحدة التي آمل أن نحبها كلنا بصورة متساوية، وهم يريدون تقويض صدقيتنا في العالم، ويظنون أن تجربتنا العظيمة تشكل خطراً عليهم، ولذلك فإنهم يحاولون تدميرها وتشويهها بأكبر قدر ممكن».

مصدر الهجمات التالية

وقد لا تصدر الجولة التالية من الهجمات السيبرانية من روسيا حتى، وذلك لأن الدول المعادية للولايات المتحدة-وخصوصا الصين وكوريا الشمالية وإيران– دخلت ساحة المعركة بكل تأكيد، ولا شك أنها تعمل الآن على اتباع الأسلوب الروسي في التآمر من أجل تحقيق النتائج التي توصلت موسكو إليها في هذا الصدد، وينسحب هذا بشكل خاص على ردة فعل البيت الأبيض إزاء تلك الهجمات التي تمثلت بعدم اتخاذ الحكومة الأميركية أي إجراء عملي لمنع روسيا من التدخل ثانية في 2018 و2020 وقد أمضيناً أسبوعاً كاملاً ونحن نسأل ما إذا كانت موسكو قد قامت بتلك الهجمات.

وفي غضون ذلك، أضعف البيت الأبيض مركز تنسيق الأمن السيبراني، بحيث أن إمكانية هجمة جديدة خلال فصل الخريف المقبل قد تواجه بردة فعل أكثر بطئاً وأقل تنسيقاً من الخطوات التي اتخذت في سنة 2016.

وثمة مجادلة تتعلق بالصين تقول إنها قد تعتبر أن مساعدة الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس المقبلة ستكون الأفضل بالنسبة إليها، وفيما تركز معظم الجهد الأميركي على السياسة الخارجية التي اتبعها ترامب في حملاته ضد كندا وأوروبا وإفريقيا– أو تودده إلى بوتين– لا توجد دولة أكثر من الصين استفادت من هذه السياسة الجديدة.

بكين تملأ الفراغ

ومع ابتعاد الولايات المتحدة عن التحالفات الدولية تقدمت الصين لملء الفراغ، وأعطى موقف ترامب الصين الوقت والفرصة لبناء علاقات جديدة مع دول الأطلسي ومتابعة مشروعها الضخم في الحزام الواحد.

وتتمثل إحدى طرق الصين لإطالة فترة الفراغ في القيادة الأميركية عبر ضمان حصول الحزب الديمقراطي على الأكثرية في مجلس الشيوخ، وما يستتبع ذلك من عامين من المشاحنات المتعلقة بالترشيح التي ستترك الحكومة الأميركية عاجزة عن التعامل بفعالية مع دول العالم.

ثم إن سيطرة الحزب الديمقراطي على أحد المجلسين– أو عليهما معاً– قد تضمن من منظور صيني أو روسي فترة شلل في الإدارة الأميركية تستمر عامين، تنشغل خلالهما بالقضايا الداخلية فقط، وتهمل مجالات السياسة الخارجية. وربما تفضي سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس الى منع الحرب التجارية التي أعلنها ترامب والتي يمكن بشكل فعلي أن تلحق الضرر بنمو الصين وصعودها، كما أن هيمنة الديمقراطيين على مجلس النواب قد تفضي الى تعزيز معركة اتهام الرئيس بالتقصير وتسرع الانقسام السياسي وتضعف البلاد على الصعيد العالمي في الأجل القصير على الأقل.

وليس على الصين تجاهل الولايات المتحدة الى الأبد، بل لفترة تكفي لتتمكن من بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية على صعيد عالمي مستفيدة من وضعها كدولة هي الأكبر في عدد السكان، كما أن عامين أو أربعة أعوام من رفض أميركا المشاركة على المسرح الدولي ستمنح الصين الفرصة التي تحتاج اليها من أجل تعزيز تحالفات جديدة وبناء أنظمة أخرى تهدف الى عدم التركيز على نظام بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية الذي ساعد الولايات المتحدة خلال السبعين سنة الماضية.

مساعدة بوتين لترامب

وبالمثل قد تقرر روسيا أن مساعدتها لترامب كانت ناجحة جداً، وأنه كان فعالاً تماماً في تحقيق أهداف بوتين، بحيث تفضل موسكو استمراره في البيت الأبيض بعد عام 2020، وتتمثل إحدى الطرق الجيدة من أجل مساعدة ترامب بإعادة انتخابه في وجود كونغرس يسيطر عليه الحزب الديمقراطي خلال العامين المقبلين، وتسير الاتجاهات السياسية الأميركية الى أن الرئيس يفقد تأثيره في منتصف الفترة ثم يفوز في الانتخابات التالية.

ولدى إيران طبعاً مصلحة كبيرة في التعامل مع ترامب الذي تسبب من خلال إلغائه الاتفاق النووي معها في إعادتها إلى الاقتصاد العالمي، ولكن ماذا لو أن إيران قررت استهداف السيناتور الجمهوري توم كوتن، وهو ناقد شديد لها ومن مؤيدي ترامب؟

قد يكون من السهل بالنسبة إلى المشرعين الجمهوريين القول «نحن لا نظن أن جهود روسيا أثرت في نتائج الانتخابات الرئاسية في سنة 2016 لكننا لا نستطيع المجازفة إزاء نجاح جهود مماثلة في المستقبل، ثم السعي الى إقفال نظام الاقتراع في كل مقاطعة وشن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي من أجل إزالة المعلومات المضللة وتعطيل حملات الدعاية والإعلان المغرضة».

حملة ديك تشيني

وعلينا أن نتذكر أن ديك تشيني قاد الولايات المتحدة الى حرب على الإرهاب عن طريق عملية تدعى «مبدأ الواحد في المئة»، وكانت فكرته أنه إذا كانت هناك فرصة بنسبة واحد في المئة في أن يعمل الإرهابيون على إنتاج أسلحة نووية فسيتعين علينا التعامل معها على أنها حقيقة مؤكدة».

ومن المفارقة أن حكومة أجنبية عادت الى مهاجمة انتخاباتنا في الخريف المقبل– أو في سنة 2020– وهي تملك أكثر بقدر كبير من نسبة الواحد في المئة المشار إليها.

ومن هذا المنطلق يتعين علينا كلنا الاهتمام بضمان انتخاباتنا في وجه التدخل الأجنبي وللعديد من الأسباب الوطنية، وعلى أي حال وحتى إذا أدار الرئيس ترامب والحزب الجمهوري الخد الآخر لهجمات روسيا السيبرانية انطلاقاً من المصلحة الشخصية فإن الواجب يقضي بإعادة التفكير في هذا الموقف، ولا توجد ضمانة في أن يظل حلفاء اليوم حلفاء الغد.

back to top