حبات الأرز

واليوم، كلنا سكتنا، اختفت تقريباً كل صور المعارضة وسكنت الأجواء كافة، كيف لا والشعب يعتاش على الحكومة بشكل كامل، فالأغلبية الساحقة منا موظفة عند الحكومة، وخدماتنا كاملة مقدمة من الحكومة، وحتى هويتنا وانتماؤنا في يد الحكومة، حتى باتت المزايا أحمالاً ثقيلة تخرس الأفواه وتقطع الألسن، وحتى أصبح الصوت المعارض صوتاً يبدو جاحداً، ولذا يبيت مهدداً بفقدان تلك المزايا التي لم يحمد حكومته عليها. تلك ظاهرة خطيرة جداً، خطرها يظلل الحكومات والأنظمة قبل الشعب ذاته، فالدولة التي لا يعلو فيها صوت معارض، لا يوجد فيها متنفس، يبقى الناس ينضغطون فيها كما حبات الأرز في قِدر مغلقة بإحكام، حتى يحترقوا وتنفجر القدر، أو حتى يذوبوا ويختفوا ولا يبقى غير قدر... محروقة. القضاء قال كلمته، وأنا شخصياً أود التمسك بإيماني بعدالة القضاء رغم الشكوك، فالقضاء هو صمام أماننا الأخير. كما أن القضية قضية استشكالية، ليست هي بالحجم الذي تنفخ فيه الحكومة، إلا أنها ليست كذلك ببسيطة خصوصاً في ظل ظروفنا الماضية والحالية. كل تغيير له ثمن، وإذا كان رموز المعارضة يعتقدون أنهم يدفعون بالتغيير، فيستوجب عليهم دفع الثمن وإن كان غير مستحق، وهو ما يحدث الآن، وهي سنّة الحياة تجاه كل تغيير. لربما يجب أن يكون السعي الآن تجاه التغيير الحقيقي للمنظومة القانونية التي تتعامل مع قضايا الرأي ومع "أفعالها"، مرفقاً كذلك بمحاولة تغيير الفكر العام للشارع الكويتي ونظرته ودرجة قبوله لمخرجات الحرية. هذه التغييرات، بصعوبتها وطول مدتها وما ستتطلبه من صراع مرير، ستكون هي المعركة الحقيقية وستبقى هي الهدف الأهم الذي سيأخذنا خطوة واضحة للأمام. مبارك أحكام البراءة، وأعان الله المحكومين على تقضية أحكامهم، ولربما يتغير الطريق اليوم، لربما يخلق الشباب ذاك الطريق الذي طالما حلمت أنا شخصياً به، طريق ثالث، قوي معارض كما الناقوس يدق على رأس الحكومة ولكنه في الوقت ذاته لا يتبع رموزاً ولا ينقاد لأشخاص، طريق جديد يحفره الشباب على قدر خطوهم.