وجهة نظر : هل أعددنا للحرب التجارية عدتها؟

نشر في 29-06-2018
آخر تحديث 29-06-2018 | 00:25
 د. عباس المجرن التداعيات الخطيرة المترتبة على المنازعات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وأوروبا من جهة أخرى، واحتمالات تحولها إلى حرب تجارية مفتوحة تستدعي اهتماماً استثنائياً من جانب الكويت، إذ ترتبط الكويت بعلاقات اقتصادية وتجارية وثيقة مع أقطاب هذه الحرب، ويتميز اقتصادها بانفتاح تجاري قياسي يصل معدله، المقدر بنسبة إجمالي الصادرات والواردات إلى الناتج المحلي الإجمالي، إلى نحو 74 في المئة.

إنه من غير المقبول التقليل من مخاطر التوتر الحالي القائم بين المراكز الكبرى للتجارة العالمية، أو اعتباره عارضاً مؤقتاً، فما نشهده اليوم نتاج قلق أميركي متفاقم من الصين الصاعدة تكنولوجياً، والتي زاحمت البلدان الصناعية، ليس في أسواقها التقليدية فحسب، بل في ميدان التقنية الذكية التي كانت تمثل الملاذ الأخير للولايات المتحدة من هيمنة اقتصادات ناشئة على أنشطة الصناعات التقليدية. إن حرباً تجارية بين الكبار وتحديداً الصين والولايات المتحدة، إن بدأت فلن تضع أوزارها في وقت قريب، وسيظل أوارها متقداً، حتى لو نجحت أطرافها في الوصول إلى توافقات جزئية بشأن بعض ملفاتها.

غياب منظمة التجارة العالمية

ولا ينبغي التعويل على قدرة منظمة التجارة العالمية، المعنية بالتصدي للنزاعات التجارية بين الدول الأعضاء وحسمها تشاورياً أو قضائياً، في معالجة هذه المواجهة الحادة والمتصاعدة، فهذا تعويل في غير محله، لأن هذه المنظمة الدولية لم تعد قادرة على النظر في دعوى الصين ضد الولايات المتحدة، بعد أن استندت الإدارة الأميركية في جانب من تدابيرها الحمائية إلى مخاوف تتصل بالأمن القومي الأميركي. وكما هو معلوم تمنح قواعد منظمة التجارة الحق لأي من أعضائها في التخلي عن التزاماته التجارية في حال تعرض أمنه القومي للخطر. ويبدو أن الإدارة الأميركية الحالية تتوجس خيفة من قواعد منظمة التجارة العالمية، التي تهدف إلى تعزيز حرية التجارة الدولية، وإزالة العوائق من أمامها، وذلك سيفضي في نهاية المطاف إلى هيمنة الصين على الأسواق.

المخاطر والتداعيات

إن التبعات الاقتصادية المترتبة على المناوشات التجارية، التي بدأت حدتها تتصاعد منذ نهاية الربع الأول من السنة الجارية ستكون مكلفة وباهظة، وهي لن تتوقف عند حدود التأثير على أسعار العملات، أو الأسواق المالية، أو معدلات التضخم فحسب، بل ستطال أساسيات الاقتصاد العالمي، لتدفع بمعدلات نموه إلى التراجع، وتفضي إلى انكفاء النشاط الاستثماري، كما ستضعف ثقة قطاع الأعمال، وتزيد من حالة عدم اليقين. وكل ذلك من شأنه أن يخفض الطلب العالمي على الموارد، وفي مقدمتها النفط.

وعلى من يعتقد أن من شأن توقف الصين، ثاني أهم المستهلكين للنفط في العالم، عن شراء النفط الأميركي، أو فرضها رسوماً تصل إلى 25 في المئة على وارداتها من نفط الولايات المتحدة، أن يتيح فرصة لزيادة صادرات بلدان نفطية أخرى إلى الصين، أن ينظر إلى التأثير السلبي الأكثر أهمية لتراجع الطلب العالمي على النفط، بسبب التداعيات الاقتصادية السلبية للحرب التجارية، وأثر ذلك على سعر برميل النفط ومداخيل هذه البلدان. وأن ينظر أيضاً إلى تدهور أسعار الأصول المالية وعوائدها، وتأثير ذلك على تراجع دخل الصناديق السيادية ومنها الصندوق السيادي الكويتي، خصوصاً أن أغلبية موجوداته مستثمرة في أصول أميركية مهددة بالتعرض لضغوط شديدة في الوقت الحاضر، وأشد وطأة في حالة تحول النزاع التجاري الحالي إلى حرب تجارية واسعة النطاق.

كما ينبغي التفكير في الآثار السلبية المترتبة على ارتفاع تكاليف الواردات، وتدفقات رأس المال الأجنبي من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية في ظل عالم مضطرب ومتناحر، والتحولات المرتقبة في السياسات النقدية، إذ لا يمكن لأحد أن يعول على استمرار تحسن معدلات التضخم في البلدان المتقدمة، أو مواصلة مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي لسياسته الراهنة في رفع معدلات الفائدة.

وخلاصة القول هي إن مخاطر هذه الحرب التجارية أبعد من تأثيراتها المرتقبة على التجارة البينية وأسواق المال، وهي تستدعي درجة عالية من الحصافة والتدبير والتحوط.

back to top